أثارت الأنباء التي أفادت بأن لقاح “فايزر” فعال بنسبة 90 في المائة عددا من الأسئلة حول احتمالية توفر لقاح يضع نهاية لهذا الوباء حقا. وبصفتي مستشارا خاصا سابقا في قسم الصحة والرعاية الاجتماعية حتى وقت قريب، لم تكن وظيفتي أن أكون خبيرا في علم الأوبئة أو العلوم. كانت وظيفتي هي طرح الأسئلة، وتحدي الإجابات، والتأكد من حصول الوزراء على المشورة الصحيحة حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات المهمة والحاسمة. وعندما يتعلق الأمر بتحديد مدى نجاح برنامج للتطعيم، وما الذي يمكن أن يفعلوه حتى يجعلوه ناجحًا قدر الإمكان، ثمة ثلاثة أسئلة رئيسية سيكون الوزراء بصدد بحثها.
السؤال الأول: ما مدى فعالية اللقاح؟
تتكون التجارب السريرية من تسجيل عدد كبير من المشاركين (43.538 في حالة شركة “فايزر”)، وتقسيمهم إلى مجموعتين، تحصل إحداهما على اللقاح الحقيقي، وتحصل المجموعة الأخرى على دواء وهمي. ولا يعرف المشاركون في أي مجموعة يندرجون. ويتم إرسالهم بعد أخذ جرعة اللقاح ليعيشوا حياتهم بطريقة عادية، لكنهم يخضعون لاختبارات “كوفيد” بانتظام. ثم يجب أن يعاد التحقق مرة أخرى بعد بضعة أشهر ليرى الباحثون كم من كل مجموعة أصيبوا بالفعل بـ”كوفيد-19″. فإذا جاءت الأرقام مقسومة بالتساوي بين المجموعتين، فلن يكون للقاح أي تأثير، وهو في هذه الحالة لا يعمل. أما إذا جاء عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم من مجموعة الدواء الوهمي، فهذا يشير إلى أن اللقاح كان له تأثير. ويعتمد الكثير من تقدير مدى فعالية اللقاح على مقارنة الحالات الإيجابية بين المجموعة التي تلقت اللقاح الحقيقي ومجموعة الدواء الوهمي. وفي حالة لقاح “فايزر”، يمكننا التأكد من أن الغالبية العظمى من الحالات الإيجابية كانت في مجموعة الدواء الوهمي، لأنه تم تحديد معدل الفعالية بنسبة 90 في المائة.
الآن، نحتاج إلى الانتظار حتى تصل التجربة إلى 164 حالة مؤكدة قبل أن نحصل على تأكيد أكثر موثوقية -164 هو الرقم الذي اتفقت عليه شركة “فايزر” مع إدارة الغذاء والدواء الأميركية، والذي سيشكل نتيجة موثوقة علميًا. وهذا يعني أن رقم 90 في المائة يمكن (بل وربما سيتغير) في أي من الاتجاهين.
على سبيل المثال، إذا ظهر عدد أكبر من الحالات بين الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، فإن معدل الفعالية سينخفض؛ في حين أنه إذا جاءت جميع الإصابات المستقبلية من مجموعة الدواء الوهمي، فإن رقم 90 في المائة لنسبة الفعالية يمكن أن يرتفع في الحقيقة. ومع ذلك، فإن معدل الفعالية بنسبة 90 في المائة من أول 94 حالة إيجابية يعتبر واعدًا للغاية، وأفضل مما توقعه معظم الناس.
أشار تقرير صدر عن “بنك دويتشه” إلى أن السوق توقعت قراءة البيانات الأولى من شركة “فايزر” عندما وصلت إلى 32 حالة إيجابية، لذلك لم يكن الرقم 90 في المائة فقط هو الذي تسبب في مثل هذا البهجة. كان السبب هو أن التجربة قطعت شوطاً أبعد كثيراً على الطريق مما كان متوقعاً. كان الهدف الأكبر من التطعيم (ضد الحصبة وما شابه) هو توفير مناعة للقطيع -لكن تحقيق ذلك سيكون أكثر صعوبة مع حقنة لقاح تكون فعالة بنسبة 50 في المائة فقط. أما مع نسبة 90 في المائة، فإن لقاح “فايزر” سوف ينضم إلى مجموعة مع اللقاحات الأخرى طويلة الأمد التي أثبتت نجاحها: النكاف، وشلل الأطفال وما إلى ذلك.
ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون مسألة “مدى الفعالية” هي المهمة فقط –إن “طبيعة التأثير” هي مسألة مهمة بنفس المقدار، إن لم تكن أكثر أهمية، والتي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار. إن هذا الفيروس يؤثر على الأشخاص بشكل مختلف، وما يزال يتعين أن نرى تأثير لقاح “فايزر” بالضبط عندما يتعلق الأمر بمنع الحالات الشديدة (التي يُرجح أن تؤدي إلى دخول المستشفى والوفاة، مما يؤدي في النهاية إلى تعريض أنظمة الرعاية الصحية للضغط). وسيكون من المثير للاهتمام رؤية ملف تعريف العمر/ المخاطر لـ94 حالة، وكيف تنقسم (خاصة ملاحظة ما حدث للأشخاص الذين تلقوا اللقاح، لكنهم أصيبوا مع ذلك بالفيروس.
سوف يظل لقاح يقلل من انتقال العدوى -وإنما ليس من شدتها- مفيدًا بالتأكيد. كما أن لقاحاً يقلل من احتمالية الوفاة/ المرض الشديد -لكنه لا يجعل الفيروس أقل قابلية للانتقال- سيكون مفيدًا للغاية أيضاً. ومن الناحية المثالية، قد يرغب المرء في أن يحقق اللقاح الأمرين معاً بطبيعة الحال. لكن الاثنين ليسا الشيء نفسه، ولهما عواقب مختلفة تمامًا على السياسة. إن معرفة ما فعله اللقاح بالفيروس بالضبط (وأي النوعين هو الذي سيكون أكثر فاعلية ضده) هي شأن بالغ الأهمية، والذي سيكون له تأثير كبير على قرارات السياسة المستقبلية، خاصة تحديد الأولويات. وهو السبب في توخي الحكومة الحذر بشكل ملحوظ بعد الإعلان عن اللقاح، ولماذا تنتظر لرؤية البيانات الكاملة لهذه التجارب لكي تبني القرارات الرئيسية للسياسة على نتائجها.
السؤال الثاني: ما مدى ديمومة أي حماية يوفرها لقاح؟
اللقاحات تختلف. بعضها يوفر حماية مدى الحياة، والبعض الآخر يحتاج إلى تكرار منتظم. وتدوم فعالية مطاعيم مثل لقاح الأنفلونزا لستة أشهر فقط، وهو السبب في أنك تحتاج إلى أخذ جرعة جديدة كل عام. وإذن، ما هي المدة التي ستدومها فعالية لقاح “كوفيد”؟ هذا سؤال يصعب على أي شخص أن يجيب عنه الآن. فكما هو الحال مع أي لقاح جديد، يستغرق الأمر وقتا لتحديد نجاعته على المدى الطويل. والأمور أكثر صعوبة مع هذا الفيروس لأنه لم يكن موجودًا قبل عام من الآن -ولذلك من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال بأي قدر من اليقين. وسوف نعرف الإجابة فقط بمرور الوقت. ولذلك سوف تستمر العديد من التجارب في فحص المشاركين في اللقاح بانتظام لفترة طويلة قادمة. وإذا حدث ارتفاع مفاجئ في عدد الحالات الإيجابية في المجموعة الملقحة في التجارب السريرية في غضون ستة أشهر، فسوف نعرف المدة التي استغرقتها الحماية الأولية.
لهذا السؤال تداعيات خاصة على بدء التنفيذ. سوف يتطلب طرح اللقاح أكبر جهد لوجستي منذ الحرب العالمية الثانية، على الأقل بالنظر إلى الملايين التي ستحتاج إلى تلقي التطعيم، واشتراط الحصول على جرعتين بفاصل ثلاثة أسابيع، والحاجة إلى الحفاظ على اللقاح في درجات حرارة أقل من حرارة القطب الشمالي. وكانت الحكومة تقوم بالكثير من الأعمال الأساسية للتجهيز للتعامل مع لقاح فعال، لكن الأمر سيستغرق عدة أشهر لإطلاق العمل بكامل الطاقة. إذا كان هذا برنامج تطعيم لمرة واحدة، فسيكون الجهد اللوجستي صعبًا بما يكفي. أما الحاجة إلى القيام بذلك بشكل متكرر، فستشكل تحديًا كبيرًا على مستوى السياسة وعلى المستوى التشغيلي أيضًا.
السؤال الثالث: كيف سيكون مدى القبول؟
النتائج المؤقتة التي تشير إلى أن لقاح “فايزر” فعال بنسبة 90 في المائة مشجعة للغاية بطبيعة الحال. بل إن الأكثر تشجيعاً هو حقيقة أن النتائج القوية المستخلصة من لقاح “فايزر” تزيد من احتمالية نجاح اللقاحات الأخرى ضد فيروس “كوفيد-19” التي تستخدم طريقة “زوائد البروتين” (مثل لقاح أكسفورد/ أسترازينكا). ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن رقم 90 في المائة هذا يشير إلى الأشخاص الذين يأخذون اللقاح. ولكي يكون برنامج التحصين فعالاً بالكامل، فإنه يحتاج إلى معرفة مدى القبول الشامل لتلقيه -وسيكون ذلك أكثر صعوبة مما يقدره الناس.
لطالما كان تحييد الدعاية المضادة للقاحات ومكافحتها مهمًا. وهو الآن عمل حتمي وضروري للغاية. سوف يكون إيجاد التوازن بين مواجهة المعلومات الخاطئة وتصحيح الأكاذيب حول اللقاحات، وإنما من دون إعطاء هذه الادعاءات أكسجيناً إضافياً، صعباً للغاية. وفي الواقع، كلما قل وقت البث الذي تحصل عليه مثل هذه الدعاية كان ذلك أفضل، ولذلك لن أقول المزيد عنها هنا. لكن هناك مسؤولية على وسائل الإعلام لدينا وعلى كل من يشارك في النقاش العام للتصرف بمسؤولية، وعدم تضخيم الآراء التي يمكن أن يكون لها تأثير ضار بشكل لا يصدق على كل من صحتنا الاقتصادية والعامة. لم يكن هناك وقت أفضل من الآن للتعبير عن الفوائد الإيجابية للقاحات. إن اللقاحات تنقذ الأرواح، وهذا اللقاح سينقذ مجتمعنا واقتصادنا. ويجب ألا نتوانى في التأكيد على هذه القضية.
حتى عند الإجابة عن هذه الأسئلة الثلاثة المهمة، سوف تواجه الحكومة عددا من التحديات السياسية الشائكة التي عادة ما يطرحها إطلاق لقاح. وعلى وجه الخصوص، إذا كان لدينا لقاح فعال وأصبحت لدينا نقطة نهاية لهذا الوباء، فما هي الرغبة في المخاطرة بإعادة فتح الاقتصاد قبل هذه النقطة؟ لن يساعدنا اللقاح في هذه الموجة الثانية، وستكون العودة إلى النظام المتدرج في 2 كانون الأول (ديسمبر) شيئاً لا مفر منه. وعندئذٍ، سوف تأمل المناطق المختلفة في التحرك إلى أسفل نحو “المستوى الأول” عندما نخرج من الموجة الثانية. وقد عانى الاقتصاد من أضرار جسيمة خلال العام الماضي، والأعمال التجارية بحاجة ماسة إلى إعادة فتح أبوابها -يأمل الكثيرون في الخروج من النظام المتدرج تمامًا في مرحلة ما، لا سيما في سياق الأخبار الإيجابية عن وصول لقاح. ومع ذلك، سيكون الوزراء قلقين للغاية بشأن التحرك بسرعة كبيرة والمخاطرة بقدوم موجة ثالثة غير ضرورية عندما تلوح النهاية في الأفق.
هناك أيضًا تداعيات على الصناعة والمجتمع الأوسع. سيكون احتمال الوصول إلى نقطة النهاية بمثابة شريان حياة للعديد من القطاعات والأعمال، وإنما فقط إذا أصبحوا يعرفون متى ستأتي نقطة النهاية هذه فعلياً. خذ بيتي الجديد، مثلاً، صناعة الموسيقى في المملكة المتحدة. غالبًا ما تعمل هذه الصناعة في فترات زمنية طويلة –تحتاج الأحداث الكبيرة عادةً إلى ستة أو تسعة أشهر من التخطيط والتنظيم والتنفيذ. إننا لا نستطيع أن نُخرج مهرجاناً إلى حيز الوجود في غضون أسبوع. وينطبق الشيء نفسه على العديد من القطاعات الأخرى -على سبيل المثال، لديّ أصدقاء لديهم حفلات زفاف في تموز (يوليو) والذين يبدون يائسين لمعرفة ما إذا كانوا سيتمكنون من إقامة احتفالات واسعة بكامل النطاق بحلول ذلك الوقت.
إن الحكومة محقة في توخي الحذر وعدم المبالغة في بذل الوعود. ولكن، إذا كان اللقاح يعني أننا قد نعود إلى نوع من الحياة الطبيعية في العام 2021، فنحن بحاجة إلى معرفة نوع الجدول الزمني الذي يجب أن نعمل عليه في أقرب وقت ممكن. كان هذا الوباء فترة مروعة لبلدنا، وسوف نفرح جميعًا بهزيمته في نهاية المطاف -ولكن ستكون مأساة كبيرة إذا انتهى الأمر بصيف العام 2021 وقد أصبح ليس خاليًا من الفيروسات فحسب، وإنما إذا وجد نفسه مقفراً ثقافيًا أيضًا، ببساطة بسبب قلة وقت التحضير.
*Jamie Njoku-Goodwin : هو الرئيس التنفيذي لشركة UK Music، ومستشار خاص سابق لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Three key questions on the Pfizer Covid vaccine
المصدر: الغد الأردنية/(ذا سبكتيتور)