ثورة الشعب السوري على المعارضة والوصاية الأجنبية

رأي الملتقى

فاجأت الانتفاضة الشعبية الغاضبة على (الائتلاف) وقيادته التي تلاحقها الاتهامات والشكوك منذ سنوات أطرافًا عديدة داخلية وخارجية ، تهيأ لها أن الشعب السوري قد رضخ ، أو أنه في طريقه للرضوخ للأمر الواقع المفروض عليه تحت الضربات المدمرة والقاتلة التي لم تتوقف منذ 2011 بالآلة الحربية لنظام الطغمة المجرمة ، والآلة الايرانية بكل ما فيها من وحشية تغذيها أحقاد دينية وعنصرية متوارثة ، والآلة الروسية التي مارست كل اشكال الهستيريا والعربدة الجوية ، وتبعتها المؤامرات السياسية على مسار آستانا وسوتشي لتدجين وتطويع المعارضة السياسية التي ساهمت دول كثيرة في تركيبها وتدريبها على الهوان والذل بدواعي (الواقعية السياسية) والقبول بأنصاف وأرباع الحلول بزعم أن ميزان القوى قد اختل على الأرض .

المفاجأة المشار اليها تمثلت في يقظة الشعب السوري ووعيه ونباهته المستنفرة لما يحاك له من مؤامرات بأيدي أعدائه وعملائهم. كما تمثلت بطاقته المتجددة وحيويته وجاهزيته للتحرك والعودة للشارع كلما رأى مؤامرة يعمل الأعداء على تمريرها.

صحيح أن الغضبة العارمة التي رأيناها بأوضح وأجلى تجلياتها في الأيام الماضية تركزت بشكل مباشر على الائتلاف بكل طاقمه، إلا أنها في الواقع موجهة الى ما هو أبعد من الائتلاف، وتوجه ضربة قوية الى روسيا وإيران وكل الدول التي فرضت وصايتها على كل مكونات المعارضة الهزيلة، من الائتلاف الى هيئة التفاوض ومنصاتها، وانتهاء باللجنة الدستورية.

ولم يعد يخفى على أحد في العالم أن هذه المعارضة باتت طرفا من أطراف محور آستانا المعلنين والسريين، بما فيهم نظام الأسد الذي يمرر مطالبه عبر روسيا وإيران، بل وعبر المبعوثين الأمميين. والقرار الأخير رقم 24 بإنشاء (مفوضية الانتخابات) دليل قوي على عملية التمرير، فهو قرار لا يخدم سوى مصالح الأسد وحليفيه الروسي والايراني، ويعكس رؤيته تماما لمسار الحل، وهي رؤية تتناقض جذريا مع رؤية الشعب السوري وثورته التي لم ولن تستسلم.

 لقد اعترف لنا أحد قادة الائتلاف البارزين منذ شهور بأن مسؤولي الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أبلغوه أنهم لم يعودوا يثقون بقدرة (الائتلاف) على تمثيل الشعب السوري ويحمل قضيته، وقالوا له: لم نعد نتعامل معه كما كنا قبل 2016 بسبب انحرافه والتحاقه بمسار آستانا الذي لا يخدم مصالح الشعب السوري، بل صار ينفذ الاجندة الروسية وبقية الدول المشاركة معها في المسار.

وكذلك فإن دول المجموعة العربية ليست أقل رفضا لانحرافات الائتلاف وملحقاته، ولم يعد أحد في العالم الحر والديمقراطي والعربي يستقبل وفود الائتلافيين، أو يتحادث معهم كما كان الأمر عليه سابقا.

وهناك شعور عام بين السوريين جميعا بأن هذه المعارضة لا تمثلهم، ولا تشعر بآلامهم وآمالهم، ولا تستحق احترامهم فكيف يحترمها العالم؟

نعم لقد أصبح الائتلاف عبئا على الثورة السورية، وأصبحت لجنته التي تفاوض في اللجنة الدستورية خطرا على الشعب السوري لأن الطرفين يسيران في طريق التطبيع مع النظام اللا شرعي، وتطبيق رؤيته وأجندته للحل. ولذلك يرى الحقوقيون والمحامون وخبراء القانون السوريون انه من الضروري التحرك الثوري السريع لإفشال وإحباط مسيرة لجنة التفاوض في اللجنة الدستورية والائتلاف بعامة قبل أن يصلوا الى نهاية مسارهم الذي ساروا عليه منذ بداية 2017 ومؤتمر الرياض 2.

وليت أن المشكلة مع قادة المعارضة المصنعة تنتهي عند هذا الحد، إذ أن قادة الائتلاف وهيئة التفاوض للأسف قدموا أمثلة متكررة غير مشرفة من السلوك غير الديمقراطي، وارتكبوا جرائم وفضائح فساد سياسية ومالية لا تتناسب والتزاماتهم المفترضة بالثورة، وتمثيل شعبهم الذي أنهكته المعاناة وفتكت به الأمراض والفاقة والمجاعة المبرمجة. وقد رأينا كيف تبادل رئيسا الائتلاف وهيئة التفاوض نصر الحريري وأنس العبدة منصبيهما على غرار مسرحية تبادل بوتين ومدفيديف منصبيهما للالتفاف على الدستور الروسي بشكل مفضوح ومهين.

الغريب أن الانتفاضة العاصفة الحالية ضد قيادة المعارضة لم تدفع أحدا من الائتلاف لإعلان استقالته والاعتذار والشعور بالخجل، بل تباروا بإظهار التمسك بمناصبهم، واتهموا الذين ينتفضون ضدهم وينتقدونهم بالتآمر الخارجي عليهم، وكأنهم استعاروا لسان بشار الأسد وهو يتهم العالم كله بالتآمر عليه، ويتهم معارضيه بالعمالة والخيانة. ولذلك كان من الطبيعي أن يضع السوريون في الشمال صور بعض شخصيات المعارضة مع صور بشار وزمرته الخائنة.

لقد سقط الائتلاف في نظر السوريين وفقد شرعيته بقرار شعبي وسياسي لا تخطئه العين، ولا يقبل التشكيك. وتداعى مئات الشخصيات الوطنية والثورية في تحرك واحد أخذ زمام المبادرة لإيجاد بديل شرعي للائتلاف يعمل على استعادة القرار الوطني المستقل من أيدي الدول الوصية على شعبنا، وعملائها. ونأمل ألاّ يكرر هؤلاء اخطاء من سبقوهم، وأن يبتعدوا عن المحاصصات الحزبية والطائفية والجهوية، وأن يكون هدفهم الوحيد ترجمة ارادة الثورة السورية، ومواصلة الضغط لإجبار ممثلي المعارضة على مقاطعة اللجنة الدستورية كما أجبروا الائتلاف على الغاء قراره 24، وعليهم العمل الجاد لوقف المسار الانحداري للائتلاف، ويطهروا (هيئة التفاوض) من ممثلي منصتي موسكو والقاهرة. على هؤلاء الذين سيتحملون المسؤولية أن يتعلموا الصراخ بكلمة (لا) في وجه الدول التي فرضت وصايتها ووجه الأمم المتحدة، ويستوحوا شجاعة شعبهم وثوارهم، وأن يكونوا أوفياء لوصايا الشهداء وأنين المعتقلين والمعذبين ومطالب المهجرين والمقتلعين من بيوتهم ومدنهم وقراهم. وأن يخاطبوا العالم بلغة عصرية وديمقراطية يفهمها ويحترمها. إنها مهمات كثيرة وصعبة هدفها التصحيح ولكنها ليست مستحيلة، تعكس ارادة العودة لخط الثورة الأولى ومبادئها وأهدافها المشروعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى