في كل صباح يخرج الشاب “محمد الحسين” (30 عاما) من منزله في حارم بريف إدلب الشمالي، ويتوجه إلى سوق المدينة لشراء حاجات أسرته اليومية من خضار وفواكه وغيرها، وبجيبه عملتان الأولى: سورية والأخرى قطعٌ صغيرة من الليرة التركية، ويقول في تصريحات لـ موقع “الحرة” “نحن تائهون بين العملتين، ولا نعرف سعرا ثابتا لما نشتريه، وما قيمة الربح الذي يحصله البائعون منا”.
ويضيف الحسين أن حاله ينطبق على جميع السكان في محافظة إدلب، والقرى والبلدات الواقعة في ريفها، وذلك بعد القرار الأخير الذي اتخذته السلطات الإدارية في إدلب، والمتمثلة بـ “حكومة الإنقاذ السورية”، المتهمة بتبعيتها لـ “هيئة تحرير الشام” ببدء التعامل بالليرة التركية في المعاملات اليومية، وذلك على خلفية الانخفاض المتكرر لسعر صرف الليرة السورية.
والتعامل بالليرة التركية لم ينحصر، في الأشهر الماضية، على إدلب فقط، بل انسحب إلى ريف حلب الشمالي والشرقي، والخاضع للإدارة التركية، وعلى الرغم من الترويج لهذه الخطوة بشكل كبير في الأيام الأولى لها، إلا أن تبعاتها كانت على العكس، ولاسيما مع غياب الآليات الواضحة لعمليات التداول اليومية، وما إذا كانت ستكون الليرة التركية هي العملة الوحيدة المعتمدة في الشمال السوري.
صورٌ وفيديوهات كثيرة كانت قد خرجت في الشهرين الماضيين من إدلب وأرياف حلب، وثق فيها ناشطون وسكانٌ بدء التعامل بالليرة التركية، وعمليات تسعير المواد الغذائية بها، وذلك بعد ضخ عملات معدنية وفئات صغيرة من الأوراق النقدية التركية، ضمن عمليات لم يعلن عنها الجانب التركي بشكل رسمي، واقتصر الحديث عنها فقط على “حكومة الإنقاذ السورية”، ونظيرتها “الحكومة السورية المؤقتة”.
وبحسب الجو العام لسكان الشمال السوري، فإن خطوة بدء التعامل بالليرة التركية كانت على عجل ودون استشراف ما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا، وخاصة مع غياب الخطط الاقتصادية التي من المفترض أن تؤسس للسياسة المالية والنقدية لأي منطقة أو بقعة جغرافية.
الشاب “مصطفى عواد”، يقيم في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، ويقول لـ موقع “الحرة” “لا ندري كم يربح منا تجار المواد الغذائية وتجار الفواكه والخضار، كونهم يبيعون ويشترون بالعملتين، وهو الأمر الذي يضعنا في متاهة سعر الصرف اليومي، سواء لليرة السورية أو التركية”.
ويضيف “عواد”: “هناك مواد ثابتة بسعر الليرة التركية كالمحروقات من مازوت وبنزين وغيرها، إلى جانب سعر الخبز، وهي احتياجات يومية باتت أسعارها مرتبطة بالليرة التركية، وبالتالي فإن أسعارها تتأثر بالانخفاض الذي تشهده”.
بورصة محروقات بيد “تحرير الشام”
وحتى اليوم لم تصدر الحكومات المتحكمة بإدارة إدلب وريف حلب أي إحصاء يوضح مدى الاعتماد على الليرة التركية والأهداف المرسومة من ذلك، بعد تنفيذ قرار بدء التعامل فيها، وهو ما يثير تساؤلات عن ماهية هذه الخطوة، والتي أرجعها محللون اقتصاديون إلى “سوء تقدير”، لم يسبقه أي إجراءات أو خطوات لضمان النجاح.
ومنذ يونيو الماضي من بدء التعامل بالليرة التركية وحتى الآن، لم تستقر أسعار المواد الأساسية، ولاسيما المحروقات، والتي باتت بورصة تتأثر تعاملاتها بالليرة التركية، والتي شهدت انخفاضا إلى مستويات قياسية، مؤخرا.
وتحتكر “شركة وتد” المتهمة بتبعيتها لـ “هيئة تحرير الشام” سوق المحروقات في إدلب، منذ عام 2018، وتمنع أي شركة من شراء وبيع المحروقات، ومنذ شهر يونيو الماضي وحتى وقتنا الحالي رفعت أسعار المحروقات أكثر من 12 مرة في إدلب، مبررة الأمر بأنه جاء على خلفية انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي.
وقبل 14 يونيو 2020 كانت المحروقات في إدلب تسعّر بالليرة السورية، لتتحول فيما بعد إلى الليرة التركية، مع الدعوات لبدء التداول بها في الشمال السوري، في ظل التدهور المستمر لليرة السورية، في سوق العملات الأجنبية.
وكانت التسعيرات الأولى بالليرة التركية للمحروقات كالتالي: بنزين مستورد (3.70 ليرة تركية (مازوت مستورد (3.70 ليرة تركية) مازوت مكرر بدائي ( 3.2 ليرة تركية)، بالإضافة إلى جرة (قنينة) الغاز 53 ليرة تركية، والتي أصبحت في آخر تعديلٍ للسعر 76 ليرة تركية.
حالة عدم يقين
في سياق ما سبق وضمن حالة التيه التي يعاني منها المواطنون السوريون في الشمال السوري، يسود عدم التأكد من ما هو قادم، ولاسيما بما يخص التعاملات المالية واقتصاد المناطق التي تعتبر محاصرة من جميع الجهات، ولا منفذ لها إلا عبر الحدود السورية- التركية.
وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري يقول في تصريحات لـ “موقع الحرة” إن رفع أسعار المحروقات في الشمال السوري مرتبط بسعر صرف الليرة التركية، والتي شهدت انخفاضا في الأيام الماضية.
ويضيف المصري: “المحروقات تستورد بالدولار، سواء عن طريق تركيا أو عن طريق قوات سوريا الديمقراطية، ويتم بيعها بالليرة التركية، ما ينعكس على أسعار السوق اليومية”.
ويشير المصري إلى أن الارتفاع في الأسعار، ولاسيما بالليرة التركية سيكون له انعكاسات سلبية على السكان، والذي بات قسم كبير منهم دون عمل، والقسم الآخر يتقاضى مبالغ مالية لا تتناسب مع الأسعار التي تتبدل بين اليوم والآخر، مقدرا معدل البطالة في مناطق الشمال السوري بأنه يزيد عن 50%.
ووفق ما تحدث “موقع الحرة” مع شبان في إدلب وريف حلب فإن أجور العمال لم تحدد قيمتها بعملة موحدة حتى الآن، على الرغم من قرارات السلطات الإدارية البدء بالتعامل بالليرة التركية، ويعود ذلك إلى “مزاجية” صاحب العمل، دون وجود أي آلية أو ضوابط تفرض عليه تحديد قيمة الأجور وتنظيمها.
المصدر : الحرة. نت