لم يشذّ عام 2020 عمّا سبقه من أعوام لجهة جمود مسار العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، لإيجاد حلول للقضية السورية المستعصية عن أي حل منذ عام 2011. في العام الحالي استمرّ نظام بشار الأسد في العرقلة وشراء الوقت، مستنداً إلى دعم متواصل من الروس والإيرانيين، وفي ظل تراخٍ أميركي، رغم فرض واشنطن عقوبات على النظام وفق “قانون قيصر”، التي لم تدفع إلى تنازلات حقيقية من قبل الأسد.
في المقابل، لم تتمكن المعارضة السورية من تجميع قواها، لتشكيل مرجعية واحدة، يُمكن أن تقف بوجه الضغوط الإقليمية التي دفعتها إلى الانخراط في مباحثات “اللجنة الدستورية”، والتي لم تخرج بنتائج يمكن البناء عليها. وقبل نهاية العام بأيام، حاول الائتلاف الوطني السوري، الذي يعتبر نفسه ممثل قوى الثورة والمعارضة، استنهاض موقف عربي داعم لحقوق الشعب السوري، وهو ما تجلى برسالة رئيس الائتلاف الوطني، نصر الحريري، إلى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، تتضمن دعوة المملكة إلى التدخل في تطبيق الحل السياسي في سورية، والدفع بالجامعة العربية لاتخاذ مواقف فعالة لتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السورية، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254. وواجه الائتلاف خلال عام 2020 الكثير من التحديات التي كادت أن تعصف به، ولا سيما على خلفية قراره تشكيل هيئة تشرف على الانتخابات. وهو ما عُدّ تماهياً مع الضغوط الإقليمية والدولية للمشاركة في انتخابات رئاسية وبرلمانية تجمعه مع النظام السوري. وعلى الرغم من محاولة قيادة الائتلاف محاصرة تداعيات هذه “السقطة”، إلا أن الهوّة لا تزال موجودة بينه وبين الشارع المعارض.
وكان من المؤمل أن تحقق “اللجنة الدستورية” المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد والمؤلفة من وفدي المعارضة السورية والنظام وممثلي المجتمع المدني، تقدماً كبيراً على هذا الصعيد، ولكن العام انقضى من دون تحقيق أي نتيجة تذكر. كذلك قلّل وزير خارجية النظام فيصل المقداد، من أهمية هذه اللجنة في الأيام الأخيرة من عام 2020، حين قال في العاصمة الروسية موسكو: “لن يكون هناك ربط بين عمل اللجنة الدستورية الحالية والانتخابات (الرئاسية) المقبلة، التي يجب إجراؤها بالضبط في الوقت المحدد بموجب الدستور الحالي”. وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت جولة رابعة من أعمال اللجنة الدستورية واستمرت أياماً عدة، ولكن من دون أي اختراق، بل ازدادت الهوّة بين الجانبين. كذلك بات يُنظر إلى هذه الأعمال على أنها عبث سياسي في ظل عدم وجود ضغط دولي فاعل لإجبار نظام الأسد على التفاوض.
والتأمت الجولة الثالثة من أعمال اللجنة أواخر أغسطس/ آب، ولم تتطرق الوفود الثلاثة فيها إلى مضامين دستورية، إذ أصرّ وفد النظام على مناقشة ما يسمّيه “الثوابت الوطنية”، في مسعى واضح لإغراق اللجنة في “التفاصيل” لشراء الوقت. ويهدف النظام للوصول إلى منتصف عام 2021 إلى إجراء انتخابات رئاسية يفوز بموجبها بشار الأسد بولاية جديدة مدتها 7 سنوات. وظهرت قبيل نهاية العام الماضي بوادر أزمة بين المعارضة السورية والمبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن، الذي أثار حفيظة الشارع السوري المعارض واستنكاره باستخدامه مصطلح “العدالة التصالحية” بدل “العدالة الانتقالية” للتوصل إلى حلول. وهو ما فُسّر كمحاولة لمنح النظام “صك براءة” عن الجرائم التي اقترفها من عام 2011.
في السياق، يقول عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، عبد المجيد بركات، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن عام 2020 شهد استمرار “حالة الاستعصاء في العملية السياسية”، مشيراً إلى أن هناك “انكفاءً أميركياً على المستوى السياسي، على الرغم من فتح ساحات ضغط أخرى من خلال قانون قيصر”. ويوضح أن التراجع الأوروبي “لا يزال مستمراً، مع بروز دور أكبر للفاعلين الإقليميين وبقاء روسيا كجهة متحكمة بالعملية السياسية”، مضيفاً: “المجتمع الدولي لم يمتلك إرادة لدفع العملية السياسية”. ولم تجد عقوبات فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على شخصيات فاعلة في النظام السوري، وشركات وكيانات وجهات متعاونة معه وفق “قانون قيصر” الذي فُعّل منتصف العام الحالي، انعكاسات حتى نهاية عام 2020 في دفع هذا النظام للانصياع للإرادة الدولية لتسهيل مهام الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية.
ويقول القيادي في هيئة التنسيق الوطنية، التي تمثل معارضة الداخل السوري، أحمد العسراوي في حديث لـ”العربي الجديد”، إن المشهد في العام الماضي كان قاتماً، فلم تتمكن قوى الثورة والمعارضة من أن تصل إلى نقاط حل مع النظام الذي لا يريد أن يتقدم في السلال التفاوضية، ومن ثم لا يريد حلاً سياسياً.
من جهته، يشير الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “كان من المتوقع استمرار النظام في سياسة تعطيل مهمة اللجنة الدستورية خلال عام 2020، لأنه يريد أن يصل إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية منتصف عام 2021 من دون أن يكون قد تحقق أي إنجاز لجهة تعديل دستور عام 2012، أو كتابة دستور جديد”. ويضيف: “منتج اللجنة الدستورية صفر، بل إنها لم تبدأ بعد مناقشة المضامين الدستورية”. ويشير إلى أن “حالة العطالة استمرت في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، ولم تكن هناك حلول توافقية ضمن صفوف المعارضة”. ويلفت إلى أن الإدارة الأميركية “واصلت سياسة تشديد الحصار والمقاطعة الإقليمية والدولية لإرغام الأسد وداعميه، للرضوخ وتقديم تنازلات تريدها واشنطن”، مضيفاً: “نظام الأسد مرهق نتيجة العقوبات ونتيجة ما يجري في لبنان وإيران، ومن ثم فإن اقتصاد النظام يتجه نحو الانهيار والعجز”. على صعيد آخر، شهد عام 2020 بدء حوار يرقى إلى مستوى المفاوضات بين أكبر كيانين سياسيين كرديين في سورية، وهما “المجلس الوطني الكردي”، وحزب “الاتحاد الديمقراطي” المهيمن على “الإدارة الذاتية” و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في الشمال الشرقي من سورية. وخاض الطرفان جولات حوار عدة، حققت تقدماً لجهة اعتماد اتفاقية دهوك المبرمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أرضية للمباحثات. وتنص الاتفاقية على تشكيل مرجعية سياسية كردية، تكون نسبة تمثيل “حركة المجتمع الديمقراطي” (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية بقيادة الاتحاد الديمقراطي وتضمّ 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و”المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين. ولكن هذا الحوار وصل إلى طريق مسدود أواخر العام الماضي، بسبب تلكؤ “الاتحاد الديمقراطي” في قبول إعلان فكّ ارتباطه مع حزب “العمال الكردستاني”، وهو من أهم شروط المجلس للتوصل إلى اتفاق. كذلك رفض الائتلاف الوطني السوري خلال عام 2020 عدة دعوات من قبل قياديين في “مجلس سورية الديمقراطي” (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، للحوار بسبب عدم طرد هذه القوات لكوادر وقياديين من حزب “العمال” المصنف كمنظمة إرهابية من عدة دول من الأراضي السورية.
في السياق، يشير عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، المنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي”، فيصل يوسف، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الصراع الدولي في سورية استمر خلال 2020 من دون إيلاء اهتمام بتنفيذ القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري”. وعلى الصعيد السوري الكردي، يوضح يوسف أنه “جرت العديد من جولات التفاوض بين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية والمجلس الوطني الكردي برعاية أميركية، ولكن من دون حدوث أي اختراقات للضغط باتجاه وحدة المعارضة وتنفيذ القرار 2254”.
ميدانياً، حاول النظام السوري خلال الربع الأول من العام الماضي، تعزيز موقفه السياسي من خلال السيطرة على جانب كبير من جيب المعارضة السورية في الشمال الغربي، وحقق تقدماً على الأرض في ريفي حلب وإدلب. ومنذ بدء الصراع، يعوّل النظام على حسم عسكري يدفع المعارضة إلى قبول “الحلول الوسط” وإسقاط مبدأ تغيير النظام. وبعد التطورات العسكرية في الربع الأول من العام الماضي، التأم اجتماع للثلاثي الضامن لتفاهمات مسار أستانة (تركيا، روسيا، إيران) عبر دائرة تلفزيونية، في إبريل/ نيسان الماضي، وذلك بعد تأجيلها بسبب تفشي كورونا، واقتصرت على وزراء خارجية الثلاثي الضامن، مولود جاووش أوغلو ومحمد جواد ظريف وسيرغي لافروف. وعلى الرغم من أن هذا المسار كان وبالاً على المعارضة لجهة قضم المناطق التي تسيطر عليها، إلا أنه لم يعقد أي جولة مفاوضات خلال عام 2020، وجرت تفاهمات ثنائية بين موسكو وأنقرة حول محافظة إدلب وثقت في اتفاق “موسكو” في بدايات مارس/ آذار. وتوقفت مباحثات أستانة عند الجولة الـ 14، التي عقدت في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019.
المصدر: العربي الجديد