بات المشهد السوري في إدلب أكثر دموية، وأشد وطأة على مجمل المدنيين في المحافظة الخضراء، بلد الزيتون، وموطئ وملاذ كل السوريين الأحرار الذين رفضوا الارتهان لإملاءات المحتل الروسي في الانضواء تحت سقف (الوطن الأسدي)، الذي ما برح يقتل الشعب السوري ويدمر جل البنية التحتية للسوريين، ليعود بالوطن إلى العصور الحجرية. هذا المشهد المؤلم اليوم وحيث يتابع الروس والايرانيون ونظام الأسد مقتلتهم، وبعد كل ما جرى ويجري من تهجير قسري للمدنيين وقضم للأراضي، وتهديد للأمن القومي التركي، جعل الأتراك يتحركون هذه المرة وبقوة، عبر حشود عسكرية متتابعة تدخل الأراضي السورية، في محاولة جادة منها لإيقاف هذه الجريمة/ جريمة العصر بتهجير أربع ملايين سوري إلى الشمال على الحدود التركية، لا يلوون على شيء، في ظل تخلي المنظمات الإنسانية عن واجباتها تجاههم، وفي سياق الخذلان والتخلي (المعولم) عن المسألة السورية برمتها، والاكتفاء بتصريحات (هميونية) ليس إلا، يصدرها الاتحاد الأوروبي تارة، ويتناوب عليها مع الأميركان تارة أخرى، لا تثمن ولا تغني من جوع، بل لم تستطع حتى اللحظة إيقاف هذه الجرائم المرتكبة بحق السوريين، حيث يستمر القصف بأحدث أنواع الأسلحة، ويستمر التهجير القسري، حتى وصل عدد المهجرين في الشمال إلى ما ينوف عم مليون وستمائة ألف، حسب إحصاءات أممية موثقة.
في هذه الأجواء من الألم والدم والعجز العالمي عن فعل أي شيء ينقذ حيوات الناس في إدلب، يأتي التحرك العسكري التركي الكثيف، يتساوق مع تحركٍ سياسي متواصل، في محاولة لإيقاف المقتلة. ويبقى السؤال لدى السوريين وهم محقون فيه، هل يتمكن التركي اليوم في ظل التخلي العالمي، وترحيل القضية السورية إلى الدرجة العاشرة اهتمامًا إعلاميًا وإنسانيًا، وفي ظل المصالح التركية الروسية المنجدلة/ فائقة الأهمية، وعدم جدية الأميركان حتى الآن في التعاطي مع الحالة السورية، هل بإمكان الأتراك فعلًا لا قولًا إيقاف الزحف (غير المقدس) للروس والأسديين باتجاه إدلب أو أريحا أو جسر الشغور؟ ولسان حال السوريين يقول من لم يستطع إيقاف هذه المحرقة منذ سنوات حتى اليوم، هل بمقدوره تحقيق ما يريده الشعب السوري، أم أن المسألة اليوم باتت لا تتعدى حراكًا ميدانيًا، يراد منه تحقيق ما هو أعلى، على طاولة المفاوضات مع الروس، حيث يغيب السوريين ويحضر الضامنين الاثنين.
وهناك من يقول إن الذي دفع الأتراك إلى كل هذا الزحف العسكري، كان تهديد الأمن القومي التركي، واستهداف النقاط التركية بقذائف للنظام السوري راح ضحيتها ما يزيد عم 6 ضحايا أتراك، وهو ما استدعى ردًا تركيًا عنيفًا، وحشدًا جديدًا قد يؤدي إلى ما هو أوسع وأضخم.
لكن تبقى العلاقة الروسية التركية المصلحية التي تتشابك في إطار تبادل تجاري عالي المستوى بلغ 30 مليار دولار في العام الفائت، ومشروع السيل التركي للغاز الروسي الذي سيترك آثارًا غاية في الإيجابية على مجمل الاقتصادين الروسي والتركي، فهل يمكن التفريط بذلك من أجل النظام السوري أو حتى المسألة السورية برمتها؟ ناهيك عن المصالح الجيوسياسية المتداخلة بينهما في المنطقة عمومًا.
لكن الأهم بالنسبة للشعب السوري، لم يعد سوى إيقاف هذه الجريمة المتواصلة ضده، تحت أي ظرف وضمن أية سياقات، وبات الواقع السوري المرير، حيث يموت السوري تحت القصف حينًا، أو البرد والصقيع الذي يطاله اليوم، في ظل التهجير، بلا مأوى، وبلا أية مساعدات تقيه برد الشتاء، أو ظروف التهجير عمومًا بقساوتها التي فاقت الجبال، ولم يعد بالإمكان تحملها، رغم قدرات السوريين على التحمل التي يعرف بها السوري في الأزمات.
الأيام القادمة ستكون حبلى بما هو آت من إمكانية حقيقية تركية على منع استمرار المجزرة، ووقف سياسة التهجير، ولجم سياسات وتحركات الطاغوت الأسدي الروسي، ضمن سياقات قد تكون جديدة، وضمن عملية إعادة صياغة جديدة لاتفاق سوتشي الخاص بإدلب الموقع في أيلول/سبتمبر 2018، أو حتى مسار أستانا برمته الذي يترنح هو الآخر، وبات مهددًا بالانقراض، بعد أن فعل ما فعل بالشعب السوري، من قتل ودمار وتهجير قسري، دأب البعض ممن يسوقون للنظام والإيرانيين على اعتباره هندسة ديمغرافية، بينما يشكل التهجير الحاصل جريمة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، يصمت عنها العرب والمسلون وأصحاب حقوق الانسان في (العالم الغربي المتحضر).
المصدر: المدار نت