لم تعد صلة القرابة التي يرتبط بها رأس النظام السوري، بشار الأسد مع “آل مخلوف” كما عهدتها السنوات السابقة، فالظرف الذي يمر به حاليا وسلسلة الضغوطات الاقتصادية ومعها السياسية دفعته للإقدام على قرارات وصفها مراقبون بأنه مجبر عليها للتكيف مع ما سيكون عليه غدا.
أبرز مثال على تلك القرارات هو الصراع الذي بدأه مؤخرا ضد ابن خاله رامي مخلوف، والذي ما يزال مستمرا حتى اليوم، وصولا إلى القرار الحديث الذي أصدره بإقالة محافظ ريف دمشق، علاء منير إبراهيم من منصبه، والذي يعتبر من أبرز المقربين له، فهو زوج ابنة خالته ريم نجيب، وهي شقيقة عاطف نجيب، وابنة فاطمة مخلوف (الأخت الصغرى لأنيسة مخلوف أم بشار الأسد).
القرار الخاص بعلاء منير إبراهيم لم يتوقف عند الإقالة فقط، ليتبعه قرار من وزارة المالية في حكومة الأسد قضى بإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة له ولزوجته وأولاده.
وفي بيان اطلع عليه “موقع الحرة” لوزارة المالية في حكومة الأسد، سمّت الشخصيات التي تم الحجز على أموالها وهم: المحافظ السابق علاء منير إبراهيم، زوجته ريم حاج نجيب، وأولادهما باسل، فاطمة الزهراء، وبشار.
تصريحات “جدلية” حول اللاجئين
بالعودة قليلا إلى الوراء فإقالة إبراهيم والحجز على أمواله كان قد سبقتها تصريحات “جدلية” له، في أثناء انعقاد مؤتمر اللاجئين في العاصمة السورية دمشق، والذي روجت له روسيا ومعها حكومة الأسد بشكل كبير.
إبراهيم كان قد قال حينها إنه يمكن استقبال اللاجئين السوريين ضمن تجمعات، إذا رُفعت العقوبات عن سوريا، مضيفا أن العائدين لن يعودوا إلى مناطقهم مباشرة، إذ تتوفر لدى المحافظة عدة وحدات تجمع، مثل الوحدات في حرجلة وعدرا (وهي مخيمات اُستخدمت في وقت سابق للخارجين من مناطق التسويات في دمشق وريفها).
لكن وبالنظر إلى قرار الحجز على أمواله فيبدو أن تصريحاته المذكورة لا علاقة لها بما حصل، بل تذهب الأسباب إلى قضايا فساد واختلاس، والتي وعلى الرغم من تأكيدها من قبل مصادر موالية، إلا أن الحديث عنها لم يخرج على العلن إلا بعد قرار الإقالة، وعقب أربع سنوات من المهام التي كان يشغلها إبراهيم في محافظة ريف دمشق.
وضمن مهامه طيلة السنوات الأربع الماضية كان إبراهيم من أبرز الوجوه الحاضرة في ريف العاصمة، ولاسيما في المشاريع التي أعلنت حكومة نظام الأسد العمل عليها، في منطقة داريا والمعضمية وصولا إلى الغوطة الشرقية.
وكان للمحافظ السابق لريف دمشق والمولود في اللاذقية دورا كبيرا في اتفاقيات التسوية التي شهدتها مناطق ريف دمشق، والتي تعتبر من أبرز الاتفاقيات التي صبت في عمليات التغيير الديمغرافي، التي بدأ النظام السوري العمل عليها بصورة غير معلنة، تحت رعاية إيرانية.
عاطف نجيب هو أبرز الضباط في نظام الأسد، والذي كان سببا رئيسيا في الشرارة الأولى للثورة السورية، حين كان رئيسا لفرع الأمن السياسي في محافظة درعا
عاطف نجيب هو أبرز الضباط في نظام الأسد، والذي كان سببا رئيسيا في الشرارة الأولى للثورة السورية، حين كان رئيسا لفرع الأمن السياسي في محافظة درعا
“تنظيف الدائرة المحيطة”
حسب ما رصد “موقع الحرة” فلم يتضمن قرار الحجز الاحتياطي الصادر عن وزارة المالية في حكومة الأسد أية أسباب تقف وراء هكذا عملية، إلا أن مصادر موالية أكدت أن الأمر يتعلق بقضايا الفساد، التي لم تنحصر فقط على السنوات الأربع من مهامه في محافظة ريف دمشق، بل تنسحب إلى المناصب التي كان قد شغلها سابقا، خاصة في منصب رئيس مديرية الخدمات الفنية باللاذقية.
ومن وجهة نظر أخرى يرى الخبير والاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم، أن خطوة إقالة إبراهيم والحجز على أمواله ترتبط بعدة مسارات، لعل أبرزها المحاولات التي يسعى بها بشار الأسد، ضمن “حملته الانتخابية غير المعلنة”، في الأشهر الخمسة الأخيرة ما قبل الانتخابات الرئاسية في أبريل 2021.
ويقول الكريم في تصريحات لـ “موقع الحرة”: “أيضا بشار الأسد يحاول التخلص من بعض الشخصيات التي يشكك بولائها له من جهة، ولإرسال رسائل للحاضنة الشعبية من جهة أخرى وللمجتمع ككل بأنه يعمل على تنظيف الدائرة المحيطة به، وذلك في خطوة قد تصب في تحسين الصورة العامة، بعد سنوات من الحرب”.
ويضيف المحلل الاقتصادي: “جزء من الحملة الانتخابية يحاول من خلاله الأسد إيصال فكرة بأنه تخلى عن عاطف نجيب بشكل غير مباشر”.
وعاطف نجيب هو أبرز الضباط في نظام الأسد، والذي كان سببا رئيسيا في الشرارة الأولى للثورة السورية، حين كان رئيسا لفرع الأمن السياسي في محافظة درعا، وما رافق ذلك من عمليات اعتقال وتعذيب للناشطين على يده، في بداية الحراك السلمي.
ونجيب كما ذكر سابقا هو أخ زوجة علاء منير إبراهيم، والتي حجز على أموالها أيضا بشكل كامل ضمن قرار وزارة المالية، رغم أنها ابن خالة بشار الأسد.
“إرضاء لتيار أسماء”
من زاوية أخرى لا يستبعد المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن يكون قرار إقالة إبراهيم مرتبط بالصراع الدائر بين زوجة بشار الأسد “أسماء الأسد” وعائلة مخلوف، وهو أمر كان قد أكدته تقارير إعلامية سورية في الأشهر الماضية، وربطته بالصعود الإعلامي اللافت للأخيرة، بالتوازي مع محاولاتها للسيطرة على مؤسسات رجل الأعمال رامي مخلوف، عن طريق حملة تصفية تسير بها حتى الآن.
ويقول المحلل الاقتصادي: “قرار الإقالة والحجز قد يكون إرضاء لتيار أسماء الأسد، ولتحقيق انتصار ولو كان وهميا”، مضيفا: “الأسد الآن قدم هذه الكبش ليجبر جميع الأطراف بأنه جدي بإعادة ترتيب الخريطة الاقتصادية في سوريا، ولابد للجميع أن يقدموا الولاءات له ويعيدوا الدعم له”.
وفي ديسمبر العام الماضي، أصدرت حكومة نظام الأسد سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من كبار رجال الأعمال، بينهم رامي مخلوف وزوجته وشركائه.
واتُهم هؤلاء بالتهرّب الضريبي والحصول على أرباح غير قانونية خلال الحرب المستمرة منذ 2011.
في حين وضمن الحملة المرتبطة بقرارات الحجز، فقد طالت أيضا رجل الأعمال هاني عزوز، الذي صدر قرار بالحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة، رغم أنه كان من المقربين لبشار الأسد نفسه.
وأفادت وسائل إعلام سورية في ذلك الوقت بأن وزارة المالية التابعة للنظام أصدرت قرارا بتغريم عزوز نحو 565 مليون ليرة سورية (350 ألف دولار)، بسبب قضايا استيراد وتهريب بضائع بلغت قيمتها 186 مليون ليرة سورية.
المصدر: الحرة. نت