عن انتصارات البوط
من المشين أن يلحق أي انسان نفسه بحذاء، مهما بلغ به الاسفاف الأخلاقي والانحطاط المعنوي والروحي . ومن المعيب أن يتباهى شخص بحذاء ، وأن يقيم له التماثيل، أو يتغنى به، كما فعل “أحدهم” في اتصال مع موقع الاستاذ سمير متيني، الذي يتحدث لغة وطنية جامعة، وفاجأه بأن قصر حديثه على التهديد ب” البوط”، كاداة لحل المعضلة السورية، و”ترباية” من لا يؤمنون بالسيد الرئيس، الذين تم سحق معظهم، والدور لا شك آت على من بقي منهم !.
بعد يوم من هذا التلويح بالبوط، وزعت مواقع تواصل اجتماعي متنوعة مشاهد من محافظة طرطوس يبدو فيها حشد كبير من مواطنيه، وهم يبدون تذمرهم من انتظار الكاز، واختفاء الغاز والمازوت ، وشح الكهرباء والخبز، ومن تمضية معظم أوقاتهم في انتظار عبثي لما يحتاجون إليه من سلع وخدمات كي يستمروا في العيش، بما في ذلك الكاز، الذي يحصلون على حصة منه لا تكفي لأي أسرة من أسرهم، فهي عشرة ليترات إن حصلوا عليها بشق الأنفس، لا يتمتعون ببعض الراحة، بل يجدون أنفسهم مجبرين في اليوم التالي على انتظار الليترات العشرة ، مع ما يتطلبه الحصول عليها من انتظار معذب يمتد لساعات وهم وقوف تحت المطر، أو يرتجفون من البرد.
لو اخبرنا مواطنينا الطراطسة، الذين قدم كثيرون منهم ابناءهم دفاعًا عن النظام القائم ، أن حل مشكلات سورية في البوط، كما قال المتصل بالاستاذ سمير متيني، ماذا عساهم يقولون؟. هل يقتنعون أنه سيجلب لهم الغاز والمازوت، والخبز والكهرباء ، وما يكفي من رواتب، وسيحمي أبناءهم على خطوط الجبهات، الداخلية طبعا، حيث يتقاتل سوريون في أرجلهم بوط هنا وسوريين جميع اطفالهم حفاة هناك، لا يقتصرون على من شردوا من بيوتهم ويعيشون في ظروف يصعب وصفها، بل يشملون معظم الذين لم يغادروا منطقة انتصار البوط، بيد أنهم فقدواهم أيضا كل شيء، ويبدو من الفيديو أنهم فقدوا حقهم في أن يكون لديهم حق في أي شيء، ولم يعد أحد يكترث لبؤسهم، الذي يقارن ببؤس إخوتهم تحت شجر الزيتون وفي الالف ومائة وثمانين مخيم داخل وخارج مناطق السلطة الاسدية، التي استخدمت ضدهم عنف من أخرجوا عقولهم من رؤوسهم ووضعوها في البوط، وصدقوا الخطاب الذي أخبرهم أن العنف هو الحل الذي لا حل سواه لمشكلات سورية والسوريين، وتجاهلوا أنه أودى بحياة مئات آلاف الذين ادعى الحرص على انقاذهم، وأنه حمى نفسه بموتهم بحجة حمايتهم من الموت ، وها هم اتباعه يعلنون أن هذا الحل، الذي دمر قطاعات بكاملها من الجماعة الوطنية السورية، هو ما علينا التمسك به، كأن المطلوب اليوم هو الاجهاز على ما بقي من السوريين، الذين لا يستبعد إطلاقا أن يكون بينهم غدا هؤلاء الذين ينتقدون الافتقار إلى الغاز والمازوت والكاز والخبر والدخل والعمل … الخ، في طرطوس الخالية من الإرهابيين، والتي لم تتمرد أو تثور، لكنها دفعت الثمن نفسه الذي دفعه قتلى “البوط” في المناطق التي تمردت وثارت.
ليس سرا أن العنف قد يسكت، لبعض الوقت، من يطالبون بحقوقهم، كحقهم في الحرية، الذي يتناسى ” جماعة البوط ” أنها احد وعود النظام وشعار رئيس من شعاراته ، إلى جانب الوحدة والاشتراكية، وأن اصاحب الحاجة إلى حق من حقوقه قد يخوّف بالعنف إلى درجة الاعتراف بأنه شبعان، إن كان جائعا ويطالب بالخبز ، لكن العنف وتخويفه لا يحلان مشكلته، التي تتضاعف ، حين يجد أن وجوده مرتبط بتحدي الخوف طلبا للخبز، ويواجهه بالفعل، بحقه في الطعام والأمان، وبالتمرد على جوعه وعلى من يرون في العنف الوجبة الكفيلة باشباعه . ترى، لو بادر “جماعة البوط” إلى الاقرار بان للمواطن حقوقا ، ولو اطعموه، أما كان بين الاحياء اليوم من ماتوا وهو يقتلونه لحل مشكلات لا تحل بالعنف أو بالقتل، بل تتفاقم وترتفع تكلفتها من يوم لآخر ، وتبطش أول ما تبطش ب”اتباع البوط”، وإن خالوا أنهم حققوا انتصارات تقول نتائجها الملموسة أنها لم تكن غير هزائم يدفع ثمنها ضحاياها في كل مكان، ومن كل صنف ولون من اصناف وألوان السوريين.
دمرت عقلية البوط سورية، وأعادت أهلها إلى ما قبل جد جدي، حسب قول واحد من الذين كانوا ينتظرون الكاز في طرطوس، أو إلى العصور الوسطى ، كما أضاف آخر، فإن استمر علاج مشكلات الشعب بالبوط، سيقول المواطنون قريبا: اخطأ المواطنان، لأننا عدنا في الحقيقة إلى العصر الحجري، وخسرنا كل شيء: أولادنا واعمالنا ولقمة أطفالنا، دون أن نحافظ على أي شيء مما كان لدينا قبل انتصار البوط، والسبب: أننا واجهنا مشكلاتنا بادوات لا تصلح لمواجهتها أو لحلها، ويعني التمسك بها تعميم ما حا بنا من دمار، لا ندري ، ولا يدري من أوصلنا إلى ما نحن فيه، كيف، ومتى ، وما أذا كنا سنخرج منه كسوريين.!
لنخرج البوط من رؤوسنا، ولنعد عقولنا إلى مكانها فيها، كمواطنين سوريين، فهذا هو الحل الذي لا حل غيره لما نحن فيه اليوم.
المصدر: سوريا الأمل