كان الظهور الأخير لرجل الأعمال الأشهر في سورية رامي مخلوف الخميس، مختلفاً بشكل كبير عن جميع المناسبات السابقة التي ظهر فيها منذ بدء النظام بتجريده من أملاكه ونفوذه.
فعلى الرغم من أن التسجيلات المصورة السابقة التي دأب مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، على الإطلالة من خلالها للتعبير عن غضبه جراء هذه الحملة، ابتداء من أيار/مايو 2020، كانت تتضمن عبارات دينية وأدعية وتحذيرات من انتقام إلهي سيصيب “الظالمين” إلا أنها المرة الأولى التي يكون الظهور بكاملها مخصصاً للحديث عن الغيبيات والتسليم لها.
لكن هذا الظهور لم يكن مفاجئاً بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين عرفوا رامي مخلوف عن قرب خلال السنوات التسع الماضية. وأكدوا ل”المدن” أن مخلوف أظهر خلالها الالتزام على نحو كبير بالطقوس الدينية على المذهب العلوي، كما أنه بات ميالاً للتعلق بالغيبيات ومن المؤمنين جداً بالتنبؤات وعلم الأرقام والتنجيم، ويقدس الأولياء ويبذل بسخاء لصالح المقامات العلوية التي كان يحرص على زيارة بعضها على نحو مستمر.
وتضيف هذه المصادر أن مخلوف أصبح في الفترة الأخيرة أكثر التزاما، وكما لم يحدث من قبل، بالطقوس الدينية والمواظبة على مراجعة كتب الطائفة العلوية التي تتحدث عن آخر الزمان وعلامات القيامة وظهور المهدي والمسيح، لكنها تلفت إلى أنه لم يعد بإمكانه استقبال المنجمين الذين اعتادوا أن يزوره بشكل دوري قبل أن تُفرض عليه الإقامة الجبرية منذ نحو تسعة أشهر بشكل غير رسمي.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الحالة ازدادت وضوحاً لدى مخلوف عقب وفاة والده قبل أشهر، الذي كان يعول عليه كثيراً في إنقاذ علاقته مع الأسد، هذه العلاقة التي باتت بحكم المنتهية ولا توجد أي مؤشرات على إمكانية إصلاحها.
كما تؤكد المصادر أن مخلوف بات أكثر ميلاً للتسليم بخسارته المعركة مع آل الأسد، والتي ظل حتى اللحظات الأخيرة يؤمن بأنها لن تنتهي على هذا الشكل الدرامي الذي آلت إليه، خاصة وأنه كان يعتقد بإمكانية أن يشكل وقوف بعض الشخصيات النافذة في النظام إلى جانبه عامل ضغط يغيّر اتجاه الأحداث، أو أن تتدخل روسيا وإيران لوضع حد للحملة التي شُنت ضده، وهو ما لم يحدث، ما شكل خيبة أمل كبيرة لديه.
خيبة أمل رامي مخلوف لم تقف عند هذه النقطة، بل تعدتها لتشمل شعوره القوي بالمرارة جراء تخلي جميع من كانوا محسوبين عليه، وكذلك عدم تسجل الطائفة العلوية أي موقف لصالحه رغم كل ما يعتقد أنه قدمه لها من مساعدات، الأمر الذي تعتقد معه هذه المصادر أنه أسهم في زيادة ميله إلى التسليم بالغيبات وانتظار تدخل إلهي ينصفه كما يبدو.
وخلال ذروة الأزمة بين النظام وبين رامي مخلوف، توقع الكثيرون أن تتحرك الميليشيات التي شكلها الأخير ضمن قوى الشبيحة والدفاع الوطني للدفاع عنه، خاصة مع بعض التقديرات التي بالغت في تصوير حجم وإمكانات هذه الميليشيات، إلا أن النظام لم يحتَج في النهاية إلى أكثر من اعتقال بعض القادة فيها ولفترة وجيزة قبل أن يطلق سراحهم بعد التأكد من ولاء هذه المجموعات المسلحة المطلق للنظام.
لكن الصحافي عدنان عبد الرزاق يستبعد في حديث ل”المدن” أن تكون هذه الحالة من التسليم للفكر الغيبي والأوهام جزء أصيل من شخصية رامي مخلوف الذي تربّى بعيداً عن الدوائر الاجتماعية التي تنتشر فيها هذه الأفكار، فهو ابن السلطة والنفوذ وصاحبهما فيما بعد وبما يعفي من الحاجة إلى توسل الغيب من أجل تحقيق كل ما يريد.
ويضيف أن “الوسوسة والتسليم والتواكل والإغراق بالغيبيات والأوهام كلها علامات على تأثير إيراني على مخلوف”، موضحاً أن “رامي مخلوف كان قد اختار اللعب مع روسيا عبر أخيه حافظ وأبيه قبل أن يتوفى، فمنذ عام 2015 أقام محمد مخلوف بشكل دائم وابنه حافظ في موسكو، وتوافقوا مع الروس على ترتيبات تتعلق بتسوية ما بعد الأسد، وباعتقادي الخاص فإن اسرائيل هي من سرب المعلومات حول هذه العلاقة وأهدافها وأن هذا هو السبب الحقيقي لخلاف مخلوف والأسد”.
وتابع: “بعد اختيار موسكو اعتماد ورقة بشار الأسد بشكل نهائي بدأت إيران بالعمل على استقطاب رامي عبر وعود بالحماية وإقامة مصالح اقتصادية وأعمال بين الطرفين، ولذلك أصبح رامي مخلوف اليوم من حصة طهران وأحد أوراقها بواقع فقدانها كثير من الأوراق ونقاط القوة”.
ورغم موجة السخرية الواسعة التي أثارتها دعوة مخلوف السوريين إلى تجاوز آلام الماضي والعمل سوية من أجل المستقبل، وفق خطوات يكون أولها الدعاء في وقت واحد من أجل النجاة من مصير أكثر سوء ينتظرهم، إلا أن الجميع كان لافتاً بالنسبة لهم حديث مخلوف عن السوريين دون تحديد توجههم السياسي، الأمر الذي يثير التساؤلات أيضاً.
سواء كانت حالة التعلق بالغيب والاستسلام للفكر الميتافيزيقي حالة طارئة على رامي مخلوف نتيجة الظروف الخاصة والأزمات التي واجهته، أو كانت صفة أصيلة فيه، فإن ظهوره الأخير يكشف عن وضع نفسي معقّد يمر به الرجل الذي كان حتى الأمس القريب إمبراطور المال والاقتصاد الأول في سوريا، فهل كان يبحث من خلال هذا الظهور عن مستقبله لدى إيران كرجل سياسة؟ أم عن مقام ديني كرجل زاهد بين العلويين؟
المصدر: المدن