احتفظ السوريون (حتى اليوم) بطرائقهم في التفكير والممارسة التي تنتسب لواقع تم تدميره خلال السنوات العشر الماضية، والمفارقة أن خلاصهم أصبح مرتبطا بتغيير طرق التفكير والممارسة المرتبطة بالواقع الذي انهار بصورة تامة.
وأول تلك الطرائق التي تحتاج التغيير هي النزوع القوي نحو الاختلاف والانقسام والصعوبة البالغة في اجتماعهم ووحدتهم.
ذلك التقليد السوري القاتل والذي هو مزيج من الأنانية الفردية والعصبية ذات الجذور القبلية يقف اليوم سدا أمام أي مسعى يهدف لتعبئتهم وحشدهم في أعمال يمكن أن تضعهم كقوة يحسب حسابها في حقل السياسة الدولية التي تتقاذفهم مثل كرات الملعب.
حسب خبرتي المتواضعة لم أر في حياتي جالية أكثر تمزقا وتفرقا من الجاليات السورية خارج سورية، ومن يتابع وسائط التواصل الاجتماعي يلمس كيف يحتل الاختلاف الحاد والهجوم المتبادل مكان الصدارة في أي رأي يعرض بغض النظر عن صحته وبطلانه وكيف يكفر بسرعة صاحب الرأي، وكيف يتم الانتقال بسهولة من النقد المتزن للهجوم الشخصي والاتهام، والمحصلة النهائية أننا كشعب نبقى بدون فعالية سياسية. فالفعالية السياسية ترتبط مباشرة بالتكتل حول الأهداف وضمن الأطر التي تحمل تلك الأهداف، وفي إعطاء الثقة والدعم لمن يحمل المسؤولية على عاتقه وإتاحة المجال أمامه للمناورة السياسية التي يتطلبها العمل السياسي في ظروف شديدة التعقيد مثل الظروف المحيطة بالقضية السورية.
وليس لدي شك في أن الممارسة السياسية السابقة أنتجت قادة سوريين يتمتعون بالوعي والقدرة والنزاهة، لكنهم لم يتمتعوا بالدعم الشعبي الكفيل بإسنادهم ودفعهم نحو الأمام بل على النقيض من ذلك فقد تسببت حملات الاتهام والتشكيك وتصعيد الاختلاف في ابتعادهم عن ساحة الفعل وتقدم آخرين أقل كفاءة وإحساسا بالمسؤولية، وهذا مثال للدور التخريبي الذي يلعبه السلوك الانقسامي والأنانيات الفردية ضد المصلحة الوطنية.
يتأخر وعي الواقع دائما عن الواقع ذاته، لكن مرارة وآلام الواقع وخطورة التحديات تجعل من تغيير العقلية السورية وطرائق التفكير والممارسة السابقة أمرا مصيريا من أجل أي نهوض حقيقي قادم.
280 دقيقة واحدة