في قمة هيلسنكي 2018، اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، على خطة مشتركة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. بدأ بعدها مبعوث بوتين الخاص ألسكندر لافرنتيف زيارات إلى عمان وبيروت ودمشق، وسبقه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى برلين وباريس لطرح الخطة، التي بدت وقتها محاولة روسية يائسة لجذب أموال إعادة الإعمار، لتصبح “العودة” محورا روسيا رئيسيا خلال الجولة الرابعة من مباحثات اللجنة الدستورية. اكتسب هذا الملف زخما أكبر من العملية السياسية المرجوة من اجتماعات جنيف، وأخذ حيزا كبيرا من تصريحات الروس ونظام الأسد.
مؤتمر فاشل
في تشرين الثاني من العام الفائت 2020، قالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، إن “التحضيرات للمؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والنازحين السوريين، قد دخلت مرحلتها الأخيرة”، وأعادت إلى الأذهان أن المؤتمر سينعقد في دمشق يومي 11-12 تشرين الثاني.
وتعمّدت زاخاروفا التنويه إلى أن “روسيا منخرطة بنشاط في هذا العمل”، ومن ثم دعت جميع الدول المهتمة، وكذلك وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والمنظمات الدولية غير الحكومية إلى “الرد الإيجابي على الدعوة التي وجهها الجانب السوري”، والمشاركة في المؤتمر الذي وصفته “منتدى إنساني مهم”.
الدعوات الروسية للجهات المعنية بحضور المؤتمر وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي لاقت تجاهلا، وامتنعت غالبية الدول عن المشاركة في المؤتمر الذي دعا إليه نظام الأسد برعاية ونفقة وزارة الدفاع الروسية.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها إن “روسيا ونظام الأسد يسعيان إلى استخدام ملايين اللاجئين السوريين كبيادق سياسية”، وإن المؤتمر “لم يكن محاولة ذات مصداقية” لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى سوريا”.
20 دولة بينها الصين والهند والإمارات، شاركوا في المؤتمر، ويعود ذلك إما لرغبتها بالتكسب من ازدهار عملية إعادة الإعمار في سوريا، لا أن تقوم بالدفع من أجلها، أو لأنها ببساطة تحاول أن تستعرض دعمها السياسي للأسد. وباستثناء لبنان، ليست هنالك أية دولة استضافت عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين على استعداد للقبول بشروط روسيا للحوار.
اللاجئون ملف سياسي
يشترط الاتحاد الأوروبي حلا سياسيا برعاية أممية قبل الخوض في تفاصيل إعادة الإعمار والعودة الطوعية للاجئين، التي يجب أن يسبقها عملية انتقال سياسي جدية.
في حين تشدد روسيا على إنسانية ملف اللاجئين السوريين، وكأن اللاجئين غادروا بلادهم طواعية ولم يتركوها هربا من الأعمال العسكرية للنظام وروسيا وخوفا من انتهاكات أجهزته الأمنية وميليشياته، حيث قال السفير الروسي في الأردن، غليب ديساتنيكوف قبل انعقاد مؤتمر “عودة اللاجئين”، إن المؤتمر “يكتسب طابعاً إنسانياً بحتاً”، موضحاً أنه “لا يستهدف إطلاقاً المساهمة في ترسيخ شرعية النظام كما يحاول تصنيفه بعض اللاعبين المعارضين للمؤتمر”.
أهداف موسكو
ثمة أهداف ترجوها روسيا من عقد مؤتمر اللاجئين السوريين على رأسها، الالتفاف على العملية السياسية، حيث دأبت روسيا الالتفاف على المسارات الأممية، التي تمنح المعارضة السورية نوعا من الندية مقابل نظام الأسد.
فبعد فشلها في عقد مؤتمر للاجئين السوريين عام 2018، كررت موسكو المحاولة لعقده، دون أن تطرح أفكارا ومشاريع ورؤى جديدة، فهدفها هو حرف الأنظار عن العملية السياسية.
إضافة إلى الاستفادة من الأموال التي ستجمعها روسيا باسم اللاجئين السوريين، في تمويل نظام الأسد، الذي يبدو على وشك الإفلاس، وقدرت الأمم المتحدة التكلفة بـ 400 مليار وتتطلب 15 عاما لإعادة إعمار 70 في المئة من البنية التحتية المدمرة.
كما تحاول روسيا من خلال المؤتمر الالتفاف على “قانون قيصر”عبر إدخال وتهريب الأموال والمواد وجميع احتياجات النظام على أنها مساعدات للاجئين.
وحصر المساعدات المقدمة للاجئين السوريين عبر قنوات النظام فقط، بعد أن نجح الروس في إغلاق أحد المعبرين الإنسانيين في الشمال السوري، ليبقى معبرا واحدا.
الضغط على اللاجئين في لبنان والأردن والسودان
احترقت مؤخرا عشرات الخيم، في مخيم المنية للاجئين السوريين، بمدينة عكار اللبنانية إثر خلاف بين سوريين ولبنانيين في المنطقة. ليست هذه الحادثة الوحيدة التي يروح اللاجئون فيها ضحية لخطاب التحريض الذي تقوده بعض الجهات في لبنان، لكنها أوضحت هشاشة وضع السوريين في لبنان.
ووفقاً لإحصائيات عرضها مركز وصول لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 600 جمعية مدنية تعمل على تقديم المساعدة للاجئين السوريين في لبنان، تواجه ضغوطات من السلطات اللبنانية.
وبحسب ما صرحت به مديرة البرامج في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زهرة بزي، لتلفزيون سوريا، فإن هناك صعوبات عديدة وانتهاكات تمارس على المجتمع المدني، في حين أنها تزداد عندما يعلو منسوب المعارضة من قبل هذه المنظمات، خاصة عندما تتعرض لمصالح السلطة الحاكمة ومقراتها، في حين أن الدولة اللبنانية تعتقد أن حل موضوع اللاجئين هو عودتهم وبالتالي هي غير قابلة لأن يكون هناك حقوق وحماية حقوق لهؤلاء اللاجئين في لبنان.
وعقب نهاية مؤتمر “عودة اللاجئين”، أطلقت السلطات اللبنانية مبادرة لعقد مؤتمر دولي بشأن عودة اللاجئين على غرار مؤتمر دمشق، وأعلن رئيس “مقر التنسيق الروسي – السوري لعودة اللاجئين”، ميخائيل ميزينتسيف، تأييد روسيا للمبادرة اللبنانية.
مطلع أيلول الفائت أكدت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية ماري قعوار على التزام بلادها باستضافة اللاجئين السوريين، وعدم إعادتهم بشكل “قسري” إلى سوريا، إذا رفضوا العودة بشكل طوعي.
وكان من المقرر أن تعود 50 عائلة سورية من الأردن إلى مناطق سيطرة النظام في تموز، بعد تحضيرات شارك فيها الأخير مع الجانب الروسي، لكن اللاجئين لم يعودوا.
وتقدر المفوضية عدد اللاجئين السوريين في الأردن بنحو 660 ألفاً نصفهم من الأطفال ويعيش 86% منهم تحت خط الفقر.
ويقطن نحو 120 ألف لاجئ داخل المخيمات القريبة من الحدود السورية، مثل مخيم الزعتري والأزرق، والركبان الذي يُعرف بأوضاعه الإنسانية السيئة، والحصار المحكم الذي يحيط به، بعد إغلاق المنفذ الواصل إلى الأردن بضغط روسي.
أما في السودان الذي فتح حددوه أمام السوريين، فبعد وصول “المجلس الانتقالي” إلى السلطة، في تشرين الأول 2019، سارع في تغيير سياسته تجاه اللاجئين وابتعد عن نهج تركهم وشأنهم، وعقب “مؤتمر دمشق” بدأت السلطات السودانية تُضيّق عليهم وعموم اللاجئين بفرض قوانين تشمل سلسلة مربكة مِن الشروط البيروقراطية مِن أجل الحصول على الرخص والأذونات، كالحصول على أوراقٍ مصدّقة مِن بلدهم الذي هجّرهم “النظام” منه، إضافة إلى سحب الجنسية ممن حصلوا عليها.
اللاجئون يخشون العودة
أظهرت نتائج دراسة حديثة، الخميس، أن أكثر من 90 في المئة من اللاجئين السوريين يخشون العودة لمناطق سيطرة نظام الأسد.
وخلص الاستطلاع إلى أن غالبية اللاجئين السوريين في دول الجوار، غير مُستعدين في الظروف القائمة حاليا للعودة إلى أي من مناطق نفوذ النظام.
وقال 63.8 بالمئة من المستطلع آراؤهم إنهم “يتفقون إلى حد بعيد”، و26.6 بالمئة “يتفقون إلى حد متوسط” بأن عودتهم إلى مناطق النظام تشكل في كثير من الأحيان مصدر تهديد لهم ولعائلاتهم.
كما قال 71.6 بالمئة من المشاركين في الدراسة إنهم لا يثقون بمراسيم العفو الصادرة عن النظام، فيما رأى 69.8 بالمئة منهم أنه لا توجد أي ضمانات دولية تكفل أمن اللاجئين العائدين.
وتقدر منظمات حقوقية أعداد اللاجئين السوريين في دول الجوار بنحو 7 ملايين لاجئ فضلا عن نحو 5 ملايين نازح عن مدنهم وبلداتهم داخل البلاد.
اللاجئون في اللجنة الدستورية
يروج نظام الأسد لعودة اللاجئين أمام المجتمع الدولي، ويتجاهل ملف النازحين الذين هجرهم تحت القصف والغارات الجوية إلى الشمال السوري.
من جهته قدم وفد المعارضة السورية ضمن أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، مقترحا طرح “مضامین دستورية حول إدانة الإرهاب وتشكيل الهيئة الوطنية للمهجرين والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”.
وعرّفها وفد المعارضة بأنها “هيئة وطنية مستقلة تعنى بشؤون المهجرين من لاجئين ونازحين، وتعمل على تمكينهم من العودة الآمنة والطوعية إلى مساكنهم التي هجروا منها، وضمان توفير البيئة الآمنة ومستلزمات الحياة الأساسية وجبر الضرر والمساهمة في تحقيق المصالحة الوطنية”.
واستند الوفد في مقترحه الثاني إلى المبدأ الـ 11 من “المبادئ الـ12 الأساسية والحية للأطراف السورية”، والذي ينص على “محاربة الفقر والقضاء عليه وتوفير الدعم للمسنين والفئات الضعيفة الأخرى والتي تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب بما يشمل ضمان أمن وسكن جميع النازحين واللاجئين وكذا ضمان حقهم في الرجوع الآمن والاختياري لمساكنهم وأراضيهم”.
في حين كانت جميع مداخلات أعضاء وفد النظام كانت بعيدة عن جدول الأعمال وتصب بشكل أساسي في موضوع “مؤتمر اللاجئين”، الذي عقده النظام بدعم روسيا في دمشق في 11 و12 الشهر الجاري.
وركز أعضاء وفد النظام في مداخلاتهم على قضية اللاجئين بشكل رئيسي، ووجه عدد منهم اتهامات لدول الجوار السوري بمنع عودة اللاجئين، والمتاجرة بوجودهم على أراضيها.
وكانت وكالة أنباء النظام “سانا”، قالت إن أعضاء وفد النظام “ركّزوا على أهمية اعتماد موضوع عودة اللاجئين كمبدأ وطني جامع”، مطالبين “بعض الدول بالتوقف عن تسييس هذا الملف، ووضع العراقيل في وجه عودة اللاجئين”.
يسعى النظام وروسيا حاليا للترويج لهذا المؤتمر داخل أروقة الأمم المتحدة في معظم الاجتماعات واللقاءات، بهدف حشد التأييد لوجهة نظر نظام الأسد وروسيا في مسألة اللاجئين، فهل ستنجح روسيا في إغراق مركب اللاجئين الذين نجوا من المقتلة السورية؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا