مجلس النواب الأميركي يقر قانونًا مناهضًا للتدخل الروسي في ليبيا

  إنجي مجدي

يقضي بفرض عقوبات على الممتلكات وحظر تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة للذين يسهمون في العنف. فقد وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يحدد السياسة الخارجية الأميركية تجاه ليبيا، والذي بموجبه سيتم توقيع عقوبات ضد الأجانب الذين يعملون لمصلحة روسيا في هذا البلد، كما ينص مشروع القانون على توفير مساعدات إنسانية لليبيين.

وتحدث النائب الديمقراطي، ثيودور دوتش، رئيس اللجنة الفرعية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في مجلس النواب، مقدم مشروع القانون، عن “ضرورة مواجهة التدخل الأجنبي المتزايد في الصراع المتصاعد في ليبيا، والذي يقوض المصالح الأميركية والاستقرار الإقليمي”. وصرح لصحيفة “فلوريدا ديلي” بأن “قانون الاستقرار في ليبيا يعاقب من ينشر المرتزقة، ويدعم الميليشيات، وينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وينتهك حقوق الإنسان في ليبيا”. ومع ذلك، فإن القانون يقتصر نصه على ذكر التدخل الروسي من دون أن يذكر الجهات الخارجية الأخرى التي ترسل المحاربين والسلاح إلى الغرب الليبي.

قانون استقرار ليبيا

ينص القانون الذي سمي “قانون استقرار ليبيا”، وتمت الموافقة عليه بالإجماع في مجلس النواب الأميركي نهاية الأسبوع الماضي، على منح سلطة قانونية لأمر تنفيذي صدر في 19 أبريل (نيسان) 2019، بفرض عقوبات على الممتلكات وحظر تأشيرة الولايات المتحدة على الذين يسهمون في العنف بليبيا. وينطوي على فرض العقوبات على أي شخص أجنبي يدعم أو ينخرط عمداً في تعاملات مالية كبيرة مع شخص آخر يعمل في ليبيا نيابةً عن روسيا بصفة عسكرية، أو يشارك في أفعال كبيرة تهدد السلام، أو الاستقرار في ليبيا، أو يرتكب أفعالاً تنطوي على “اختلاس” أصول الدولة الليبية، أو مواردها الطبيعية، أو ينخرط عن علم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في ذلك البلد، أو متواطئ فيها. وحدد القانون انتهاء هذه العقوبات في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وقال النائب الديمقراطي دوتش في بيان صادر عن مكتبه “لقد قدمت الحرب لروسيا موطئ قدم في شمال أفريقيا، ونفوذاً على صناعة الطاقة في ليبيا، وقوضت تضامن حلف شمال الأطلسي، وهددت الأمن الأوروبي، وزعزعت استقرار ليبيا وشرق البحر المتوسط ​​على نطاق أوسع، وفاقمت الأزمة الإنسانية وأزمة المهاجرين”. وأوضح أن القانون “يدعو الولايات المتحدة إلى تأدية دور أكثر فاعلية في الدبلوماسية لحل النزاع ودعم المساعدة الإنسانية والحكم الديمقراطي والمجتمع المدني والانتخابات المستقبلية؛ وتحسين الإدارة المالية للقطاع العام الليبي، وتحديداً البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وهما من بؤر التوتر بين الأطراف المتحاربة”.

وينص مشروع القانون، الذي لا يزال يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، على أن تقدم “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” المساعدة الإنسانية للأفراد والمجتمعات في ليبيا، بما في ذلك المساعدة الصحية، والغذاء، والمأوى، وأن تعمل وزارة الخارجية الأميركية على تعزيز الحوكمة الديمقراطية في ليبيا، من خلال تقديم المساعدة من أجل توحيد المؤسسات المالية والحكومية في البلاد، وضمان إجراء انتخابات مستقبلية شفافة وذات مصداقية فيها. كما ينبغي على وزارة الخزانة الأميركية أن تدعو المؤسسات المالية الدولية إلى دعم الانتعاش الاقتصادي في ليبيا الذي يكمل إنشاء المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.

وقال النائب جو ويلسون، العضو الجمهوري البارز في اللجنة الفرعية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، إنه “منذ نحو عقد من الزمان، تعاني ليبيا حرباً أهلية يغذيها التدخل الأجنبي على حساب حياة ومستقبل الشعب الليبي”. وأضاف أنه “من خلال إقرار مجلس النواب لقانون الاستقرار في ليبيا، يرسل الكونغرس رسالة واضحة لدعم ليبيا ذات السيادة الخالية من التدخل الأجنبي”. وأشار إلى أن “مشروع القانون سيضع تكلفة حقيقية على القوى الأجنبية التي تدخلت في ليبيا وأطالت معاناة الشعب الليبي، وخاصة روسيا”.

التدخلات الخارجية

على مدى السنوات القليلة الماضية، فشلت الجهود الدبلوماسية الدولية في وقف القتال بين الميليشيات المتحالفة مع “حكومة الوفاق الوطني” التي يرأسها فايز السراج في طرابلس، و”الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر في شرق البلاد. ودعمت تركيا حلفاءها في طرابلس وأمدتهم منذ نهاية العام الماضي بالميليشيات المسلحة التي نقلتها من سوريا ووفرت لها العتاد العسكري، في حين تدعم روسيا المشير حفتر، الذي يحظى أيضاً بدعم مصر التي تلامس حدودها الغربية ليبيا على امتداد 1000 كيلو متر، ويشكل الأمر بالنسبة لها قضية أمن قومي.

وانتقدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تقارير عدة أصدرتها خلال العام الحالي، الدعم الروسي لـ”الجيش الوطني” المتمركز في شرق البلاد. وحذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عقب توقيع الاتفاق الليبي لوقف إطلاق النار في جنيف في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من استمرار تداعيات التدخل الروسي، ما قد يسهم في فشل تطبيق الاتفاق، الذي ينص صراحة على خروج كل القوات الأجنبية من ليبيا، ووقف توريد السلاح لأطراف النزاع فيها.

وترفض روسيا الاتهامات الأميركية، وفي يوليو (تموز) الماضي، قال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) إن الجيش الروسي لا يشارك بأي عمليات عسكرية في ليبيا، مضيفاً أنه لا علم لديه “عن وجود نشاط لمجموعات منظمة من المواطنين الروس في ليبيا”.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، نفى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تقارير نشرتها وسائل إعلام أميركية بشأن إرسال موسكو مقاتلين وأسلحة إلى ليبيا”. وقال إن “هذه الاتهامات تكررت كثيراً، ولم يقدم أي طرف إثباتات عليها”. وشدد لافروف على موقف بلاده منذ بداية الأزمة الليبية الذي “انطلق من مبدأ ضرورة التوصل إلى حل سياسي، ويقوم على أساس الحوار بين الأطراف الليبية”.

المصالح النفطية

تعليقاً على نص مشروع القانون الأميركي الذي يقتصر على ذكر التدخل الروسي، اعتبر أستاذ العلوم الجيوسياسية والعلاقات الدولية بجامعة منوبة في تونس، رافع طبيب، أن “القانون هو جزء من استراتيجية أميركية تقضي بتفكيك الجيش الليبي بصورته الحالية وبناء جسم آخر باستيعاب المرتزقة والميليشيات، مع التركيز على تغيير العقيدة الدفاعية والقيادات التي يرجع تكوينها إلى حقبة القذافي في الكليات الحربية الروسية والسوفياتية”. وأضاف الأكاديمي التونسي المختص بالشأن الليبي، أن “التدخل الأميركي في ليبيا، وخاصة منذ الحرب في طرابلس، اقتصر على مساندة واضحة للدعم التركي المباشر في ليبيا واستعماله المسلحين السوريين”.

وأوضح أن “ما تريده الولايات المتحدة هو بناء قوة لحماية الحقول والبنية التحتية النفطية والمصالح الغربية في ليبيا مع الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة للقيام بالمهمات الدقيقة، كما أنها معنية بعقود إعادة التعمير بما تتضمنه من إعادة تسليح الجيش الذي يعتمد حالياً على السلاح الروسي أساساً”.

وتابع الأكاديمي التونسي “جيوسياسياً، فإن الولايات المتحدة تدرك بوضوح أن ليبيا تشكل منطقة استراتيجية بالنسبة إلى التوسع الاقتصادي الصيني في أفريقيا وجنوب المتوسط، لذا فإنها تستهدف تحييد الجيش وإضعافه أمام خصومه من الميليشيات المدعومة من جماعة الإخوان”.

إدارة بايدن

يستعد البيت الأبيض لإدارة جديدة من الحزب الديمقراطي بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي عمل نائباً للرئيس السابق باراك أوباما خلال الانتفاضة الليبية التي شهدت تدخل طائرات حلف شمال الأطلسي لإسقاط نظام معمر القذافي. ومع ذلك، يستبعد المراقبون أن تمثل ليبيا أولوية لدى الإدارة الأميركية الجديدة، فبحسب تيم إيتون، الباحث لدى المعهد الملكي للشؤون الدولية، ومقره لندن، فإن ليبيا لطالما كانت قضية ذات أولوية منخفضة لدى واشنطن، ومنذ مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز في بنغازي عام 2012، تم اعتبارها قضية سياسية. وأضاف أنه “بالنظر إلى أن بايدن كان ضد تدخل عام 2011، يبدو أنه من غير المرجح أن يعطي الأولوية للصراع في ليبيا”.

وقال إيتون إنه “من المرجح أن يكون التأثير الأكبر لرئاسة بايدن على دول عدة تتدخل في ليبيا والانتهاكات الإنسانية وعرقلة مواقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة في المنطقة. وخلال الأشهر المقبلة، قد يدفع ذلك الليبيين والجهات الخارجية المتدخلة إلى تسريع تموضعها على الأرض على أمل تحقيق مكاسب قبل أن تتمكن أميركا من إعادة توجيه سياستها”. وصرح رافع طبيب بأنه “لا مجال أمام الولايات المتحدة مستقبلاً، لا في ظل إدارة بايدن، أو غيرها من الإدارات لتقرر مكان الشعوب”، مضيفاً أن “المسألة معقدة جداً في ليبيا وللجيش امتدادات مجتمعية وقبلية عميقة جداً، ولن تتمكن أميركا من إحداث هذا التغيير الذي تنشده”.

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى