تتقاطع السيناريوهات السورية والإقليمية حول أزمة بلدة عين عيسى في شرقي الفرات وسط مؤشرات حقيقية بعدم تراجع الخيارات العسكرية لصالح تفاهمات سياسية ميدانية جديدة بين فرقاء النزاع. ومع ذلك فإن الحديث عن اقتراب موعد العملية العسكرية التركية هناك بالتنسيق مع الجيش الوطني لم يصل إلى درجة الإعلان عن ساعة الصفر رغم التلويح بها أكثر من مرة.
السؤال المطروح هو لماذا تأخرت معركة عين عيسى ومن الذي يعرقل انطلاق العملية العسكرية التركية؟ وهل تقبل تركيا بتفاهمات روسية مع “قوات سوريا الديمقراطية” لا تأخذ بما تقوله وتريده هي وحليفها الجيش الوطني السوري؟ ما هو مضمون الرسائل والأوامر التي نقلها الجنرال فرانك ماكنزي، إلى مظلوم عبدي بعد زيارته الاخيرة إلى الحسكة: المضي في التفاوض مع موسكو والنظام أو إيقاف هذه المحادثات بأسرع مع يكون لأنها تتعارض مع سياسة واشنطن وطريقة تحركها في الملف السوري؟
ربما هناك أكثر من سبب يعرقل الرغبة التركية باتجاه الإعلان عن انطلاق العمليات العسكرية في عين عيسى:
– إعطاء الأولوية لجهود ومحاولات تركية روسية مستمرة لإيجاد المخرج السياسي دون ترجيح خيار الحسم العسكري.
– انتظار إشارة روسية بأن محاولات التفاهم بين النظام ومجموعات “قسد” باتجاه مغادرتها المنطقة قد فشلت.
– معرفة حقيقة الموقف الأميركي بعد الحديث عن رفض واشنطن لأي اتفاق روسي يتم مع قسد وقد تقبل به تركيا ويكون على حساب ومصالح أميركا في شرق الفرات وفي الملف السوري ككل.
– إيجاد صيغة مناسبة بين أنقرة وموسكو ترضي المعارضة السورية وتقنع النظام حول حدود العملية العسكرية وأهدافها في ضرب المشروع الانفصالي خصوصا وأن واشنطن لم تنفذ حتى الآن بنود الاتفاقيات الموقعة مع تركيا في العام المنصرم لناحية سحب هذه المجموعات من المناطق الحدودية التركية السورية المتفق عليها.
مجموعات قسد تلعب ورقة الوقت والفرص كما يبدو وهي تماطل بانتظار تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مع بايدن لدفة القيادة لانقاذها من ورطتها. والتحرك الأميركي الأخير لقائد القوات الأميركية في المنطقة ماكنزي إلى شرق الفرات يعني أن واشنطن تتابع المستجدات السياسية والأمنية هناك ولا تريد تعريض مصالحها ومصالح حلفائها المحليين للخطر.
لكن يبدو أيضا أن واشنطن منزعجة من سلوك وتصرفات قسد التي لا تنصاع لأوامرها في عدم إجراء أي حوار مع النظام في دمشق أو التواصل مع الجانب الروسي في شؤون باتت تعني مصالح أميركا مباشرة في سوريا المنطقة الأكثر غنى بالثروات في البلاد. كيف سيتم تفسير التصريح المفاجىء للمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري يدعو قسد لعدم إغضاب أنقرة أو التمسك بلعب ورقة حزب العمال في سوريا، أو مهاجمة تركيا من شمال شرق سوريا والحفاظ على الاتصال مع حكومة النظام أو روسيا دون الاستسلام لهما في حال أرادت البقاء على قيد الحياة. المشكلة الآن هي الانباء التي تتحدث عن انطلاق ورشة بناء روسية بالتنسيق مع قسد لقاعدة عسكرية جديدة جنوبي عين عيسى تزامنا مع وصول تعزيزات روسية جديدة إلى المنطقة. هل الهدف هو لعب ورقة القوات الروسية كضامن لمنع حدوث الانفجار العسكري وتقدم القوات التركية وترك المشهد على ما هو عليه في عين عيسى بانتظار التفاهمات السياسية والعسكرية الكبرى أم أن هناك مشروع تفاهمات روسية أميركية حول عين عيسى تمت بعد زيارة ماكنزي الأخيرة إلى المنطقة؟
المقلق أكثر والذي يعزز هذا الطرح هو وجود تقارير أمنية واستخباراتية تركية تتحدث عن تطورات ميدانية مهمة في مدينة القامشلي الحدودية مع تركيا. وساطة روسية بين النظام وقسد لحسم الموضوع في المدينة أيضا عبر تسليم إدارة شؤونها للنظام بضمانات روسية تقدم لقسد بعدم دخول القوات التركية أو الجيش الوطني السوري إليها. هل من الممكن أن تناور قسد بخطة من هذا النوع دون علم واشنطن؟
ما يقلق أنقرة هو اشتعال جبهات قتال جديدة على طول الخط الشمالي لسوريا يعقبها تنازلات يتم بموجبها منح النظام فرص التفاهم مع قسد بوساطة روسية تتحول إلى تنازلات تحول دون تقدم الجيش الوطني إلى هذه المناطق. وهذا قد يعني تفاهمات أميركية روسية ضد تركيا ومصالحها. ما معنى إصرار موسكو على التصعيد اليومي في جبهات إدلب والتلويح بعملية عسكرية جديدة للنظام هناك؟
أنقرة تبحث عن أجواء ومعطيات سياسية وميدانية تفتح الطريق أمامها في شمال سوريا كما حدث عشية عملية نبع السلام لكن احتمال التفاهمات بين النظام وقسد بين الاحتمالات أيضا إذا ما حدث التفاهم الأميركي الروسي باتجاه عرقلة الخطة التركية. فهل تفعل موسكو ذلك؟
قسد ترفض الخطة الروسية المقدمة إليها لتسليم بلدة عين عيسى للنظام وترضى بالتواجد العسكري الروسي كقوات فصل بين المتحاربين والجبهات. هناك خدعة ما يحيكها البعض. العملية العسكرية التركية لا مفر منها إذا ولن تشمل عين عيسى وحدها وهي تطال مدينة القامشلي السورية نفسها كما يبدو لأن أنقرة مصرة على مواصلة خطة تقطيع أوصال أي مشروع كردي انفصالي على حدودها الجنوبية وحماية مصالح شريكها السوري في كل هذه التوازنات بعد انطلاق عملياتها العسكرية قبل 3 سنوات لبناء واقع جديد في شمال سوريا.
ما يقلق أنقرة إذا هو ليس مستقبل الوضع في عين عيسى البعيدة جغرافيا عن الحدود التركية السورية بالمقارنة مع مدينة القامشلي لب المشكلة في المرحلة القليلة المقبلة. المفاوضات الحقيقية ستكون في القامشلي الحدودية وهي تحتاج إلى طاولة ثلاثية تركية روسية أميركية إذا كان الهدف هو مناقشة مسار ومستقبل الملف السياسي السوري.
في عين عيسى المعركة ستكون شئنا أم أبينا بين أنقرة والجيش الوطني السوري من جهة وبين قسد المدعومة أميركيا من جهة أخرى، لكن المواجهة الحقيقية ستكون بين مشروعين سياسيين مرتبطين بالمعركة العسكرية الهادفة لحماية وحدة سوريا وتماسكها أو توسيع رقعة المشروع الانفصالي لقسد في إطار فدرالي أو كونفدرالي داخل سوريا الجديدة. الكرة إذا في الملعب الروسي أيضا لتحسم موسكو موقفها وتدعم العمليات العسكرية التركية بدلا من الحديث عن خطوط حمراء جديدة بوجه تركيا في شرق الفرات. فموسكو تعرف أيضا أن التدخل الأميركي الأخير قد ينهي التحرك الروسي ويفتح الطريق أمام السيناريو العسكري التركي كخيار لا مهرب منه.
التفاوض التركي الروسي في سوريا نجح دائما في تقديم خيار التفاهم على التصادم. في عين عيسى سيكون الحل بهذا الشكل أيضا خصوصا بعد محاولة الدخول الأميركي السريع على الخط لعرقلة أية تفاهمات قد تقبل مجموعات قسد بها. زيارة ماكنزي إذا هي استفزازية لأنقرة وموسكو على السواء. لكن واشنطن تعرف جيدا أن الأوامر الأميركية الجديدة إلى قسد بعدم التفاهم مع موسكو والنظام في عين عيسى لا تلزم أنقرة وموسكو إذا ما قررا اعتماد خيار الحسم العسكري في المنطقة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا