يبدأ العام 2021 وسط أكبر أزمة في عصرنا. وكانت استجابة أجهزة الرعاية الصحية للوباء هي التي حددت ملامح العام 2020. وسوف تكون الاستجابة الاقتصادية لأضراره المقيمة هي التي ستحدد ملامح العام 2021.
سوف يفتقد عالم يعاني من أزمة قيادة وتعاون قوة عظمى ملتزمة وعاملة جيداً. وعندما تكون أقوى دولة في العالم منقسمة، كما هو حال الولايات المتحدة الآن، فمن المؤكد أن الركود الجيوسياسي لعالم مع “صفر قوى عظمى” G-Zero سيتعمق فحسب. ولذلك، نبدأ تقرينا لهذا العام بمشكلة الشرعية السياسية في أميركا. وهذه المخاطر العشر الأهم التي قدرتها “مجموعة أوراسيا” للعام 2021.
46*
بعد انتصار ترامب الانتخابي في العام 2016 الذي يعتقد العديد من الديمقراطيين أن روسيا ساعدته على تحقيقه، تفتح ولاية جو بايدن حقبة رئاسية مميزة بعلامة نجمة -وقت يُنظر فيه إلى شاغل المكتب البيضاوي على أنه غير شرعي من قبل ما يقرب من ثلث سكان البلاد -ومن قبل بعض المشرعين الذين يُرسلهم المشككون في الانتخابات إلى الكونغرس أيضاً. ومعظم المخاطر هنا داخلية، حيث يُعد الرئيس المنتخب، بايدن، أضعف مسؤول تنفيذي يتولى المنصب منذ الرئيس جيمي كارتر في العام 1976. لكن عواقب الاستقطاب الشديد للشرعية الديمقراطية تمتد إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة. ففي ما هو أبعد من من الرغبة المشتركة في احتواء الصين، سيختلف الجمهوريون والديمقراطيون بشدة -مع بعضهم بعضا وفيما بينهم أيضاً- حول أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك، فإن حجم قاعدة ترامب، وتوسيع تلك القاعدة لتشمل المزيد من الناخبين من الأقليات، يتركان الحلفاء والشركاء المحتملين وهم يتساءلون عما إذا كان رئيس وسياسة خارجية قائمة على مبدأ “أميركا أولاً” يقفان على بعد أربعة أعوام من الآن فحسب.
“كوفيد الطويل”
في العام 2021، لن تهدد الأعراض المستمرة طويلة الأمد لـ”كوفيد -19″ الأرواح فحسب، وإنما ستشكل خطراً على الاستقرار السياسي والاقتصاد العالمي. سوف تكافح البلدان في جميع أنحاء العالم للوفاء بالجداول الزمنية الطموحة للتطعيم، وسيترك الوباء إرثًا من الديون المرتفعة، والعمال المشردين، وتزايد عدم المساواة، وفقدان الثقة. وسيؤدي إطلاق اللقاح كثير المطبات، والندوب التي يتركها الوباء على الاقتصاد، إلى تأجيج الغضب المناهض لشاغلي المناصب وإثارة الاضطرابات العامة في العديد من البلدان. وستشهد بعض الأسواق الناشئة انخفاضاً في السيولة هذا العام. ومع ارتفاع تكاليف التضخم والاقتراض، سيكون لديها مساحة أقل بكثير من الولايات المتحدة وأوروبا لتخفيف قوة الضربة الاقتصادية التي يسببها فيروس كورونا.
المناخ: صفر انبعاثات يلتقي بصفر قوى عظمى
تصبح سياسة المناخ أولوية وطنية عليا… وساحة للمنافسة العالمية. وعبر مجموعة من التقنيات النظيفة، سيواجه نهج السياسة الصناعية الصيني طويل الأمد هجومًا مضادًا قوياً من واشنطن. وستتعرض بعض أجزاء سلسلة إمداد الطاقة النظيفة لضغوط التشعب مثل تلك التي تمكن رؤيتها في “الجيل الخامس”. وسوف يخلق الدفع من أجل تحقيق أهداف انبعاثات صفرية صافية إلى خلق فرص هائلة لرأس المال الخاص، لا سيما المجموعة المتزايدة من دولارات ويوروهات “الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات” (ESG)، لكن الكاسبين والخاسرين ستحددهم في كثير من الأحيان العوامل السياسية وقوى السوق.
توسيع المنافسة الأميركية الصينية
سوف تخفف الرغبة المشتركة في واشنطن وبكين في تحقيق استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين من حدة التوترات الرئيسية، لكن التنسيق الأميركي مع الحلفاء بشأن المنافسة الصينية، جنبًا إلى جنب مع دبلوماسية اللقاح/ القومية واستراتيجيات تكنولوجيا المناخ المتصارعة، سوف تترافق مع الاحتكاكات طويلة الأمد في مجالات أخرى -نحو المزيد من تعقد التنافس بينهما. وسوف تنتقل الخلافات حول التجارة، وهونغ كونغ، وتايوان وبحر الصين الجنوبي، إلى العام 2021. وستزيد نقاط الخلاف هذه مجتمعةً من خطر سوء التقدير والتصعيد نحو الأزمة.
حسابات البيانات العالمية
سوف يؤدي التباطؤ في التدفق الحر للبيانات الحساسة عبر الحدود إلى زيادة التكاليف على الشركات وتعطيل التطبيقات الشائعة ونماذج الأعمال التجارية عبر الإنترنت. وسوف يبدأ هذا الخطر بالولايات المتحدة والصين، لكنه لن ينتهي هناك. وحتى مع اكتساب ثورات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي المبنية على البيانات زخَماً، فإن الحكومات الأخرى التي تشعر بالقلق إزاء مَن يصل إلى بيانات مواطنيها -وكيف- سوف تقوض أسس الإنترنت العالمي المفتوح. وسوف تعاني نماذج أعمال قطاعات التكنولوجيا المبتكرة. وسيؤدي حظر التطبيقات وقضايا أخرى إلى إعاقة التعاون العالمي بشأن الصحة العامة وتحديات المناخ.
نقطة تحول سيبرانية
ليس هناك عامل واحد يزيد من خطر حدوث كارثة كبرى في الفضاء الإلكتروني في العام 2021. لا يمكن التنبؤ بالمجال الرقمي، حيث يمكن لأي جهاز حاسوب أو هاتف ذكي أن يصبح نقطة دخول للقراصية والمتسللين، وتتصرف الدول القومية والمجرمون بإفلات نسبي من العقاب. وبدلاً من ذلك، فإن مزيجًا من المخاطر ذات الاحتمالية المنخفضة -وإنما عالية التأثير- وزيادة مساحة سطح التهديد وسط تسارع الرقمنة، سيجعلان من 2021 العام الذي يخلق فيه الصراع السيبراني مخاطر تكنولوجية وجيوسياسية غير مسبوقة في الفضاء السيبراني.
تركيا، خارجاً في العراء
سوف تجعل الانتكاسات الاقتصادية في العام 2021 والاستجابة الضعيفة لـ”كوفيد -19″ الرئيس أردوغان يكافح لاستعادة الناخبين المحبطين من حكمه المستمر منذ عقدين. وستؤجج هذه الديناميات التوترات الاجتماعية، وتحفز قمع المعارضة، وتشجع أردوغان على إطلاق المزيد من مغامرات السياسة الخارجية لتأجيج القومية وتشتيت انتباه أنصاره. هذا العام، لن يكون للرئيس التركي أصدقاء دوليون لحمايته من العواقب.
الشرق الأوسط – انخفاض أسعار النفط
الشرق الأوسط هو الخاسر الإقليمي الأكبر من فيروس كورونا. فقد واجهت البلدان المنتجة للطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انهيارًا في الطلب العالمي على الطاقة في العام 2020، ما ترك الحكومات، من الجزائر إلى إيران، مع تدفق نقود أقل إلى خزائنها -حتى بينما تسبب الوباء في مرض المواطنين وإضعاف الاقتصادات. وسيكون العام 2021 أسوأ، مع بقاء أسعار الطاقة منخفضة. وستعمل العديد من هذه الحكومات على خفض الإنفاق ما يلحق الضرر بالقطاعات الخاصة الضعيفة ويفاقم مشكلة البطالة. وسوف تتباطأ الإصلاحات وتتزايد الاحتجاجات.
أوروبا بعد ميركل
سوف يتصدر رحيل أنجيلا ميركل في وقت لاحق من هذا العام بعد 15 عامًا في منصب المستشارة أكبر المخاطر التي تواجهها القارة. وتواجه أوروبا دواراً اقتصادياً بسبب قيود الإغلاق المكثفة في العديد من البلدان، ولن تكون ميركل موجودة لتشجيع المرونة في الاستجابة متعددة الأطراف. وبالتالي، فإن أي نكسة اقتصادية يمكن أن تهدد الانتعاش الهش لأوروبا، وأن تخلق الظروف المناسبة لاستيقاظ الشعبوية الأوروبية من سباتها. ومن دون وجود ميركل لتعمل كمفاوض قوي، فإن الجهود الدبلوماسية لحل نزاعات الطاقة والأراضي في شرق البحر الأبيض المتوسط ستعاني أيضًا. وسوف يصبح موقف الاتحاد الأوروبي أكثر تشددًا حيث تدفع فرنسا المزيد من الدول الأعضاء إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه تركيا، ما يزيد التوترات.
خيبات أمل في أميركا اللاتينية
بعد الشرق الأوسط، أصبحت أميركا اللاتينية أكثر مناطق العالم تأثراً بفيروس كورونا. وتواجه الحكومات في أميركا اللاتينية الآن نسخاً مكثفة من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي كانت تواجهها قبل الوباء. وفي معظم أنحاء المنطقة، لن تتوفر اللقاحات على نطاق واسع حتى أواخر العام، وستكون البلدان في وضع ضعيف للتعامل مع موجة أخرى من “كوفيد” قبل ذلك الوقت. وستزداد الضغوط السياسية والاقتصادية مع إجراء الأرجنتين والمكسيك انتخابات تشريعية في العام 2021، وتصويت الناخبين في تشيلي والإكوادور وبيرو في لانتخاب رؤساء.
أشياء أخرى
سوف يتواصل الرئيس جو بايدن مع القادة الذين كانت لهم علاقات ودية مع ترامب، مثل بولسونارو في البرازيل، وأردوغان في تركيا، وبوريس جونسون في المملكة المتحدة، ونتنياهو في إسرائيل، بطريقة براغماتية، حتى لو أن ذلك سيحدث بشكل غير متساو.
لن يعلن المشرعون الأميركيون الحرب على شركات التكنولوجيا التي تساعد على استعادة النمو بعد الوباء، بسبب عدم القدرة على الاتفاق بشأن تظلماتها ونهجها التنظيمي.
لن تكون العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران مثمرة ولا مدمرة كما يخشى الكثيرون (ولا، لن يخوض الرئيس ترامب حربًا مع إيران قبل أن يترك منصبه).
*Ian Bremmer: كاتب عمود في الشؤون الخارجية، ومحرر مسؤول في مجلة “تايم”. يدرِس الجغرافيا السياسية التطبيقية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “نحن مقابل هم: فشل العولمة”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Top Risks for the World in 2021
المصدر: الغد الأردنية/(مجلة تايم)