لاحظنا خلال الايام السابقة تراجعا ملحوظا للدولار إن كان في سوريا أو في لبنان ، كثيرون ربطوا ذلك بأن أخت رئيس النظام أرسلت لدمشق كمية كبيرة من الدولارات بطائرة خاصة وأن تلك الدولارات تم نقلها مباشرة الى البنك المركزي تحت حماية الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية وبلاشك هذا الخبر أثر مباشرة على الدولار ودفعه للتراجع أمام الليرة ، يمكن تبريره ذلك بأن من يملك دولار طرحه فوراً بالسوق خشية أن يتراجع أكثر من ذلك فيسبب خسارات لا يمكن تحملها ، وبالحقيقة تراجع الدولار بنسبة 13% الى 15% خلال فترة يومين لا يمكن أن ينتج عن هذه العملية بنقل دولارات من الخليج الى دمشق وخاصة بهذه السرعة ، مما دفعني للبحث والتواصل مع المناطق المحررة بالشمال السوري للتعمق أكثر بما يحدث بحقيقة الأمر ، المفاجأة كانت أن السبب الرئيسي لهذا التراجع للدولار هو طرح كميات كبيرة من الدولارات المجمدة بالسوق ، هذا الكلام أعادني فورا لأحداث الكويت عندما سحب المخزون النقدي من بنكها المركزي ( ذهب ، عملات أجنبية ودينار كويتي ) من قبل جيش العراق مما دفع الحكومة الكويتية بتجميد كل هذه العملات باستثناء الذهب حتى انتشر بالاسواق الموازية للصرافة، دينار كويتي بربع ثمنه ودولار أيضا بأقل من سعره بتلك الايام ، وبلاشك هذا ما حدث بالعراق وليبيا حينما سقطت حكومتهما ، ولكن الأهم بالنسبة لنا اليوم هو حينما دخلت داعش الى الموصول واستحوذت على المركزي وبما فيه من أموال والرافدين والرشيد وبنوك أخرى خاصة وخرجوا منها بأموال تقدر بالمليارات وتم ابلاغ الفيدرالي الامريكي فورا لتجميد الدولارات التي نامت عليهم داعش وسأوضح بالاسطر التالية معنى الدولار المجمد .
الدولار المجمد
ظهر مصطلح الدولار المجمد لأول مرة خلال حرب الخليج الثانية، فبعد اجتياح جيش صدام حسين إلى داخل الأراضي الكويتية، تمت السيطرة على ملايين الدولارات من البنوك الكويتية، وبهدف منع تداول الدولارات المسروقة، تم تجميد أرقامها التسلسلية من قبل أنظمة مالية غربية، ما يعني منع تداولها في أي من البنوك الحكومية لحكم افتقادها لقيمتها الحقيقية في الأسواق التجارية، فالدولار المجمد لا يعد مزورا إطلاقا، فمثله كمثل أي دولار آخر، ولا يمكن تفريقه عن الدولار الصحيح، إلا أنه متوقف عن العمل لفترة، ولا يصرف في البنوك الرسمية، لذلك يضخ بالسوق السوداء بحكم عدم دراية مكاتب الصيرفة بتلك الأرقام المجمدة، ما يعني أن عمليات النصب والاحتيال عبره قد تكون سهلة للغاية، لكن ليس كل ورقة خضراء يمكن أن تكون دولارا، لذلك هو مختلف تماما عن الدولار السليم وعملية شراءه وتداوله قد تكون مشاركة في غسيل وإعادة تداول تلك الأموال.
نشأ عن ذلك عصابات وشبكات كبيرة لغسيل الأموال وإعادة قيمة ما نهب من البنوك، ملايين الدولارات نهبت من مناطق الصراع، لتصل إلى جيوب العرب في أحد أكبر عمليات النصب والاحتيال، فلن يتمكن أحد من إدخال هذه العملات رسميا إلى البنوك الحكومية، ولإعادة تصريفه يجب أن يدخل بطريق غير مشروع قانونيا، فهي ليست مزورة أو سليمة 100% لكن لن يستطيع أحد أن يشتري بها شيئا إلا عن طريق السوق السوداء!.
ولكي يتم تصريف هذا الكم من الدولارات ينتشر سماسرة مختصون لهذا الغرض في كلا من تركيا والأردن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان ودول عربية أخرى يكون فيها النظام الرقمي المالي العالمي ضعيفا نوعا ما، ما يسهل عملية تداول تلك العملات والنصب والاحتيال عبرها بسهولة كبيرة.
تتعدد مصادر الدولار المجمد، لكن الأكثر انتشارا في العالم العربي يكون مصدره مناطق الصراع في المنطقة، ووفق محللين اقتصاديين فإن ليبيا تعد أبرز المصادر للدولار المجمد، فمع سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا عقب الثورة التي أطاحت بنظام حكمه عام 2011، وقع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أمرا تنفيذيا بتجميد كل أصول القذافي وعائلته، بالإضافة إلى كبار الشخصيات في الحكومة الليبية وقتها ومعهم البنك المركزي وصناديق الثروة السيادية للبلاد، مما أدى إلى تراكم ملايين الدولارات في الخزينة الليبية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية أكثر في البلاد تم تهريب هذه الأموال إلى عدد من الدول العربية ليتم تصريفها بأقل من سعرها الحقيقي.
فيما تعود بعض تلك الأموال إلى البنوك العراقية، وذلك عقب الاجتياح الأمريكي للبلاد عام 2003، حيث تمت سرقة كميات كبيرة من الدولارات من البنوك الحكومية، والتي بدورها أبلغت واشنطن من أجل تجميدها حتى لا يستفيد أحد من تصريفها أو إدخالها إلى حسابات بنكية ثانية، بالإضافة إلى ذلك، تذكر بعض المواقع المختصة أن بعض تلك الأموال تأتي من إيران وفنزويلا اللتان تخضعان لعقوبات الإدارة الأمريكية، وتم تجميد حسابات ضخمة لديهم ما أدى إلى تراكم كميات كبيرة من الدولارات المجمدة.
على الرغم من تحذيرات البنك المركزي العراقي لمنع تداول الدولار المجمد في السوق السوداء، إلا أن أيادي إيرانية تلعب دوراً كبيراً بتعرويجه مدعومين من تجار يواصلون نشر إعلانات على مواقع التواصل الإجتماعي لترغيب الناس بشراء هذه الدولارات بسعر اقل من قيمتها الحقيقية، ولأن العراق يعتبر واحداً من البلدان التي تعاني من جرائم غسيل الأموال وتهريب العملة عبر الحدود، وتتورط عصابات بذلك مستغلة استشراء الفساد المالي المستشري، ليطرحوا بضاعتهم في سوق الصرف العراقية ودول الجوار .
نضيف الى المصدرين السابقين الأموال التي تملكها داعش جراء سرقتها المركزي بالموصول والرافدين والذي خبأته بالصحراء السورية وبمعرفة رؤساء عشائر بتلك المنطقة وكلنا سمع مؤخرا كيف تم سرقة هذا المخزون من بعض رجال العشائر بالتضامن مع أكراد المنطقة النافذين وهربهم الى أربيل أو مناطق أخرى كتركيا والأردن وسعيهم اليوم بطرحه وبكميات كبيرة أقل من نصف قيمته بالسوق السورية مما شكل عرض أكثر من الطلب الفوري فنتج تراجع للدولار بالسوق المحلية ومن المعتقد بأن هذا التراجع للدولار طالما هناك من يغذي الطلب بأقل من سعره المنطقي حتى بالسوق السوداء شريطة أن لا يعبر عبر البنوك ومراكز الصرافة المجهزة بعددات كاشفة لتلك الأرقام المجمدة ، السؤال كيف سيتم السيطرة على تلك الأموال المنتشرة بشدة وكيف سيتم قمع ترويجها لأنها تضر بكل من يلمسها أو يتعامل بها كفرد قبل الدولة والاقتصاد الوطني لتلك الدول التي تسمح أو تتجاهل صفقات بيعه بأراضيها.