قراءة في رواية: الحاكم بأمر اللات

أحمد العربي

هذه الرواية الاولى التي أقرأها للكاتب فادي قوشقجي، والرواية تعتمد على طريقة سرد متنوع، فهناك اختلاف في الشخصيات التي تجلس على منصة التعبير، وكذلك اختلاف ازمنة الحدث، ولا يغيب عن الرواية اسلوب التهكم والسخرية والتورية الشديدة.
يلتقي المؤلف مع صديقه خوسيه الاسباني واتفقا أن يكتب المؤلف رواية يترجمها خوسيه الى الاسبانية.
تبدأ الرواية من حضور نبيل جعفر الى الحانة منتظرا أصدقاءه : الثلاثي عماد وانس وسهيل، لقد اتفقوا ان يقضوا سهرة شرب مع بعضهم بعد فراق طالهم منذ زمن بعيد، نبيل ينتظر وتنقضي السهرة ولا يأتي اصدقاؤه. يستغرب نبيل كيف لم يأتي احد منهم؟، انهم اصدقاء الدراسة وقد التقى بهم صدفة بعد عشرين عاما من الفراق، يعود نبيل الى ايام الدراسة والمدرسة الثانوية التي كانوا بها، يتذكر ان اصدقاؤه كانوا شلّة متماسكة، و انهم يظهروا ولاء صامتا للحكم المسيطر على البلاد تحت اسم الجنرال، البلاد كلها تحت سيطرته، والناس اما منتمين له لتحقيق مصالحهم مهما كانت صغيرة او تافهة، أو خوفا من بطشه، فكل معارض له هو اما سجين او قتيل أوهارب، نعم يذكر نبيل أيام قامت حركة أشبه بالثورة على الجنرال منذ عشرات السنين، كيف واجهها بحرب استخدم بها كل اواعالاسلحة وأدت لقتل آلاف الناس واغلبهم ابرياء لم يواجهوا الجنرال وسلطته ابدا. يتذكر نبيل تلك الأيام وكيف كانوا يعاملون معلميهم بعدائيّة مقترنة بالمراهقة، الا استاذهم في الفلسفة: كامل عبد المولى، لقد كان استاذا متميزا وممتلئا علما ووعيا ويعبر عن موقف معارض سياسي، لقد اشيع عنه انه من “التنظيم” كتعبير عن من يواجه سلطة الجنرال ويدفع الثمن الباهظ من حياته سجنا او موتا، كان المعلم قريبا من الطلاب واحبه نبيل واصدقاؤه الثلاثة. المعلم الذي اعتقل أكثر من مرة وكل مرة لسنوات. تذكر نبيل كل ذلك وهو يفكر بعدم حضور أصدقائه القدامى إلى الحانة للسهر معهم، بدأ يبحث عنهم وعلم أنهم قد ماتوا بعد لقائهم به على تسلسل في ثلاثة ايام متتالية، لقد استغرب نبيل ذلك وبدأ يبحث، ما السبب في موتهم ؟!، وما الرابط العجيب في ذلك ؟! ، واكتشف انهم التقوا صدفة بعد أكثر من عشرين عاما بمعلمهم كامل عبد المولى وهو في مظهر مزري، لقد كان في مشفى الأمراض العقلية، لقد أحاله الجنرال على التحقيق والتعذيب، وكان قد قرر الجنرال ان يعذبه الى درجة الجنون، خاصة بعد أن تأكد الجنرال أن المعلم هو من كان يسرب كتابات ضد الجنرال وتفضح نظامه وقمعه واستغلاله للناس الى الخارج و تنشر باسم مستعار، و لأن المعلم ادرك ذلك فقد مثّل انّه قد اصيب بالجنون، وتم اخراجه من مشفى الامراض العقلية ليكون عبرة بجنونه لكل من يفكر بمعارضة الجنرال، كان اللقاء صادما للأصدقاء الثلاثة، الذين كانوا قد وطدوا حياتهم على الخنوع وتمثيل انهم يحبون الجنرال وولائهم له، وكانت المفاجأة الاكبر لهم أن يخرج بصحبة المعلم سجين مصاب بفقدان الذاكرة، لا يعرف الا برقم ٩، خرج ليتعرف عليه الأصدقاء انه أخا أحدهم الذي أُخذ منذ عشرين عاما كمعتقل أيام قامت القوى السياسية “التنظيم” بثورة ضد الجنرال، وليأتي خبرا بعد سنوات انه قتل في سجن الجنرال بعد محاولة تمرد، أنه لم يمت ، ها هو حي، لكنه لا يذكر من ماضيه اي شيء. ستأخذ الصدمة الاصدقاء الثلاثة، يتركون المعلم ومعه خلدون الفاقد الذاكرة على ان يتواصلوا معهم لاحقا لعلهم يساعدوه على استرجاع ماضيه وشخصيته. لكن الاصدقاء سيموتون من الغل والصدمة والخوف والقهر تباعا على ثلاثة أيام. يكتشف نبيل كل ذلك. كما اطلينا عبر الرواية على الجنرال وعالمه الذاتي انه الحاكم بأمره، حاضر في كل شيء، يريد ترسيخ الانطباع عند كل الناس ومحيطيه أنه إله، حاضر بصوره ومنافقيه واجهزته الامنية في كل شيء، الأجهزة الامنية التي تضم الى صفوفها فراس ذلك السائق الذي يختطف فتاة ويغتصبها هو وصديقة وتلقي عليه القبض دورية امنية، وتجعله يعمل لصالح الجنرال، وتغطي على جريمته، هذا نموذج لعناصر الأمن وأفعالهم. تقفز الرواية زمنيا الى زمن تنتصر به ثورة الحرية وتسقط الجنرال، ويصبح المعلم وزيرا للثقافة، ويعاد الاعتبار له ولكل من ناضل ضد الجنرال. تكتمل الرواية عندما يقدم المخطوط نبيل الذي هو المؤلف الى خوسيه الذي هو ابن أخ خلدون فاقد الذاكرة الذي هاجر إلى إسبانيا، ولذلك أراد ان يحيي ذكرى عمّه وذكرى كل من ناضل ضد الجنرال وحكمه القمعي المستبد الظالم.
هنا تنتهي الرواية.
في تحليلها نقول:
اننا امام رواية شجاعة جدا، فقد كتبت ونشرت في دمشق عام ٢٠١٠م ، إنها تومئ للجنرال حافظ الأسد الحاكم الإله لسورية عبر ثلاثة عقود، والاهم انها تنتهي بثورة الحرية التي يتوقع حصولها وانتصارها. نعم بعد سنة من نشر الرواية حصلت ثورة الحرية في سورية، صحيح أنها لم تنتصر إلى الآن ٢٠١٩م، لكنها كسرت حاجز مواجهة نظام القمع والاستبداد والاجرام في سورية، وكتبت السطور الاولى لانتصارها ، ثورة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل للشعب السوري كله. منتصرة ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى