لم تمضِ أيام على تنفيذ روسيا لعمليات انتشار عسكري واسع في البوكمال المتاخمة للحدود السورية العراقية شرق دير الزور، حتى بدأت تتكشف جوانب مهمة من أهداف هذه التحركات العسكرية.
فجأة، وصلت طلائع القوات الروسية إلى البوكمال الخاضعة لسيطرة المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، وبدأت الأنباء تتوارد عن سعي روسي لتثبيت التواجد العسكري في المنطقة، تحضيراً لعملية عسكرية واسعة ضد خلايا التنظيم، غير أن هذا الزعم تسقطه المستجدات، وأهمها الأنباء عن اعتزام شركات روسية استئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في سوريا.
ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن رئيس مجلس إدارة شركة إنتاج النفط الروسية “تات نفت” رستم مينيخانوف تأكيده أن شركته تبحث في استئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز، في مواقع سورية، من دون تقديم تفاصيل إضافية، عن المواقع التي سيتم العمل فيها.
واللافت في هذا الإعلان، أن اسم الشركة (تات نفت) ارتبط سورياً بدير الزور، حيث وقعت الشركة ذاتها في العام 2005، اتفاقية حول التنقيب عن النفط والغاز في منطقة البوكمال في دير الزور، لكن الأمور سارت على نحو مختلف، واضطرت الشركة إلى التوقف عن نشاطها مع اندلاع الثورة السورية، والآن تسعى من جديد لمعاودة نشاطها، مستفيدة من غياب الشركات الأجنبية المنافسة، وهيمنة موسكو على قرار النظام.
واستناداً إلى ذلك، يمكن وضع الحسابات الاقتصادية في قائمة الأهداف التي تتطلع إليها روسيا من وراء زيادة نفوذها شرق دير الزور.
ويمكن اعتبار حسابات التنقيب عن النفط في منطقة البوكمال، هدفاً رئيسياً تتطلع موسكو إليه، غير أنه ليس الهدف الوحيد، كما يقول نوار شعبان الخبير بالشؤون العسكرية والأمنية في مركز “عمران للدراسات”.
ويضيف ل”المدن”، “النفط أحد الأسباب، وثمة حسابات أمنية بحتة متعلقة بالنفوذ الإيراني، وبأهمية البوكمال التي تعد مدخل سوريا إلى العراق”. ويوضح أن “روسيا باتت اليوم بحاجة إلى تثبيت نفوذها في دير الزور لسد الفراغات التي تستغلها إيران، فضلاً عن أن التوجه الروسي نحو دير الزور، قد يكون متناغماً مع رغبات دول إقليمية ودولية”.
ملفات ما بعد الحرب
ويرى الكاتب والباحث مهند الكاطع أن النشاط الروسي في سوريا بدأ يتركز على ملفات ما بعد الحرب، قائلاً ل”المدن”، إن “عمليات التنقيب عن النفط عادة لا تتم في المناطق التي تشهد حروباً، بل في المناطق المستقرة، والواضح أن هذا ما يهم روسيا تحديداً”.
وأضاف أن موسكو تريد أن تُشعر العالم بأن سوريا انتقلت إلى مرحلة ما بعد الحرب، من خلال الحديث عن عمليات التنقيب عن الثروات الباطنية، وكذلك عن عودة اللاجئين، ومرحلة إعادة الإعمار.
وحسب الكاطع، وهو الخبير في مجال النفط، فإن من غير المستبعد أن تقدم روسيا على التنقيب في منطقة البوكمال التي تضم حقولاً نفطية جديدة، مستدركاً بالقول: “وفق معلوماتي فإن روسيا تركز حالياً على التنقيب في المياه الإقليمية السورية”.
ومنذ العام 2013، بدأت الشركات الروسية بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، حيث حصلت “سويوز نفتا غاز” في ذلك العام على عقد للتنقيب في مساحة 2190 كيلومتراً مربعاً لمدة 25 عاماً.
وفي العام 2017، أبرمت شركة “ستروي ترانس غاز” عقداً مع النظام، للتنقيب عن الغاز والنفط في شواطئ طرطوس وبانياس، وبعدها بفترة حازت شركات روسية أخرى على عقود في مجال المسح والحفر والإنتاج في القطاع النفطي والغازي في المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية.
وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، أورد موقع “الاقتصادي” الموالي للنظام، معلومات عن افتتاح شركات نفطية روسية أفرع لها بحي الشعلان بدمشق. وحسب الموقع، منحت حكومة النظام السوري شهادات تسجيل لشركتي “ميركوري” و”فيلادا”، للعمل في سوريا.
ويرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن روسيا اتجهت مع استقرار الوضع الامني مقارنة بالسنوات السابقة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، إلى توطيد وجود الشركات الروسية في سوريا، لجعلها أمراً واقعاً في حال تم التوافق على تغيير سياسي.
ويقول ل”المدن”، إن شركة “تات نفت”، التي تعتبر من أكبر الشركات الروسية في مجال التنقيب عن النفط، كانت قد أوقفت أعمالها في سوريا منذ أكثر من ست سنوات بسبب الحرب، حيث كانت واحدة من بين الشركات الاستكشافية التي تعمل في منطقة البلوك 27 في البوكمال.
يتيح وضع النظام السوري الراهن لروسيا السيطرة على كل المقدرات السورية، لكن لا يخلو الأمر من عقبات، وفي مقدمتها إيران، والتوجه نحو دير الزور يرسل إشارات متعمدة لإيران بأن كل المناطق السورية تحت سلطة الروس، وكذلك لإسرائيل التي تتطلع إلى تحجيم دور إيران في سوريا.
302 3 دقائق