لا يبدو أن الاجراءات التي اتخذها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في ما يتعلق بقانون إنشاء الهيئة العليا للانتخابات قد أقنعت الشارع الثوري الذي انتفض على هذا القرار، وتجاوز ردود الفعل التصريحات والبيانات إلى البدء بخطوات عملية تهدف إلى تغيير الائتلاف.
فقد أعلن عدد من الكيانات والشخصيات المعارضة البدء بالتحضير لمؤتمر وطني عام، لكن وسط تباين بالأهداف بين من يدعو لإسقاط الائتلاف بشكل كامل وإنتاج جسم بديل، وبين من يطالب بالحفاظ على المؤسسة واختيار ممثلين جدد عن الثورة فيها.
والواقع أن هذا الانقسام في الموقف تجاه الائتلاف ليس جديداً بين المعارضين، وهو الأمر الذي بدا مريحاً للقائمين على المؤسسة طيلة السنوات الماضية، لكن صدور قرار تشكيل هيئة انتخابات فاقم من أزمة الائتلاف بشكل غير مسبوق.
الاعتراضات على القرار
تتمثل أبرز الاعتراضات على قرار الائتلاف الأخير تشكيل هيئة انتخابات بالخشية من أن يكون القرار تمهيداً لمشاركة الائتلاف بالانتخابات الرئاسية القادمة منتصف العام 2021، خاصة في ظل مخاوف من وجود تفاهم تركي-روسي جديد بهذا الشأن، مع وصول رئيس جديد للولايات المتحدة من المرجح أن تكون سياساته في سوريا متعارضة تماماً مع سياسات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.
حتى وإن لم يكن هناك مثل هذا التوجه، فإن إقدام الائتلاف على تأسيس هيئة انتخابات تكون مهمتها تنظيم انتخابات محلية في مناطق سيطرة المعارضة، تعتبر من وجهة نظر المعارضين له خطوة تهدف إلى الالتفاف على مطالب اختيار ممثلين جدد في الائتلاف أو المجالس المحلية، من خلال انتخابات لن تكون محايدة أو نزيهة، بل سيتمكن الائتلاف من توجيهها وربما التحكم بنتائجها من خلال هيئة الانتخابات التابعة له.
لكن حتى وإن أوكلت مهام هذه المؤسسة الوليدة إلى شخصيات من خارج الائتلاف، فإن هناك رأياً سائداً وسط المعارضة أنها ستكون تابعة بشكل غير مباشر لقادة الائتلاف الحاليين، حيث يتهم الكثيرون رئيسه نصر الحريري بالتخطيط لتسليم الهيئة إلى أشخاص مقربين منه، خاصة مع التوجس الكبير من إنشاء “تيار التغيير الوطني” الذي أعلن عنه مؤخراً في منطقة حوران التي ينحدر منها الحريري، الأمر الذي يُنظر إليه على أنه سعي من الأخير لتشكيل كتلة تابعة له سيعمل على ضمّها للائتلاف لاحقاً بهدف زيادة نفوذه فيه.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن العديد من المآخذ القانونية يطرحها المعارضون لقرار إنشاء هيئة انتخابات خاصة بالائتلاف، أهمها أن هذا القرار ليس من صلاحيات الائتلاف بل من مهام هيئة الحكم الانتقالي التي سيكون الائتلاف منحلاً بشكل أتوماتيكي فور إنشائها، وبالتالي فإن الكثيرين يعتقدون أن هذا القرار ربما يعني التنازل عن هذا البند الأساسي من قرارات مجلس الأمن الدولي وبيانات جنيف المتعلقة بالحل السياسي للصراع في سوريا.
دفاعات الائتلاف
من جانبه عمل الائتلاف على مدى الاسبوع الماضي من أجل توضيح قراره والأسباب التي دفعت لاتخاذه، حيث أكد العديد من قادته على استحالة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي سيجريها النظام أو في أي انتخابات يشارك فيها بشار الأسد أو رموز نظامه، مؤكدين أن الالتباس تسببت به صياغة نص القرار، ما استدعى إصدار توضيح رسمي له يؤكد على هذه النقطة.
والثلاثاء عقد رئيس الائتلاف نصر الحريري مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن القرار سبقه تشاور مع الكثيرين من المعارضين للنظام الذين أكدوا على ضرورة إطلاق مثل هذه المؤسسة لاعتبارات عديدة أهمها ضرورة استعداد المعارضة لأي انتخابات قادمة ستجري خلال المرحلة الانتقالية التي ربما تسفر عنها العملية السياسية بالفعل.
وأشار الحريري إلى أنه حتى في حال لم تسفر العملية السياسية عن شيء، فإنه من الضروري أن تفكر المعارضة بتنظيم انتخابات في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا لاختيار ممثلين عن المقيمين في هذه المناطق في المجالس المحلية ومؤسسات الحكم التي يجب تطويرها، وهو ما يطالب به الجميع.
ورداً على سؤال ل”المدن” حول مخاوف خصوم الائتلاف من هيمنة الأخير على هيئة الانتخابات، أكد الحريري أنها ستكون مستقلة تماماً، كما نفى وجود نية لتسليمها إلى شخصيات تابعة له أو لقادة الائتلاف، مشدداً على أن هيئة الانتخابات سيتم توكيلها لشخصيات تكنوقراط ومتخصصين من المعارضين المتفق عليهم.
لكن هذا الدفاع الذي قدمه الحريري لم يحظَ بقبول حتى من جانب كثيرين من الحاضرين الذين كرروا انتقاداتهم للقرار، وتفنيدهم للتوضيحات الأمر الذي دفع رئيس الائتلاف في نهاية المؤتمر إلى إعلان إلغاء القرار. هذا التصريح لم يكن كافياً بالنسبة للمعارضين الذين اعتبروا أن إلغاء القرار لا يتم بتصريح صحافي، بل يتطلب قراراً رسمياً يضمن انتهاء مفعول القرار الأول بما يضع حداً للمحاذير والتبعات المترتبة عليه.
ويرى المحامي والناشط السياسي المعارض محمد سليمان دحلا أن الحل الذي يجب أن تعمل المعارضة عليه هو استقالة أعضاء الائتلاف الحاليين والدعوة الى مؤتمر عام لاختيار ممثلين جدد عن قوى الثورة والمعارضة فيه، بما يضمن أن يدفع الأعضاء الحاليون ثمن أخطائهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على مؤسسة الائتلاف.
ويضف في حديث ل”المدن”، أن “القرار رقم 24 للائتلاف بخصوص مفوضية الانتخابات ليس وحده من أثار حفيظة مجتمع الثورة والمعارضة، ولكنه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بعد تراكمات ما بعد سوتشي وأستانة واللجنة الدستورية ومسلسل التفريط بمكتسبات الحل السياسي، من بيان جنيف والقرار 2118 وتراتبية الحل”.
وتابع أن “مواقف معظم من تفاءلوا خيراً بنوايا وخطوات الإصلاح المتكررة مع كل قيادة جديدة للائتلاف، انقلبت وفقدت الغالبية أي أمل بمصداقية إصلاح الائتلاف، لكن من الصعوبة بمكان لأسباب ذاتية وموضوعية إنشاء جسم سياسي بديل ينازع الائتلاف بشكل يجعل الجميع خاسراً، فالائتلاف ليس ملكاً لأعضائه السابقين ولا الحاليين ولا القادمين، وإنما يمثل الشعب الثائر كما هو مفترض”.
ويطالب دحلا أعضاء الائتلاف باستقالة معللة ليضعوا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، على أن يستمر الائتلاف بتسيير الأعمال لمدة محددة ويشكل لجنة تحضيرية متوافق عليها بقرار منه يرد في قرار الاستقالة بالذات، ومن الممكن أن تكون مهمة هذه اللجنة عقد مؤتمر وطني عام يعيد النظر باللائحة الداخلية للائتلاف وينتخب أعضاءه الجدد.
يتهم الائتلاف خصومه باستغلال قرار تشكيل هيئة انتخابات كان الهدف منها صالح المعارضة، لكن صياغته لم تكن موفقة، لتصفية حسابات شخصية وسياسية مع أعضائه وقادته، بينما يرى المعارضون أن تمسك الائتلاف بالقرار وعدم إلغائه رسمياً يزيد من المخاوف التي تفجرت مع صدور القرار، ما يستوجب تحركاً واسعاُ لتصحيح واقع المؤسسة التي لم يعد مقبولاً استمرارها على النحو الحالي.
المصدر: المدن