وصلت قبل أيام قليلة إلى مدينة اسطنبول التركية دفعة من الإعلاميين والناشطين الفاعلين في تغطية الأحداث في محافظة إدلب، وذلك في محطة عبور مؤقتة بطريق رحلتهم إلى ألمانيا مستقرهم النهائي.
يأتي ذلك بعد أن قبلت عدة دول أوروبية ملفات لجوء لإعلاميين سوريين بهدف توطينهم مع عائلاتهم، وذلك في سبيل حماية الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي من تعرضهم لأعمال انتقامية، في حال سيطرت قوات النظام على المناطق التي يوجدون فيها.
متى بدأت الرحلة وكم عدد الخارجين؟
وقال مدير المناصرة والسياسات في المركز السوري الإعلام وحرية التعبير “محمد كتوب” لموقع تلفزيون سوريا إن المركز يعمل عبر برنامج البيت الصحفي التابع له على حماية الصحفيين وتقديم العون لهم وقت الطوارئ، وإنَّ المركز بحث مع المنظمات الدولية وأبرزها منظمة مراسلون بلا حدود إمكانية تأمين خروج آمن للصحفيين عقب بدء الحملة العسكرية الأخيرة لنظام الأسد على ريف إدلب.
وقدّم المركز قائمة تضم أسماء 470 ناشطاً وإعلامياً لمنظمة مراسلون بلا حدود، التي تواصلت بدورها مع الجهات المعنية في عدد من الدول الأوروبية بهدف توطينهم.
ووافقت ألمانيا على استضافة 12 إعلامياً وإعلامية مع أفراد أسرهم، كما وافقت كل من ليتوانيا ولوكسمبورغ على استضافة إعلاميين اثنين مع أسرهم في كلٍ منهما.
وحسب “كتوب” فإن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ساهم في وقت سابق بتوطين 65 إعلامياً مهجّراً من جنوب سوريا، وزّع 31 منهم على كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا.
معايير القبول
تحدث “كتوب” عن وجود معيارين أساسيَين لترشيح أسماء الإعلاميين لتقديم طلبات لجوئهم، أوّلهما العمل والمحتوى الإعلامي، وثانيهما ارتباط المخاطر التي يمكن أن تكون مترتبة على العامل/ة في الحقل الإعلامي بسبب هذا المحتوى.
ونوه إلى أنه لكل دولة معاييرها في اختيار الحالات التي توافق على قبولها، أي أن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومنظمة مراسلون بلا حدود لم يساهموا في اختيار الحالات، وأنهم حاولوا الضغط من أجل توسعة عدد الحالات الممكن قبولها، لكن محاولاتهم لم تلق استجابة، وأن القرار يعود للدول المعنية وهم ليسوا أكثر من جهة حاولت التنسيق والعمل من أجل إتاحة الفرصة لاستضافه إعلاميين سوريين تعرضوا لخطر مباشر جراء العملية العسكرية.
الأسباب والدوافع
وفي حديث للناشط الإعلامي قصي الخطيب مع موقع تلفزيون سوريا فإن معظم الناشطين والإعلاميين في إدلب تقدموا بطلبات لجوء عقب بدء الحملة العسكرية، وذلك تحسباً لتقدم قوات النظام وسيطرتها على إدلب والخوف من تكرار سيناريو درعا.
ويضيف الخطيب بأنه تعرض للتهجير القسري من مدينته كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، وخسر عمله، وبقي لأكثر من عام ونصف دون عمل حتى جاء قبول ملف لجوئه، واصفاً عملية اللجوء بأنها كانت “المُخلص له من الوضع الذي كان يسوء يومًا بعد يوم”، والذي وصل إلى حد بيع جزء من معداته لتأمين الطعام لأطفاله.
أما عبد الرزاق الصبيح مراسل قناة حلب اليوم فقد علل خروجه من سوريا طلباً للعلاج. ويعتبر الصبيح من الإعلاميين الفاعلين بقوة في ريف إدلب وشهد على تغطية عشرات المجازر والأحداث الدموية، ولم يكن يتوقع أن يخرج من سوريا يومًا، بحسب وصفه، لكن الظروف الأخيرة والمرض دفعاه لذلك.
ويقول الصبيح: “رغم مشاهدتي لعشرات المشاهد الدموية وتصويرها وفقداني الكثير من الأصدقاء، كنت أتمالك نفسي جيداً ولا أبكي، لكن عند نقطة العبور خارج سوريا لم أستطع تمالك نفسي وبكيت”.
ويضيف الصبيح: “رغم أن جسدي فارق سوريا لكن روحي مازالت في جبل الزاوية ومخيمات الشمال السوري”.
ولم يُغلق “صبيح” هاتفه منذ خروجه وهو يتابع الأخبار على مجموعات الإعلاميين التي كان يساهم في تقديم الأخبار لها قبل أيام، وإنه يشعر بالحسرة كونه لا يستطيع نشر الأخبار رغم علمه بوقوعها لأنه أصبح بعيداً عن مسرح الحدث، حسب تعبيره.
تركيا أولى المحطات
شكل خروج هذه الدفعة من الإعلاميين حدثاً فارقاً في مسيرة لجوء الناشطين على اختلاف أنواع نشاطهم، فطوال السنوات السابقة كان الناشطون يتقدمون بطلبات اللجوء للدول الأجنبية عبر الإنترنت، وكانوا يحصلون على مواعيد لإجراء المقابلات في سفارات وقنصليات تلك الدول في تركيا، لكن كثيراً منهم مازال في إدلب حتى الآن بسبب امتناع السلطات التركية عن إدخالهم عبر المنافذ الحدودية، واستحالة دخول تركيا بطريقة غير شرعية بسبب التشديد الكبير على الحدود وحدوث عمليات قتل خلال العبور غير الشرعي.
وخرجت دفعة الإعلاميين الأخيرة عبر معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا، بحضور السلطات التركية ومندوبين عن السفارة الألمانية في أنقرة لتسهيل عملية العبور، والتي وصفها الناشطون بالسلسة للغاية، سبقها إجراء اختبارات كوفيد-19 لجميع الناشطين والإعلاميين وأفراد أسرهم، وهو ما أدى لتأخير خروج أحد الإعلاميين وأسرته لأسبوعين إضافيين بعد صدور نتيجة اختبار تؤكد إصابة أحد أبنائه بالمرض.
ويقيم الآن الإعلاميون والناشطون مع أفراد أسرهم البالغ عددهم أكثر من 35 شخصاً في أحد فنادق مدينة إسطنبول التركية، بانتظار التحاق زميلهم بهم لاستكمال إجراءات لجوئهم المتعلقة بمقابلة السفارة ونتائجها والحصول على الفيزا ثم الانتقال إلى ألمانيا.
وهذا ما دفع بأحد الصحفيين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، للتفكير مجدداً في مخاطبة الخارجية الألمانية وسفارتها في أنقرة للمساهمة في إخراجه كون طلب لجوئه قُبل منذ عام، وحصل على رسالة توصية من السفارة الألمانية في أنقرة لدخول تركيا بطريقة شرعية، لكن السلطات التركية لم تُعرها أي اهتمام حسب وصفه.
المستقبل
يطمح “قصي” بأن يكمل دراسته بعد توقفه لأعوام، في حين يتمنى أن تفتح له الحياة في ألمانيا آفاقاً جديدة في المجال الإعلامي.
ويعتبر أن “الثورة جزء لا يتجزأ منه”، ولكنه وُضِع أمام خيارات صعبة بعد تهجيره وتوقف عمله، معتبراً أن خروجه سيكون مفيداً أكثر للناشطين الموجودين في الداخل حيث سيعمل على تقديم التدريبات اللازمة لهم في المجالات التي يمتلك الخبرات فيها، ولم تساعده ظروفه الأخيرة على تقديمها، كونه يرى أن خدمة الثورة لا تقتصر على حدود جغرافية معينة.
ويُعد قصي من الإعلاميين الفاعلين على الأرض، وتعرض سابقاً لإصابة جراء قصف طائرات النظام الحربية على مدينة إدلب، كما عمل مع عدة جهات إعلامية، ويدير حالياً مركز إدلب الإعلامي الذي شارك في تأسيسه قبل عدة سنوات مع مجموعة من الإعلاميين، وعمل المركز على تدريب وصقل خبرات الكثير من الناشطين في إدلب.
أما “الصبيح” فيطمح لتطوير نفسه والحصول على الشهادات العلمية التي تحفظ سنوات عمله العشرة في المجال الإعلامي، كما يطمح لتوسعة عمله الإعلامي والتعريف بما يجري في سوريا، وإدلب خصوصاً، كونه إعلامياً وشاهداً وموثقاً للكثير من الأحداث خلال سنوات عمله السابقة، ويقول الصبيح بأنه سيعود لتغطية الأحداث في سوريا لصالح جهات صحفية عالمية يتواصل معها، وذلك بعد حصوله على الأوراق التي تخوله العمل لصالح هذه الجهات، والأوراق التي تخوله السفر بين الدول أيضاً.
إعلاميون ينتظرون اللجوء وآخرون رفضوه
عمل موقع تلفزيون سوريا على البحث عن الإعلاميين الذين قُبلت ملفات لجوئهم إلى كل من ليتوانيا ولوكسمبورغ وتواصل مع بعضهم، لكن أغلبهم رفض الحديث على الإعلام لعدة أسباب إحداها توصيات قُدمت لهم من جهات رفضوا ذكرها، وحرصاً على سلامتهم الشخصية، وتخوفهم من أن تطاولهم موجة “التخوين” على وسائل التواصل الاجتماعي حتى قبل أن يخرجوا.
وقال خالد (اسم مستعار) إنه تلقى بريداً إلكترونياً من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير قبل ثمانية أشهر تفيد بقبول لجوئه إلى إحدى الدول الأوروبية، لكن الآثار المترتبة على جائحة كوفيد-19 أخرّت خروجه حتى الآن، وإنه ينتظر موافقة السلطات التركية على إدخاله وزملائه بطريقة شرعية أسوة بما فعلته مع زملائهم الذين قبلت ألمانيا طلبات لجوئهم، ودخلوا تركيا بفترة وجيزة لم تتجاوز 15 يوماً.
أما سامر (اسم مستعار)، وهو ناشط اعلامي قُبل طلب لجوئه إلى دولة أوروبية قبل عام ونصف ورفض الخروج من سوريا يقول: “أوروبا ليست غايتي، كل ما أريده هو الاستقرار، عندما تقدمت بطلب اللجوء كنت ملاحقاً من القوى العسكرية التي تسيطر على إدلب، أما الآن فقد كفوا عن ملاحقتي، وعدت لمواصلة عملي الإعلامي كغيري من الإعلاميين، وما يؤرق هاجسي هو التخوف من تقدم جديد لقوات النظام وروسيا، فحينها لا أعلم هل سأستطيع التقدم بطلب لجوء جديد أم لا”.
ويعتبر سامر أن الحياة مع أهله في إدلب، رغم النزوح ومرارته، أفضل من أوروبا لولا التخوف من تقدم النظام، معتبراً أن اللجوء لن يكون مفيداً على المستوى الشخصي إلا للإعلاميين الذين يمتلكون الهمة والطموح بتطوير ذاتهم في المجال الإعلامي.
آراء
يعتبر الكتاب الصحفي عمر حاج أحمد أن خروج الناشطين والاعلاميين “خسارة كبيرة” لسوريا والثورة، كون الإعلاميين المقبولين كانوا من الفاعلين بقوة على الأرض إن كان أمام الشاشات أو خلف الكاميرات، وأن معايير القبول الخاصة بملفات اللجوء كانت قاسية واقتصرت على الناشطين الفاعلين بحق، وأن من خرجوا ويتحضرون للخروج هم من الثوار القدامى الذين عايشوا الثورة بمختلف مراحلها وتجذرت فيهم مبادئها وثوابتها.
وأضاف بأن خروجهم لن يوقف العمل الإعلامي، كون عدد الإعلاميين بالمئات، لكنه كان “خسارة حقيقية لما تمتع به المغادرون من خصال فضيلة وأخلاق صحفية عالية”.
ونوه “حاج أحمد” إلى أن لكل إعلامي من المغادرين، أو الذين يتحضرون للمغادرة، ظروفَه الخاصة التي دفعته لذلك، ولا يمكن لأحد توجيه تهم الخيانة لمن أمضى سنوات طويلة تحت القصف يوثق المجازر.
وجاء كلام “حاج أحمد” عقب تلقي الإعلاميين والناشطين المغادرين موجة كبيرة من الاتهامات بالخيانة والتخلي عن الثورة وقضيتها، عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
بدوره اعتبر المصور الصحفي علي حاج سليمان أن لجوء هؤلاء الإعلاميين من أصحاب القيم الثورية خسارة كبيرة، لكن رأى أن خروجهم يمكن أن ينعكس إيجاباً إذا ما أحسنوا التصرف.
وأكد على ضرورة تحرك الإعلاميين الخارجين من سوريا في أوروبا، والتعريف بالقضية السورية والحديث عما عايشوه وشاهدوه ووثقته عدساتهم، وذلك أمام المجتمع الغربي في الندوات والجامعات وغيرها.
ويعتبر “حاج سليمان” أن الإعلام الثوري مازال ينقصه الكثير للتعريف بالقضية السورية أمام الشعوب الأجنبية: “بحكم عملي مصوراً صحفياً لموقع بريطاني فإن الكثير من الصحفيين الأجانب يتواصلون معي وأتفاجأ بأنهم يجهلون الكثير من الأمور رغم أنهم صحفيون، فأتساءل، كيف هو حال المواطنين العاديين الذين يظنون بأن الحرب في سوريا حرب أهلية أو حرب حكومة ضد جماعات إرهابية”.
وشدد على ضرورة استهداف المواطنين الأجانب وتوجيه الخطاب لهم من قبل الإعلاميين الذين غادروا إلى أوروبا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا