سواء كانت اتهامات الضحايا صحيحة أو غير صحيحة، وبصرف النظر عن حكم القضاء الذي ما زال لم يصدر فإن الوقائع التي اعترف بها المفكر البارز بمحض إرادته، وقدم أدلة عليها بنفسه (300 فيديو والف صورة ومراسلة) تكفي للقول إننا أمام شخص غير سوي ، مصاب بالسادية ، متناقض ، مضطرب السلوك ، ظاهره يتناقض مع حقيقته ، يستغل مكانته العلمية ، كداعية مسلم ، ويستغل نشاطاته الفكرية والدعوية لكي يصل الى ضحاياه ويشبع رغباته وشبقه الجنسي بطرق لا تخلو من السادية والوحشية أحيانا .
هذه الحقيقة في حد ذاتها تحطم نهائيا صورة طارق رمضان السابقة كمفكر اصلاحي مجدد، واستاذ أكاديمي تتسابق الجامعات العالمية على استضافته ، ونموذج عصري لداعية اخواني لامع ، وترسم على أنقاضها صورة جديدة لوحش جنسي شبق ، مخيف ومثير للاشمئزاز في آن واحد . صورة زوج يمارس الخيانة الزوجية باستمرار واحتراف ، ويمارس فنون الرذيلة دائما .
إن هذه الحقيقة المرعبة تمثل سقوطا فاضحا ومدويا ومخيفا لا لطارق رمضان الفرد ، أو الشخص ، بل تقدم دليلا دامغا على السقوط المروع للنموذج الاخواني الحديث الذي يقود النشاط الاسلامي في اوروبا ، بهدف اضفاء صورة دعائية لجماعة الاخوان المسلمين ، كجماعة اصلاحية ثورية عقلانية ديمقراطية ، بعيدة عن التطرف الديني ، تمارس الحوار وتطرح الأفكار العصرية ، والعلمية ، وتبتكر الحلول العقلانية ، لأشد ظواهر التطرف والتخلف ، في العالم بعامة ، وفي قلب الغرب بخاصة .
لا يمكننا عزل هذا الحالة عن غيرها من حالات السقوط المدوي للنماذج الاخوانية على المستوى العام . ولا يمكننا عزلها عما نراه في السنوات الاخيرة من تهاوي ( النماذج الاخوانية ) السياسية والفكرية ، العامة .
لقد فشل الاخوان في تمثيل ثورة الشعب المصري عام 2011 ، وفشلوا في تقديم نموذج وطني وديمقراطي للحكم في مصر بعد انتخاب محمد مرسي . ولقد سقط تدريجيا نظامهم في السودان ، وسقط نموذج الداعية والمفكر الأسبق الشيخ الراحل حسن الترابي فمات كنموذج قبل أن يموت كإنسان ، ثم سقط قائدهم السياسي الجنرال عمر البشير بعد ثلاثين عاما على راس سلطة ديكتاتورية لا يفوقها على المستوى العربي غير نظام بشار الأسد ، وقد جعل نظام الاخوان السوداني الشعب السوداني المشهور بالصبر يكفر بهم ، وبإسلامهم الزائف ، وينتفض عليهم ، كما انتفض المصريون على نظام مرسي ، بغضب يعكس مدى رفضهما للنظاميين الاخوانيين .
ولقد فشل اخوان ليبيا ، وأصبحوا حلفاء لعودة المحتل التركي لبلدهم حتى صار الليبيون يترحمون على عهد القذافي . وهاهم أخوان تونس النهضويون بقيادة الشيخ راشد الغنوشي يواجهون تصدعات وانشقاقات داخلية خطيرة ، تؤشر لنهاية الحركة ، فضلا عن نقمة عارمة في أوساط نخب وجماهير الشعب التونسي معا .. مثلهم مثل أقرانهم في تركيا بقيادة السلطان أردوغان . وفي اليمن والعراق يصطف حزب الاصلاح ، والحزب الاسلامي العراقي مع المحتل الايراني في خندق واحد . كما اختار الشيخان اسماعيل هنية زعيم حركة حماس ، وشريكه رمضان شلح زعيم حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينيتين الارتباط التام بالمحور الايراني في الاقليم ، ومقاطعة الدول العرب بالجملة !
وبشكل متواز مع ذلك التهاوي الجماعي للنماذج السياسية الاخوانية الرئيسية في البلدان العربية ، يأتي سقوط نموذج الداعية أو المفكر الاسلامي العصري (المودرن) الذي قدمه الاخوان للغرب ، إثباتا لأهليتهم الثقافية والاديولوجية والسياسية ليكونوا قوة تتبنى قيمه الديمقراطية المتحررة ، وأهليتهم لكسب دعمه وحمايته لهم ، في مواجهة الأنظمة العربية التي تلاحقهم . ولعب هذا النموذج العصري دورا رئيسيا في بناء الأمبراطورية الاخوانية المسماة ( التنظيم الدولي ) خلال ستين عاما ، باذرع دعوية وفكرية واعلامية ومالية ترتكز على سيطرتهم المنظمة على آلاف الجمعيات الأهلية والمنظمات السياسية ، ودور العبادة والمعاهد ، والشركات الاقتصادية .. إلخ ، فضلا عن دعم سخي جدا من بعض الأنظمة في الخليج العربي منذ خمسينيات القرن المنصرم بحجة التحالف السياسي ضد الأنظمة العربية القومية والاشتراكية .
لقد عمل المهاجرون الأوائل من الأخوان المسلمين الوافدين من مصر وسورية وبقية البلدان العربية على بناء مؤسسات عابرة للقارات بإشراف ( التنظيم الدولي ) وبطريقة مختلفة عن تنظيماتهم الوطنية في بلدانهم الأصلية التي يغلب عليها النموذج السلفي المتشدد التقليدي ، وطرحوا خطابا يعبر عن ايمانهم بالحريات وبالديمقراطية وصوروا أنفسهم ضحايا لأنظمة الاستبداد الشرقي ، ومناضلين من أجل الحرية والعدالة ، وأظهروا استعدادهم للاندماج في المجتمعات الغربية وتقديم أهم خدماتهم لسلطاتها ، ممثلة بتربية ابناء المسلمين المهاجرين على القيم الغربية وتطويعهم لمتطلبات الاندماج ، وهي مسألة تحتل أولوية مطلقة بالنسبة لسياسات استيعاب المهاجرين لكافة الدول الاوروبية . وقد كشفت وثائق وحقائق كثيرة ظهرت بشكل متواتر من أرشيفات الدول العظمى ، كبريطانيا سابقا ، والولايات المتحدة أخيرا ، بعد نشر مراسلات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في ادارة أوباما ، الى علاقات ارتباط وتحالف قديمة متجددة بين الامبرياليات الغربية وجماعات الاخوان بوساطة أنظمة عربية رجعية ، وتجنيدهم في استراتيجياتها المعادية للمصالح العربية طوال حقبة التحرر الوطني والحرب الباردة . وما زالت هذه العلاقات تنمو وتتطور لحاجة الدول الغربية لوسيط اسلامي يقوم بمهمة ضبط ايقاع الجاليات الاسلامية المتنامية بوتيرة عالية ومتسارعة ودمجها في ثقافة الدول الغربية ، وهي مهمة بالغة الحيوية والاهمية والخطورة تضطلع بها اليوم منظمات الاخوان في أوروبا بشكل خاص ، ولذلك فإن سقوط نموذج المفكر والداعية العصري طارق رمضان يمثل نكسة كبيرة وخطيرة للجماعة في دورها على الصعيدين الاوروبي والعالمي ، يتمثل في سقوط نموذج الداعية والمفكر المودرن العصري الذي دأب على تقديم نفسه الى الغرب بصورة تتماهى معه في قيمه الديمقراطية المتحررة وايمانه بحرية المرأة ومساواتها مع الرجل .
وهذا هو سبب ومعنى صمت “الجماعة” عن فضائح وجرائم الدكتور طارق رمضان عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، ونجم المؤتمرات الاخوانية في اوروبا ، فهم في وضع حرج جدا ، لأنهم عاجزون عن الدفاع عنه ، أو التبرؤ منه . وهذا الصمت يشبه صمتهم بعد ثورة الشعب السوداني على نظام عمر البشير وحسن الترابي الاخواني المسلح بالقمع والارهاب والاستبداد . إذ لا يمكنهم اخفاء الحقائق الساطعة كالشمس بالغربال، أو بإشاحة النظر عن الواقع كالنعامة . ولا شك أن الصمت هو خيارهم الاجباري الوحيد !
المصدر: الشراع