منذ شهر تقريباً، وقبل يومين من زيارة وزير الخارجية السوري الأولى إلى موسكو، بعث السفير السوري في روسيا رياض حداد رسالة إلى الصحيفة الروسية “NG” (نيزافيسيميا غازيتا – الصحيفة المستقلة) احتج فيها على ما ورد من “أمور غير دقيقة” في نص للصحيفة بشأن سوريا وإيران (“المدن” 18/12/2020). وفي 19 من الشهر الجاري نشرت الصحيفة عينها رسالة جديدة للسفير السوري يعترض فيها هذه المرة، ليس على “أمور غير دقيقة” في نص الصحيفة، بل على فهم الكاتب لعلاقة سوريا بالقضية الفلسطينية، وعلى استشهاده، في القسم الأكبر من المقالة، ب “المدن” و “المونيتور”، المواقع الإعلامية “المعادية لسوريا وغير الموضوعية”، برأي السفير.
وكانت الصحيفة “NG” قد نشرت في 12 من الشهر الجاري نصاً بعنوان “الأسد يبحث عن سند في قطاع غزة” وعنوان ثانوي “حماس ودمشق قد تستعيدان علاقاتهما” للكاتب عينه إيغور سوبوتين، الذي كان السفير قد اعترض على نصه سابقاً. يقول الكاتب، بأنهم يعترفون في حماس الفلسطينية بإمكانية إستعادة العلاقات مع دمشق الرسمية، التي قُطعت في المراحل المبكرة للأزمة السورية. وليست المرة الأولى، التي تظهر فيها شائعات عن تطبيع هذه العلاقات، إلا أن إيران وحزب الله انخرطا الآن، وقد يكون لتزايد التهديدات الإقليمية، في وساطة نشطة بين القصر الرئاسي السوري والقوة الرئيسية في قطاع غزة، حسب الكاتب.
ويقول سوبوتين، بأن التصريحات الرسمية وغير الرسمية لأعضاء حماس، تؤكد أن حزب الله أخذ يتوسط في هذه القضية مع إيران بثقة أكبر الآن. ويشير إلى أنه، وفي حديث مع “المدن” اللبنانية لأحد كبار ممثلي الحركة عاطف عدوان، صرح أن بوسع حماس إعادة العلاقات مع دمشق الرسمية إلى المستوى، الذي كانت عليه بين الطرفين قبل بداية الحرب الأهلية في سوريا. وقال، بأن الحركة، التي تحكم قطاع غزة عملياً، معنية بالتواصل مع كل الدول العربية، في حال مجابهة مع إسرائيل. وأشار عدوان، إلى أن التقارب مع أي كان، لا يعني بالضرورة إقامة تحالف معه.
من جهة أخرى، يقول الكاتب، بأن مصادر “المدن” في قيادة حماس تؤكد، أن مسألة تطبيع العلاقات مع دمشق الرسمية سبق أن طُرحت أكثر من مرة، إلا أنها لم تكن تلقى رداً من محيط الرئيس السوري بشار الأسد. وتقول هذه المصادر، أن ثمة وجهات نظر مختلفة في هذا المحيط حول ضرورة التواصل مع الحركة الفلسطينية. فإذا كان أحد الأطراف يؤيد إنتهاج سياسة براغماتية، فإن الطرف الآخر يُذكر الحمساويين بتأييد المعارضة السورية في مختلف مراحل الحرب الأهلية، ويسمي هذا التأييد خيانة. ويؤكد المتحدثون إلى “المدن”، بأن الكثير قد تغير اليوم مع تنشيط جهود وساطة إيران وحزب الله، اللذين تثير قلقهما المتغيرات في الجو الإقليمي والدولي.
يقول سوبوتين، أن الأحاديث عن إمكانية قرب المصالحة بين دمشق وحماس، تلقت دفعاً جديداً، بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله من على شاشة التلفزة في 27 كانون الأول/ديسمبر، بأن هذه العلاقات يجب أن تستعاد، إلا أن ذلك “يتطلب بعض الوقت”. وأعلن نصرالله، أن هذا الموضوع طُرح في بيروت، خلال اللقاءات الأخيرة مع إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس. وأشار إلى أن مسألة المصالحة بين الأسد وحماس كانت على جدول الأعمال مع هنية، إلى جانب القضايا المشتركة، مثل التطبيع العربي الإسرائيلي، وإشتداد التهديدات العسكرية في المنطقة، بالنسبة لإيران والتشكيلات الموالية لها.
بدوره، نقل موقع “المونيتور” عن مصادر قريبة من حركة حماس، بأن قيادة الحركة حظرت على مسؤوليها الرسميين الخوض في التفاصيل المتعلقة بنوعية العلاقات مع دمشق الرسمية، وذلك لتحاشي عرقلة جهود الوسطاء ، كما يبدو. إلا أن ذلك لم يمنع مصادر الموقع من الحديث عن تقدم في قضية المصالحة، والإشارة إلى، أن هنية كان مرتاحاً في مناقشة مسألة المصالحة في لقاءاته مع نصرالله. ويبدو، أن الحمساويين أنفسهم ليسوا ضد القفزة الدبلوماسية، التي ينبغي أن تصبح وجع رأس لإسرائيل، سيما أن بعض قادة حماس يتوقع “العودة” إلى دمشق لقرب وجهات النظر بشأن قضايا المنطقة ، حسب الكاتب.
يرصد الكاتب مسار العلاقة السورية بين دمشق وحماس، ويقول، أن قاسم سليماني كان يقوم بالوساطة، التي توقفت بعد مقتله. وينقل عن مصادر “المونيتور” قولهم، بأنها تجددت الآن تحت ضغط تنامي المشاعر المعادية لإيران في المنطقة، وإنتقال عدد من البلدان العربية إلى سياسة “أكثر براغماتية” تجاه إسرائيل. ويؤكد هؤلاء، أن إحياء الإتصالات بين دمشق وحماس أصبح ممكناً، بفضل الوضع المستقر للقيادة السورية حالياً، دون أن يستبعد الكاتب، أن يكون وضع القيادة السورية المعكوس تماماً هو الذي دفعها إلى إحياء هذه الإتصالات.
السفير السوري في موسكو، وفي رسالته إلى هيئة تحرير الصحيفة، التي يحتج فيها على المقالة، يقول بأنه يريد أن يوضح بعض الحقائق، التي ينبغي معرفتها لدى الحديث عن علاقات سوريا بالقضية الفلسطينية. ويكرر السفير الموقف المعروف للنظام السوري من القضية الفلسطينية والفلسطينيين، ويقول، بأن إستعادة علاقات هذا الفصيل أو ذاك مع سوريا، بوساطة أحد ما أو بدونها، تقرره حكومة سوريا بما يتفق مع مصالح شعبها.
وبعد أن يؤكد السفير، دعم سوريا لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وتنفيذ قرارت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، يقول بأن موقف سوريا هذا ثابت ومبدئي، ولا ينطلق من اية حسابات جيوسياسية، “كما حاول الكاتب أن يوحي في عنوان مقالته”.
يختتم السفير رسالته باتهام “المدن” و”مونيتر” بعدم الموضوعية والعداء لسوريا، حيث يقول، بأن السفارة بودها أن تشير، إلى أن الكاتب استند في القسم الأعظم من مقالته إلى مواقع إعلامية “معادية لسوريا وغير موضوعية”.
تجدر الإشارة إلى، أن الصحيفة عينها ، كانت قد نقلت في 18 من الجاري، أي قبل يوم من نشر رسالة السفير، ما سبق أن نشرته “الشرق الأوسط” عن إجتماع سوري إسرائيلي في قاعدة حميميم الروسية بحضور قائد القوات الروسية في سوريا الجنرال ألكسندر تشايكو. وعلى الرغم من أن المواقع الروسية الأخرى، التي ذكرت هذا النبأ، أشارت إلى النفي السوري له، لم تأت صحيفة “NG” على ذكر هذا النفي، إلا أن السفير تجاهل هذا الأمر، وفضل الإعتراض على المقالة أعلاه، وإتهام “المدن” و”مونيتور” بعدم الموضوعية والعداء لسوريا.
المصدر: المدن