جديد سورية: حول الحوار بين السلطة والموالاة!

بكر صدقي

دعا المعارض الشيوعي السوري السابق فاتح جاموس، وفقاً لموقع «روسيا اليوم»، ما أسماه «قوى المعارضة الوطنية الداخلية الجادة» للمشاركة في انتخابات مجلس الشعب. جاء ذلك في بيان نشره جاموس باسم تياره المسمى «طريق التغيير السلمي» ودعا فيه إلى بلورة «المعارضة» المذكورة لنفسها «في صف واحد، ببرنامج واحد، ومسمى واحد هو المعارضة الوطنية الداخلية» مقترحاً إجراء «حوار ديمقراطي تشاركي» على تحديد البرنامج وصياغته. وحدد أولويات التيار البرنامجية في نقاط ثلاث: إطلاق مقاومة شعبية ضد الاحتلالات الخارجية الأميركي والتركي والصهيوني، وتشكيل جبهة واسعة من أجل ذلك داعمة للجيش العربي السوري، وتحافظ على الوطن السوري والدولة السورية.

مقاومة الأصولية الفاشية وحلفائها ومتابعة هزيمتها.

التغيير الديمقراطي الجذري والشامل بعملية سلمية تدريجية آمنة، وحوار وطني بين أطراف الانقسام الوطني الداخلي سلطة وموالاة.

جاموس المتحدر من حزب معارض (حزب العمل الشيوعي) تعرض لحملات اعتقال متلاحقة في سبعينيات القرن الماضي وثمانيناته شملت آلاف النشطاء، وصولاً إلى تفكيك جسمه التنظيمي في مطلع التسعينيات، واعتقل هو نفسه وحكمت عليه محكمة أمن الدولة سيئة الصيت بالسجن لثمانية عشر عاماً أمضى قسماً منها في سجن تدمر، وعاد إلى النشاط التنظيمي في مطلع الألفية الجديدة، بعد انتقال السلطة من حافظ إلى ابنه بشار، داعياً إلى إعادة إحياء منظمة الحزب في الشروط الجديدة لسوريا ما بعد حافظ الأسد، انشق، بعد بداية الثورة، عن الحزب الذي أعاد إحياءه واتخذ موقفاً أقرب ما يكون إلى موقف النظام من الثورة، متبنياً رواية النظام عنها بكونها مؤامرة خارجية وتمرداً إسلامياً سنياً. وفي حين انضم الحزب الجديد إلى «هيئة التنسيق» المعارضة المعتدلة أو الداخلية حسبما تصف نفسها، ابتعد فاتح جاموس، أو أبعد، واتجه إلى التحالف مع مجموعة الوزير السابق قدري جميل ليشكلوا معاً «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير».

لا يهتم هذا المقال كثيراً بنقد بيان تيار طريق التغيير السلمي بشأن المشاركة في انتخابات «مجلس الشعب»، أو بالمآلات المؤسفة لمعارض سابق اكتوى شخصياً بنار النظام الأسدي، بقدر ما يحاول التعليق على لغة البيان ومفرداته ومصطلحاته من حيث كشفها لمعنى المعارضة في نظام صمم على الخلو منها، وللصورة التي يمكن أن تكون عليها بقايا بلد اسمه سوريا في حال انتهى الصراع واستتب الأمر للنظام الكيماوي بإرادة «المجتمع الدولي».

لا نعرف ما إذا كان تعبير «الحوار بين السلطة والموالاة» زلة لسان أم قناعة راسخة لدى جاموس وتياره. حتى لو كان الأمر يتعلق بزلة لسان غير مقصودة، فهو كاشف شفاف عن سمة جوهرية لنظام الأسد هي أنه نظام حرب دائمة، سواء كانت هناك معارضة أم لا. هذا من طبائع الأمور في هذا النظام، ولا شيء مفاجئ في وصفه، لكن المفاجئ إنما هو أن يتمثل تيار سياسي من خارجه هذا الوضع، مع أنه يصف نفسه بالمعارضة الوطنية الداخلية الجادة. فهذا يعني تبني المفهوم الأكثر فاشية للحكم في سوريا ذلك الذي يعمل على إقامة «مجتمع متجانس» وفقاً لتعبير بشار الأسد، حيث الجميع موالون ولا محل للمعارضة أو الاختلاف أو التنوع الاجتماعي أو السياسي.

مما يشجع على هذه القراءة أيضاً كلام البيان عن وجوب بلورة المعارضة (الوطنية، الداخلية… إلخ) لنفسها «في صف واحد، ببرنامج واحد، ومسمى واحد»! لا محل للاختلاف وتنوع البرامج والأفكار والأسماء. كتلة واحدة صماء وموالية تسعى إلى المشاركة في السلطة من خلال مجلس الشعب، مع أن فاتح جاموس يعرف، ككل سوري، أن هذا المجلس ليس بالسلطة، يتلقى التعليمات من مكان آخر خارجه ليس بالتأكيد إرادة الناخبين، ويعمل بالتوجيهات تشريعاً ورقابة ومواقف سياسية. أضف إلى ذلك أنه يعرف أيضاً كيف يصبح المرشح نائباً في المجلس، وكيف تدار «الانتخابات» ذات المشاركة المتدنية جداً والمزورة، حيث تتحدد أسماء أعضاء المجلس الجدد، قبل إجراء الانتخابات، سواء كانوا على قوائم «الجبهة الوطنية التقدمية» أو «مستقلين». ما لا يعرفه – ربما – هو هل يمكن أن يسمح النظام بدخول شخصيات من «المعارضة الوطنية الداخلية الجادة» إلى المجلس أم لا. لكن هذا قليل الأهمية لدى فاتح وتياره، على ما يمكن الاستنتاج من أول بندين من الأولويات البرنامجية المذكورة (مقاومة الاحتلالات الأمريكية والتركية والصهيونية؛ ومقاومة الفاشية الأصولية) أما حشر «التغيير الديمقراطي الجذري الشامل» في البند الثالث، فلا يمكن أن يكون جاداً حتى لو وصف بـ«السلمية والتدريجية والآمنة». فمن المستبعد أن يراهن التيار على تغيير للنظام الأسدي من خلال مجلس الشعب، أو من خلال الحوار بين السلطة والموالاة. فقد سبق لبشار الكيماوي أن وصف تململ الموالاة بسبب ارتفاع الأسعار وضمور المداخيل وفقدان المواد والخدمات الأساسية ونقد الفساد بأنها بمثابة الخيانة الوطنية. فلا حوار بين السلطة والموالاة، بل هناك سلطة هي الدولة والمجتمع وكل شيء، وهناك عبيد عليهم أن يرضخوا ويلزموا الصمت. لن أعلق أيضاً على تخصيص الاحتلالات الأجنبية بثلاثة فقط، مع تجاهل الاحتلالين الأخطر الروسي والإيراني اللذين باتا يملكان مستقبل سوريا (إن كان لها مستقبل) إضافة إلى حاضرها، من خلال شراء مرافق حيوية وأراض وعقارات في المدن. لكن الجبهة «الواسعة» المقترحة في البيان لمقاومة تلك الاحتلالات هي لزوم ما لا يلزم، فمنظمات الشبيحة موجودة وداعمة للجيش الذي لن يحتاج إلى بضع عجائز من المعارضة الوطنية الداخلية لا لمقاومة الاحتلالات الثلاث ولا لمقاومة الفاشية الأصولية. والحال أن مقاومة الاحتلالات المذكورة غير موجودة أصلاً، بما في ذلك القوات التركية التي ما كان النظام قتل من جنودها، في محافظة إدلب، 34 جندياً لولا أوامر موسكو، في حين أن قواته وقوات حلفائه من الميليشيات الشيعية تعرضت لخسائر كبيرة في الرد التركي، وانتقل بشار من وصف الهجوم التركي بـ«الفقاعة» إلى الحديث الودود عن عدم وجود أي سبب للعداء بين السوريين والأتراك. وما من داع للحديث عن الاحتلالين «الصهيوني والأمريكي» اللذين يتعايش النظام معهما بتفهم. ربما لا يسعى فاتح وتياره حتى إلى عضوية مجلس الشعب، بل فقط لتلميع صورة النظام وانتخاباته ليقال إن هناك «معارضة» وتشارك في الانتخابات بكل ديمقراطية!

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى