الأسد يستبق عام الانتخابات بتحركات تكرس بقاءه

نور الدين رمضان

استبق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الانتخابات الرئاسية السورية المقررة العام المقبل، بتحركات يريد منها ضمان بقائه في السلطة إذا جرت انتخابات برقابة دولية تمنع تحكمه فيها.
وخلال الأسابيع الماضية، أكد مسؤولون من النظام السوري، أبرزهم وزير الخارجية، فيصل المقداد، ومستشارة الأسد، بثينة شعبان، أن الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، ووفقًا لقانون الانتخابات يجب أن تعقد بين 16 من نيسان و16 من أيار 2021.
تحركات ناعمة عبر الإعلام
أبرز هذه التحركات كان عبر القطاع الإعلامي، ومنها تبديلات في مناصب عدة، إذ عيّن الأسد لونا الشبل، التي كانت رئيسة المكتب الإعلامي، مستشارة خاصة له، وبدّل مديري مؤسسات إعلامية، لتحسين صورته في الداخل السوري وخارجها عبر ما يعرف بـ”القوة الناعمة”، بحسب ما قاله الإعلامي والمعارض السوري أيمن عبد النور لعنب بلدي.
الأسد استقبل المديرين الإعلاميين الذين عيّنهم، بحسب عبد النور، لإرسال رسالة بأن علاقتهم معه مباشرة، ولا يحق لأحد التدخل بعملهم، ومن هؤلاء الموظفين أمجد عيسى الذي كان يعمل ضمن المكتب الصحفي في “القصر الجمهوري”، ومثّل النظام في مفاوضات “جنيف” عدة مرات سابقة، وأصبح مدير مؤسسة “الوحدة للطباعة والنشر”.
من تعيينات الأسد الإعلامية أيضًا، محمد علي زهرة، بمنصب مدير البرامج في الإذاعة والتلفزيون، لإنتاج برامج تساعد في تقوية الحملة الانتخابية، وجذب الطبقة الرمادية لمصلحة الأسد.
أما التعيين الأهم، بحسب عبد النور، فكان تعيين مضر إبراهيم مستشار وزير الإعلام لشؤون الدراسات الإعلامية، وهو منصب وهمي، لكن يريد الأسد عبره متابعة كل الإعلام الموجه للخارج، ليرتبط بعلاقات مع صحفيين في بريطانيا ودول أخرى.
ومن تحركات الأسد أيضًا، إعطاء دور سياسي لأسماء الأسد، من أبرزها مقابلة مفوضة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لحقوق الأطفال، بحضور مسؤولين روس وسوريين.
القوة الناعمة بدأت أيضًا عبر تحركات فنية، من بينها مقال للممثل السوري تيم حسن في “CNN” عربي، تحدث فيها عن تدهور الدراما السورية خلال السنوات الأخيرة بسبب الحرب، وهو ما يرى فيه عبد النور بث رسالة سياسية فحواها أن المعارضة المسلحة المتشددة وراء تدهور الدراما.
إعادة الإعمار واللاجئين
خلال الأسابيع الماضية، تناول النظام السوري الحديث عن إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، ونظّم مؤتمرًا خاصًا بإعادة اللاجئين، فضلًا عن انزعاجه من عدم تفاعل الغرب مع ملف إعادة الإعمار.
وفي تشرين الثاني الماضي، ورغم تردي الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إلى مستويات قياسية، نظم النظام السوري مؤتمرًا دعمته روسيا لإعادة اللاجئين السوريين في الخارج، بهدف تعويم النظام، بحسب ما تحدث به باحثون سياسيون إلى عنب بلدي في وقت سابق.
المؤتمر قاطعته الدول الغربية، وشاركت به دول لا تستضيف لاجئين سوريين باستثناء لبنان، ما أفقده قيمته، إذ أوضح الدكتور في الإعلام والباحث السياسي السوري نصر اليوسف، في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن النظام لم يكن مستعدًا لإعادة اللاجئين، وهو مرتاح للوضع الحالي بعد إخراج ملايين السوريين من أرضهم.
يعزز هذا الطرح الفرضية القائمة على أن النظام يريد من هذا المؤتمر توصيل رسالة إلى الغرب بأنه استعاد سوريا كما كانت، وأنه مستعد لاستقبال اللاجئين، والهدف من هذه الرسالة تكريس نفسه كرئيس مناسب للمرحلة المقبلة في الخريطة السياسية السورية.
في أواخر تشرين الثاني الماضي، وفي موقف هو الأول من نوعه، طالبت وزارة الخارجية السورية بحماية اللاجئين السوريين في لبنان، ومنع أي استغلال لحادثة بلدة بشري للإساءة للاجئين السوريين، والتي شهدت أعمالًا معادية للسوريين أجبرت بعض العائلات منهم على النزوح، بعد مقتل مواطن لبناني على يد مواطن سوري عقب خلاف فردي بينهما.
ضمن سياق الإعادة أيضًا، طلبت حكومة النظام السوري من الوزارات التابعة لها، في 26 من تشرين الثاني الماضي، إعداد قائمة بالمشاريع الإسعافية المطلوب تنفيذها فيما يتعلق بأعمال إعادة الإعمار التي قدرت الأمم المتحدة أنها تكلف 400 مليار دولار، خلال العام المقبل.
وتتضمن القائمة تحديد قائمة بالمشاريع الإسعافية المطلوب تنفيذها من كل وزارة في الإدارة المركزية أو الجهات ذات الطابع الإداري، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن“ المحلية، وهذا السعي المدعوم روسيًا يقابل برفض أوروبي وأمريكي، قبل الوصول إلى انتقال سياسي وتطبيق القرار “2254“.
إبعاد وجوه بارزة
خلال العام الحالي، تصاعد الخلاف بين عائلة الأسد ورامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، وظهر ذلك إلى العلن بعد أن كان يقتصر على التسريبات الإعلامية في عام 2019.
وسيطرت حكومة النظام على شركات مخلوف، وأهمها “سيريتل” و”الشام القابضة”، عبر وضع حارسين قضائيين عليهما.
كما سُحبت يد مخلوف من استثمار الأسواق الحرة كافة، إضافة إلى الحجز على أمواله وأموال عائلته المنقولة وغير المنقولة، خلال النصف الأول من العام الحالي.
وفي المقابل، هدد مخلوف مرارًا، عبر منشوراته في “فيس بوك”، بالتصعيد وبأيام صعبة على النظام السوري، إذ قال، في حزيران الماضي، “إن أصروا على موقفهم بنصرة الظالم على المظلوم، فالعنوني إن لم يكن هناك تدخل إلهي يوقف هذه المهزلة، ويزلزل الأرض بقدرته تحت أقدام الظالمين”، خاتمًا حديثه بعبارة “وبعزته وبجلاله ستذهلون”.
وألمح الأسد بشكل ضمني إلى صراعه مع مخلوف، خلال كلمة له ألقاها أمام أعضاء مجلس الشعب، في آب الماضي، وقال الأسد حينها، “مستمرون في استرداد الأموال العامة المنهوبة بالطرق القانونية وعبر المؤسسات، ولن يكون هناك أي محاباة لأي شخص يظن نفسه فوق القانون”.
ومطلع كانون الأول الحالي، أقال الأسد أيضًا محافظ ريف دمشق، علاء إبراهيم، وأصدرت وزارة المالية قرارًا بالحجز الاحتياطي على أمواله وأموال عائلته، رغم أنه يرتبط بصلة قربى بالأسد، فهو زوج ابنة خالته ريم نجيب، وهي شقيقة عاطف نجيب، رئيس الأمن السياسي الذائع الصيت، خاصة في درعا عام 2011، وهما ابنا فاطمة مخلوف (الأخت الصغرى لأنيسة مخلوف).
وكان المحافظ المقال أثار الجدل خلال تسلمه رئاسة المحافظة، ومن آخر مواقفه وأبرزها تعليقه، في 11 من تشرين الثاني الماضي، على أعمال “المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين”، أنه يمكن استقبال اللاجئين السوريين ضمن مخيمات، إذا رُفعت العقوبات عن سوريا.
هل ما زال الحديث مبكرًا؟
وزير الثقافة السابق، رياض نعسان آغا، يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أنه من المبكر الحديث عن تحركات الأسد الانتخابية، وقال، “التحركات المهمة ستكون في شهر آذار”.
وعن سؤاله حول التجهيزات التي كان يستبق بها النظام السوري الانتخابات الرئاسية قال الوزير السابق، إن “حزب البعث هو الذي كان يرتب للانتخابات على شكل استفتاء، حيث لا يوجد سوى مرشح واحد”.
وفي 19 من كانون الأول الحالي، أشارت صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا هي ساحة لـ”معركة مبكرة وصامتة” بين موسكو وحلفائها من جهة، وواشنطن وشركائها من جهة أخرى، خاصة أنها ستكون الأولى بعد الوجود العسكري الروسي، والتغييرات الميدانية الكبيرة، وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث في سوريا لنحو سنة، وسط أزمة اقتصادية عميقة، وعقوبات اقتصادية غربية وعزلة دبلوماسية وسياسية، إضافة إلى أنها ستحصل في الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
ونقلت الصحيفة فحوى “لا ورقة” فرنسية، تحدد المعايير الخاصة بالانتخابات، جاء فيها، “في حال كونها انتخابات حرة، ونزيهة، ومحايدة، وتُجرى في بيئة آمنة، حيث يمكن لجميع فئات الشعب السوري، بمن فيهم النازحون واللاجئون، المشاركة فيها من دون عائق، يمكن للانتخابات المقبلة في سوريا الإسهام الفعلي والحقيقي في إرساء المؤسسات المستقرة ذات الشرعية في البلاد بوصفها جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية الأوسع نطاقًا بموجب 2254، كما يمكن أن تشكّل أحد العناصر الرئيسة المعنية بالتسوية الدائمة للنزاع الراهن. وفي غياب هذه الشروط، يمكن التلاعب بها في محاولة لاستعادة الشرعية الموهومة لنظام حكم الأسد في مرحلة ما بعد الصراع، مع ردع اللاجئين السوريين في الخارج عن التفكير في الرجوع إلى الوطن”.
المعارضة ترفض
في 24 من كانون الأول الحالي، دعا رئيس “الائتلاف السوري المعارض”، نصر الحريري، السوريين إلى الاستعداد للعملية الانتخابية في سوريا، وقال إن “الحل في سوريا لن يكون إلا سياسيًا، ويجب على المعارضة تجهيز كوادر تكون قادرة على تسلم إدارة العملية الانتخابية في حال جرى التوصل لأي اتفاق سياسي”.
وأكد الحريري، في لقاء صحفي باسطنبول، أن “الائتلاف السوري” لن يشارك في أي عملية انتخابية إلى جانب نظام بشار الأسد، وأنه ألغى قرار مفوضية الانتخابات التي أنشأها مؤخرًا.
ودعا الحريري، في مقابلة مع وكالة “الأناضول“، في 23 من كانون الأول الحالي، الدول الداعمة للحل السياسي في سوريا إلى عدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقبلة، سياسيًا وقانونيًا.
وعن أسس الحل السياسي في ظل هذا الجدل، قال الحريري، “الحجر الأساس في عملية بناء العملية السياسية في سوريا تبدأ عبر الحكم الانتقالي، حتى لو تم التوصل إلى مسودة دستور، ودون الحكم الانتقالي، لا يمكن عودة ملايين اللاجئين، ولا يمكن مكافحة الإرهاب في ظل وجود النظام الحالي”.

 

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى