الميليشيات الإيرانية تتوسع شرقي سوريا..هل تعيقها الضربات الجوية؟

خالد الخطيب

تشهد مناطق دير الزور وعموم مناطق البادية الشامية المحاذية للحدود العراقية حراكاً متصاعداً للميليشيات الإيرانية، والتي تبدو في سباق مع الزمن من أجل إنجاز خطتها في عمليات إعادة الانتشار وتثبيت وتحصين مواقعها، وبالتالي التأسيس لواقع ميداني جديد يتيح لها المناورة ويضمن لتشكيلاتها المسلحة الحماية.

ويستفيد “الحرس الثوري” الإيراني والذي يشرف بشكل مباشر على عمليات إعادة الانتشار والتوسع من مجموعة عوامل تساهم إلى حد بعيد في تطبيق خطته المفترضة.

تكتيكات إعادة الانتشار

اعتمدت دينامية تكتيكات إعادة الانتشار للميليشيات الإيرانية، على خلق مبررات جديدة تضمن بقاءها وتوسعها على نحو غير مسبوق شرقي سوريا، وتم لها ذلك بعد أن أتاحت لتنظيم الدولة فرصة تطوير عملياته الهجومية على نطاق أوسع. وتنامي خطر التنظيم سببه في المقام الأول تحاشي الميليشيات الإيرانية المواجهة المباشرة مع التنظيم ولأكثر من 6 أشهر، في حين بدت الميليشيات المدعومة من روسيا خلال الفترة ذاتها متورطة بشكل أكبر في مستنقع المواجهات مع التنظيم والذي كلفها كماً هائلاً من الخسائر في أعدادها وعتادها الحربي. وبالتالي أصبحت مشاركتها في العمليات وبالطريقة والتكتيك وشكل الانتشار الذي تريده مطلباً ملحاً في ظل المخاوف من تنامي خطر التنظيم وتهديده للمناطق الحيوية.

واتبعت الميليشيات في استراتيجيتها أيضا على تعزيز المبررات التقليدية لوجودها والتي لطالما كانت في قائمة اهتماماتها وذلك عبر التغلغل وتسويق إرادتها وسط المجتمعات المحلية، وفي حال نجحت الميليشيات في تحقيق أهدافها فإن ذلك سيتيح لها ميزات إضافية ويسمح لها بهيمنة أوسع وخلق حواضن اجتماعية، ستكون لاحقاً المزود الرئيسي للمجندين، وهي ذاتها ستضمن لاحقاً حماية النفوذ والوجود لوقت أطول، وهذا جزء من تكتيك التوسع والتمكين الذي ستتناوله بشكل أوسع.

المحلل العسكري، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن عوامل أخرى تسهم في تطبيق استراتيجية الميليشيات الإيرانية، أهمها اغتنام فرصة الانتخابات الأميركية وانتقال السلطة للإدارة الجديدة، وكل ما سبق قد أسس بالفعل لقلق إسرائيلي وربما أميركي ظهر خلال الضربات الجوية التي استهدفت مواقع فيلق القدس وباقي التشكيلات التابعة للحرس في البوكمال بريف دير الزور الشرقي مؤخراً.

لكن يبقى السؤال الأهم ما مدى فاعلية هذه الضربات في عرقلة مخططات إيران شرقي سوريا؟ أم أن الضربات جزء من سيناريو العداء المفترض مع إيران والذي لم ينجح في طردها أو على الأقل تجميد أنشطتها”.

قصف متجدد

استهدفت طائرات يعتقد بأنها إسرائيلية، مواقع للميليشيات الإيرانية في منطقة البوكمال القريبة من الحدود السورية-العراقية شرقي دير الزور، وقالت مصادر محلية في المنطقة لموقع تلفزيون سوريا، إن الغارات استهدفت ليلة 21 تشرين الثاني/نوفمبر، 8 مواقع على الأقل تتمركز فيها تشكيلات مسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني في محيط منطقة البوكمال قرب الحدود العراقية.

وأضافت المصادر، أن “القصف تسبب بمقتل عدد كبير من لواء أبو الفضل العباس التابع للفرقة الفاطمية التي أنشأت عدداً من المقرات العسكرية الجديدة في المنطقة، في حين تركزت الغارات الأخرى على مخازن الأسلحة والدعم اللوجستي في المنطقة ما تسبب بمقتل عدد آخر من مقاتلي الميليشيات وهم في الغالب من عناصر الحماية”.

وشهدت منطقة البوكمال قبل ساعات من القصف الجوي، وصول وفد عسكري تابع للحرس الثوري الإيراني قدم من العراق براً، واجتمع الوفد بقادة التشكيلات في المنطقة، بينهم، الحاج مهدي، المسؤول العام للحرس الثوري في المنطقة الشرقية، والحاج كميل، المسؤول الإداري، والحاج حسين، وعامر الحسين مسؤولان في المركز الثقافي التابع للحرس، والحاج جواد مسؤول مكتب القتلى، ومسؤولون وقادة محليون في المنطقة، ولا يعرف بعد إن كانت الغارات قد استهدفت مقر الاجتماع الأمني أم لا.

وكشف موقع تلفزيون سوريا يوم الإثنين الفائت، نقلاً عن مصادر محلية عسكرية خاصة، أن غارة من طائرة مسيرة استهدفت مركبة تقل قيادياً يشغل منصب مدير “إدارة الموارد البشرية” في الحرس الثوري الإيراني، بعيد دخوله الأراضي السورية قادماً من العراق عبر معبر القائم الحدودي.

وأوضحت المصادر أن الغارة التي وقعت ليل الأحد الفائت، أسفرت عن مقتل القيادي ومرافقين اثنين، بالقرب من مدينة البوكمال المجاورة للمعبر.

الناشط الصحفي عبد القادر يوسف قال لموقع تلفزيون سوريا، إن “الاستهداف الجوي على مواقع للميليشيات الإيرانية في البوكمال من تنفيذ الطائرات الإسرائيلية، وهذه المرة الأولى التي يتم تنفيذ هذا العدد الكبير من الغارات دفعة واحدة”.

ومن جهته، قال عضو الدائرة السياسية في اتحاد ثوار حلب، هشام سكيف، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إن الضربات الجوية “تعكس القلق الإسرائيلي والخشية من استغلال إيران للتغييرات الحاصلة في الإدارة الأميركية، لذا قد نشهد تصعيداً أعنف في الفترة القادمة، وستكون على منحى مختلف من ناحية الكثافة والضرر الذي ستلحقه بالوجود الإيراني”.

رسائل القصف

الباحث عرابي عبد الحي عرابي، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن “قصف مواقع الميليشيات شرقي سوريا يراد منه إيصال رسائل عديدة، أولها موجهة لنظام الأسد وإيران، وتعني أن إسرائيل ترصد النشاط غير المسبوق للميليشيات الإيرانية في المنطقة، وستواصل استهداف المواقع الحساسة ولن يمنعها التغير المفترض في السياسة الأميركية من مواصلة العمليات التي تهدف الى الحد من نفوذ إيران، وثانيها موجهة للداخل الإسرائيلي، تؤكد من خلالها على الاهتمام بأمن مواطنيها ومتابعة أي تحرك للميليشيات في سوريا قد يؤثر على أمن الداخل الإسرائيلي”.

تحصين وحماية المواقع

يبدو أن الميليشيات الإيرانية بدأت بتطبيق سياسة التحصين في مواقعها شرقي سوريا عبر حفر الأنفاق وإنشاء مقار قيادة عمليات متقدمة في المواقع الاستراتيجية قرب الحدود مع العراق وفي منطقتي البوكمال والميادين وفي محيط دير الزور، ونحو عمق البادية المحاذية للحدود.

سياسة التحصين هذه عممتها على مختلف تشكيلاتها المحلية والأجنبية العاملة في سوريا، وكان “لواء الباقر” وهو ميليشيا عشائرية محلية واحد من التشكيلات التي بدأت بالفعل بتطبيق السياسة في باديتي حلب وحماة.

التحصينات العسكرية تؤسس لبقاء أطول وحماية أكبر للمواقع ونقاط الإسناد والدعم، وتقلل من خطر الغارات الجوية التي تنفذها عادة طائرات التحالف وإسرائيل.

ليست وحدها سياسة تحصين المواقع العسكرية ما تقلق أعداد إيران المفترضين في سوريا، إنما كثافة نشر النقاط والمواقع العسكرية التي تتمدد في البادية، واحتمالية نشر العشرات منها خلال الفترة القادمة يزيد هذه المخاوف، وفي الغالب استهدفت الغارات الإسرائيلية الأخيرة عدداً من هذه المقار المحصنة حديثاً، يبدو الأمر كقياس لمدى فاعلية هذه التحصينات التي دعمتها ومولتها منظمة “جهاد البناء” التابعة للحرس الإيراني، وأمدت منفذيها بالمعدات العسكرية الثقيلة لإنجازها في أسرع وقت.

تطويق تنظيم الدولة

تسهم المعركة ضد تنظيم الدولة والتي تجهز لها الميليشيات الإيرانية بالاشتراك مع الميليشيات الروسية في محيط البادية السورية في تنفيذ استراتيجية الميليشيات الجديدة، ويبدو أن الميليشيات فرضت استراتيجيتها على غرفة العمليات الروسية مقابل الزج بثقلها في المعارك ضد التنظيم، وتتمثل الاستراتيجية كما أسلفنا في تنفيذ انتشار أوسع وإنشاء مواقع ونقاط ثابتة في مناطق البادية لمنع عودة التنظيم وقطع خطوط إمداده. طرح الميليشيات الإيرانية لاقى القبول بسبب فشل التكتيكات السابقة في مواجهة التنظيم والتي اعتمدت في الغالب على “عمليات التمشيط”.

 

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى