أثارت الدعوة للمصالحة مع الفصائل المعارضة والتي أطلقها القاضي الشرعي والعسكري البارز في “هيئة تحرير الشام” (يحيى بن طاهر الفرغلي) المعروف بـ”أبي الفتح الفرغلي” جدلاً في أوساط المعارضة شمال غربي سوريا، وبرزت تساؤلات عديدة حول جدية الدعوة وأهدافها وهل تعبر فعلاً عن الموقف الرسمي للهيئة، ويبدو أن السؤال الأهم، هو كيف ترى “تحرير الشام” شكل المصالحة المفترضة مع الفصائل، وهل تبدو الأخيرة على استعداد للتنازل عن مظلوميتها بما فيها من دماء وحقوق.
وقال الفرغلي، إن “أي نظرة لوضع الساحة الشامية الآن تدرك أنها أحوج ما تكون إلى مُصالحة عامّة بين جميع مكوناتها السنيّة”، وأضاف أنه “لا بدّ أن نقدم جميعاً، وبلا استثناء، تنازلات مؤلمة مِن أجل المصالحة، وأن هذا الحل الوحيد للاستمرار والتقدم لتحقيق الهدف الأعلى، وإلا سندفع الثمن باهظاً”.
تنوعت آراء المعارضة والأوساط الشعبية حول دعوة “الفرغلي”، ويرى فريق من الإسلاميين المناهضين للهيئة بأنها مخادعة وغير جدية، ولا تعدو كونها دعوة ساذجة أطلقها واحد من كبار المشرعين للحرب على الفصائل، في حين يرى فريق آخر بأنها جدية وتندرج في إطار سياسات التحول التي تنتهجها الهيئة، وبالتالي يمكن أن تفتح الباب على مرحلة جديدة في العلاقة بين الهيئة والفصائل، ولاحقاً ستنعكس إيجاباً على شكل الإدارة المدنية في عموم مناطق المعارضة شمال غربي سوريا. فريق ثالث يشكك في الدعوة، ويرى بأنها دعاية خبيثة وموجهة ضد الفصائل في مناطق نفوذها وتهدف إلى زعزعة الاستقرار فيها، والترويج لمشروع الهيئة في نطاق جغرافي أوسع، والظهور بمظهر المهتم لمصالح الثورة والسوريين.
ما مدى جدية الدعوة وكيف تراها الهيئة؟
لم تلق دعوة “الفرغلي” الصدى المتوقع في بين أنصار ومنظري “تحرير الشام”، وهذا لا يعني أنها لا تعبر عن التوجه الرسمي لقيادته، والمتتبع لسياسات الهيئة وخطابها الإعلامي يرى بأنها تروج للانفتاح على العدد الأكبر من الفصائل، وبالأخص تلك التي تربطها بها مصالح مشتركة، أمنية واقتصادية.
وقال المنشق عن “تحرير الشام”، أبو يحيى الشامي، عبر قناتهِ في تطبيق تليغرام، إن “التشاركية والشورى الحقيقية، دعوت إلى هذا وألحيت منذ سنوات عندما كنت مع الهيئة وبعد تركي لها، والحق أن أكبر سبب لتركي هو الهيمنة والتفرد والاحتكارية وتعنت قيادتها”، وقلل الشامي من أهمية الدعوة وجديتها ويرى بأنها لا تمثل توجه قيادة الهيئة، وقال “لا أظن أن دعوة الفرغلي رسمية، أي بتوجيه من قيادة الهيئة، لأنها أكبر من أن تعترف بهيمنتها بغير حق أولاً، وتعطي كل ذي حق حقه وأولها الشورى كحق للأمة ثانياً”.
وأضاف الشامي، إن “كانت هذه الدعوة من قيادة الهيئة، واستبعد ذلك ولا أظن فيهم إلا ما يبدو للمسلمين منذ سنوات، فليخيبوا ظننا، وليبدؤوا بإطلاق السجناء المظلومين والكف عن ملاحقة المصلحين، وكف يد ولسان الأمنيين ومن شاكلهم، وبسط يد ولسان الإخوة والاعتراف بوجود وحق غيرهم من المجاهدين بقول الحق والعمل لإقامة الشرع”.
قد تكون دعوة “الفرغلي” للمصالحة رسالة موجهة إلى عناصر “تحرير الشام” أكثر من كونها رسالة تقرب من الفصائل، وبذلك يمكن أن تكون مقدمة لمرحلة جديدة تبدو فيها الهيئة مضطرة لتقديم تنازلات وصفها الفرغلي بالمؤلمة، ومهمة التمهيد للتنازلات المفترضة تولاها الفرغلي خلال الأشهر القليلة الماضية في سلسلة من محاضرته عن السياسة الشرعية، وروج لها “الفرغلي” في صفوف عناصر الهيئة عبر الدروس واللقاءات الدورية التي ألقاها عليهم في مقارهم ومعسكرات التدريب.
الباحث في “مركز جسور للدراسات”، عبد الوهاب عاصي، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، بأن الهيئة تريد إجراء تسوية قائمة على تجاوز كل ما اقترفته بحق قوى الثورة، ولا تنوي رد الحقوق والتعويض عن الانتهاكات الكارثية، وبدون التنازل عن رغبتها في السيطرة على القرار العسكري والإداري للمنطقة”.
الفصائل ودعوة المصالحة
لا تثق الفصائل المعارضة عموماً بمثل هذه الدعوات الشفهية، وهي على دراية تامة بأن أي خطوة تخطوها الهيئة تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مصالحها حتى لو كان ذلك على حساب الشركاء المفترضين، المعارضة تخشى من أي تواصل علني مع الهيئة، فالإشكال بينهما أعقد من كونه خلافاً على الحقوق والجغرافيا التي سلبتها الهيئة والدماء التي سفكتها خلال سلسلة من المعارك والاعتداءات المنظمة خلال السنوات القليلة الماضية.
قال هشام سكيف نائب مسؤول المكتب السياسي في “لواء السلام” التابع للجيش الوطني، إن “الدعوة جدية وهي تمثل توجه قيادة الهيئة، لكنها مفصلة على مقاس الفرغلي والجولاني، وتأتي على طريقة، عفا الله عما سلف، وليس لدى الهيئة أي استعداد لرد المظالم والحقوق والسلاح والأموال التي سلبتها من الفصائل” وأضاف سكيف خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، بأنه “لا يمكن الوثوق بالتنظيم، فالتغييرات المفترضة في أداء وسياسة الهيئة شكلية وما يزال المنهج الأصلي فاعلاً وقائماً على التغلب، وبالتالي أي دعوة ستخدم مصالحها بالدرجة الأولى”.
من جهته، قال الصحفي محمود طلحة لموقع “تلفزيون سوريا”، إن ” دعوة الفرغلي مخادعة، فهل تعيد دعوته الشبان السوريين الذين قتلوا بفتاويه، وهل تعيد دعوته للتصالح المناطق التي خسرناها، وهل تخلي دعوة الفرغلي ذمته وذمة تنظيمه من الدماء التي أراقوها، والضرر البالغ الذي ألحقوه بالثورة، هل هم مستعدون فعلاً للمثول أمام القضاء ورد المظالم لأصحابها، بالتأكيد لا، يريدونها مصالحة تدعم وجودهم وبقاء تنظيمهم، وبدون دفع أي ثمن”.
المكاسب المفترضة
يبدو أن المصالحة التي تدعو لها “تحرير الشام”، تأتي في إطار البحث عن مخارج جديدة لأزمتها، والإيحاء بأنها على استعداد لتقديم المزيد من التنازلات في العلاقة مع القوى المحلية، عسكرية ومدنية، لذا من الممكن أن نشهد دعوة مماثلة لاحقاً، ومن المفترض أن توجهها الإدارة المدنية التابعة للهيئة ممثلة في “حكومة الإنقاذ” إلى “الحكومة السورية المؤقتة” للتأسيس لإدارة مدنية واحدة لعموم مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.
الباحث في الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، قال لموقع “تلفزيون سوريا”، إن “مشاريع المصالحة والاندماج عند تحرير الشام هي أسلوب تكتيكي للاختراق والسيطرة والهيمنة، أي القضاء على الشريك المفترض وإضعافه، وبذلك لا يمكن أن تكون تحرير الشام شريكاً حقيقياً في أي إدارة عسكرية ومدنية، إذاً الدعوة ميتة وليست ذات قيمة تذكر”. وأضاف شريفة، بأن “دعوة المصالحة دعوة مشبوهة تأتي في سياق بحث تحرير الشام عن سبل التغلغل الأمني والفكري في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات”.
تحاول “تحرير الشام” تحقيق مجموعة من المكاسب من خلال المصالحة مع الفصائل المعارضة، وقال الباحث في “مركز جسور للدراسات”، عبد الوهاب عاصي، تحاول الهيئة خلط الأوراق وكسب الوقت، بعد موقف الولايات المتحدة من زعيمها أبي محمد الجولاني، والذي يعني عدم كفاية الخطوات التي تقوم بها والتي تهدف لإزالتها عن قوائم الإرهاب، بحسب عاصي.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا