التطورات تدعم نظرية (وحدة الإسلام الجهادي) السني والشيعي  

رأي الملتقى 

إن إحدى أكبر مشاكلنا مع الدولة الأميركية أنها تتحكم بخزائن من المعلومات الأمنية عن الشرق الأوسط، لا تكشفها إلا إذا كان يخدم سياستها. وأحد أوضح الأمثلة على ذلك ما كشفه وزير الخارجية بومبيو قبل ايام عن العلاقات الوثيقة بين المحور الايراني من ناحية، وتنظيم القاعدة الارهابي ومتفرعاته من ناحية مقابلة، طوال ثلاثين عاما، ما يعني أن التعاون بين المحورين لم يكن عابرا ولا عارضا، وإنما كان راسخا وعميقا. كما يعني أنه كان قادرا على استيعاب الخلافات والمشاكل الموضوعية الناجمة عن تناقض جذري بين عقيدة كل منهما المذهبية، والتي تصل درجة تكفير كل منهما للآخر، واتهامه بالإرهاب والتطرف. وبعبارة أخرى نفي كل منهما للآخر.
“تنظيم القاعدة” السلفي السني الذي بنى استراتيجيته على الدفاع عن الاسلام السني يتحالف مع إيران الخمينية الشيعية المتطرفة التي بنت استراتيجيتها على تدمير المجتمعات السنية – العربية، وتتطلع للاستيلاء على بلاد الحرمين، الأمر الذي يبدو شاذا ويطرح أسئلة كثيرة: هل تحتم حاجة الطرفين عقد هذا التحالف المستهجن؟ وهل المواجهة مع اميركا كافية لدفع الطرفين لهذه العلاقة المحرمة التي تضرب جوهر العقيدة التي يتبناها كل منهما؟
قبل الإجابة، دعونا نشير الى بعض ما كشفه بومبيو، وبعض الاستطرادات المتعلقة به:
1 – إن إيران شاركت في غزوة نيويورك 2001. وهذه المعلومة تؤكد ما كان حينها فرضية يعوزها البرهان، وهي أن عملية بهذا الحجم لا يمكن لتنظيم ارهابي تنفيذها بدون مساعدة دول، لذلك كانوا يريدون تحميل المسؤولية للسعودية وابتزازها ماليا، وها هو شاهد من أهلها يفضح هوية المتهم الحقيقي!
2 – حزب الله اللبناني شريك آخر استخدم لبنان ساحة تدريب خلفية لمقاتلي القاعدة وساحة تدريب على غزوة نيويورك.
3 – لولا حماية إيران لقادة تنظيم القاعدة بعد 2001 لاستطاع الأميركيون اجتثاث جذور تنظيمهم الارهابي، وتصفية قادته، بعد غزوهم لأفغانستان عام 2001 فهرب قادة القاعدة وطالبان الى إيران.
4 – كشفت المعلومات أن إيران سهلت لرجال القاعدة عبور أراضيها وأراضي العراق الى سورية. وهي معلومة فائقة الأهمية والخطورة تثبت صحة ما ذهب إليه ثوارنا عن تعاون ميداني ملموس في سورية بين تنظيم القاعدة بكل مسمياته (جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وقاعدة الشام والعراق.. إلخ) وإيران وأذرعها، وخاصة حزب الله. وبلغ هذا التعاون ذروته بمساعدة الحزب قوات أبو مالك التللي التابع للقاعدة والنصرة على الانسحاب الآمن مع عائلاتهم واسلحتهم من القلمون الى دير الزور بحمايته وبحافلات مكيفة عام 2016. واضطر نصر الله للسفر الى دمشق، ومقابلة الأسد للحصول منه على موافقته.  وجدير بالذكر أن هذه المنظمات القادمة من افغانستان عبر إيران والعراق، وجميعها لم تشتبك مع إيران وعصاباتها اللبنانية والعراقية، ولا مع قوات الأسد إلا بشكل استثنائي. لا بل إن قوات الأسد وداعش تبادلا الدعم العسكري على أعين الناس، وهما يقاتلان ثوار سورية وفصائل الجيش الحر واشتركا – كل من موقعه العقائدي – في تدمير وتحطيم معالم حضارة سورية وهويتها العربية. وما زالت جبهة النصرة تحكم محافظة ادلب منذ خمس سنوات، وتتبادل التجارة مع النظام، وتنعم بأمان تام في محاذاة روسيا وقواتها وقاعدة حيميم!!
هذا التعاون الماكر ليس جديدا، وله سوابق أقدم، فالشيخ بن لادن لم يهاجم حتى لفظيا نظام الأسد، ولا مرة واحدة في خطاباته التي ركزت دائما على مهاجمة دول أخرى، كالسعودية ومصر والأردن، ودول الخليج التي تعاديها إيران. ولا زال بعض أبناء بن لادن، وإحدى زوجاته يقيمون في سورية برعاية القاتل بشار، أحد أركان محور الممانعة الشيعية!
إن المتأمل في هذه العلاقات لا بد أن يتوصل لاستنتاج تحولات بالغة الأهمية في سلوك الجماعات الجهادية السنية والشيعية التي تبدو أنها تكونت تاريخيا من بذرة واحدة، ثم تفرعت وانتشرت، وحافظت على وشائجها، وما زالت تتلاقح بعضها من بعض:
أولها: مكيافلية التنظيمات الموصوفة بالجهادية والاسلامية، إذ انطلت حقيقتها على قطاع عريض من شعبنا المؤمن، فصدقها وسار خلفها بتأثير نزعته الايمانية الساذجة. وبناء عليها رأينا تحالفات سياسية ذرائعية كثيرة بين التنظيمات الإسلامية على اختلاف ألوانها بدءا من التنظيم الأم (جماعة الاخوان المسلمين) الذي كان على صلة بالاستعمار الانجليزي يدعمه ضد الأحزاب الوطنية، وبعد قيام ثورة يوليو 1952 انتقل عداء (جماعة الاخوان) لها، وأصبحت مخلب القوى المعادية للثورة حتى النهاية.
ثانيها: إن ظهور الجماعات الجهادية المتطرفة بدأ في افغانستان إبان الاحتلال السوفياتي، ونمت برعاية الولايات المتحدة، ولما انتهت حاجتها لهم تخلت عنهم، فتحولوا ارهابيين موسميين للإيجار في كل مكان في البوسنة والشيشان وافريقيا (ولم يخدشوا أمن اسرائيل ولا مرة، وارتبطوا بإيران ونظام الأسد، ونظام حزب الدعوة في العراق في عهد نوري المالكي.. إلخ.
ثالثا: أصبح هدف هذه التنظيمات الاسلامية الجهادية ممارسة الارهاب الأسود بلا هدف سوى القتل والترويع وتشويه صورة الاسلام (السني) بصورة أتاحت لإيران وأذرعها الزعم أن الارهاب الدولي ظاهرة سنية وهابية، وأن التنظيمات الشيعية تمثل الاسلام المعتدل الذي يقاتل الإرهاب.
رابعا – دخلت بعض التنظيمات السنية وعلى رأسها جماعة الاخوان في تحالفات دولية كبيرة بهدف تسليمها السلطة في بعض الدول العربية وخاصة مصر وليبيا وتونس بدعم من ادارة أوباما، وبرضا ايراني – تركي.
خامسا – دخلت الفصائل الفلسطينية الاسلامية السنية في تحالف انتهازي مع إيران مقابل الدعم المالي والعسكري، مما جعلها تبارك جرائم إيران وأذرعها في سورية والعراق ولبنان واليمن، وعلى حساب انتمائها القومي.
إن المعلومات التي باح بها بومبيو الذي كان هو نفسه مديرا للسي آي إي وبين يديه أدق اسرار العالم تؤكد النظرية الأمنية والسياسية التي تبلورت بشكل واضح بعد ثورات الربيع العربي، ومفادها أن كل جماعات الاسلام السياسي سنية وشيعية تتعاون فيها بينها، بما فيها أقصى تنظيمات الجهاد السلفية السنية والوهابية من القاعدة الى حركتي الجهاد الاسلامي وحماس، وداعش والنصرة في سورية، ولا صحة لادعاءاتها عن الصراع فيما بينها.
والأخطر مما سبق أن الخصائص الوطنية والقومية تلاشت من هذه التحالفات المكيافيلية، مما سهل انتقال الزعامة العليا لهذا المحور من السعودية قديما الى إيران.
هذه النظرية تتأكد صحتها يوما بعد يوم، وهي تفسر كثيرا من الاحداث والتطورات التي اتسمت بالغموض في السنوات السابقة، ولا سيما في سورية، وبشكل خاص، لماذا قاتلت داعش والنصرة وبقية التنظيمات الجهادية (جند الاقصى مثلا) ثوار سوريا أكثر مما قاتلوا النظام الأسدي وحزب الله والحشد الشيعي العراقي!
ينبغي على المختصين اعادة كتابة تاريخ هذه الحقبة من جديد في ضوء هذه الحقائق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى