قراءة في كتاب؛: ما بعد “الربيع العربي”    أسئلة المستقبل. ١/٢

أحمد العربي

عبد الإله بلقزيز باحث سياسي من المغرب العربي، قرأت له أغلب إنتاجه الفكري، وكتبنا عنه، كان آخرها كتاب ثورات وخيبات، تحدث به عن ثورات الربيع العربي التي حصلت أواخر عام ٢٠١٠م وأوائل عام٢٠١١م. بعد مضي سنة على حدوثها. وفي هذا الكتاب يتحدث عن ثورات الربيع العربي، عموما، بعد مضي خمسة سنوات على قيامها، محاولا أن يتعمق في دراستها وتقييمها، وتقديم رأيه النقدي فيها.

الفصل الأول: ربيع عربي مزلزل.

يتحدث الكاتب في هذا الفصل عن أهداف ما كان يعتقد أن ثورات الربيع العربي تتحرك لها، مطالب مشروعة، الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والديمقراطية، ولكن تبين أنها لم تكن قادرة على تحقيق هذه المطالب، لأنها كانت تحمل سمات لاتعطيها إمكانية تحقيق هذه المطالب، التي تُطلب بها الحد الاقصى مثل إسقاط النظام، وترفع والوتيرة وتزيد التحشيد دون أن ترى ما هي إمكانيات تحقيق ذلك، كما أنها وقعت ضحية الشعاراتية، والثورة والسياسة تحتاج الدراية واتخاذ الخطوات المناسبة لتحقيق الأهداف. وانتقل الى التساؤل هل كانت هذا الحراك يعبر عن ثورة فعلا ؟، هل إسقاط السلطة بمعنى تنحي الرئيس كم حصل في تونس ومصر يعني حصول ثورة؟. وجوابه لا لا يعني ثورة؟ !. لأن الثورة كما يرى الكاتب تحتاج أن تؤدي لتغيير في البنية الإجتماعية، السياسية ، الإقتصادية للدولة، وهذا ما لم يحصل في الربيع العربي. كما أنه رفض اعتبار إسقاط الحكم في مصر وتونس وحتى الانتخابات ونتائج الصندوق ليست مؤشرا ثوريا ولا ديمقراطيا. وأومأ الى كون الانتخابات أدت لسيطرة الإسلاميين و أجندتهم ليست ديمقراطية كما يرى الكاتب؟!. كما أشار الى كون الثورة قد تحولت الى العنف المسلح كما في ليبيا وسورية واليمن لاحقا، وهذا لن يؤدي الى التغيير بل الى ضرب الدولة بمكوناتها الثلاثة: الشعب والأرض والسلطة، حيث انتصرت ثورة ليبيا عبر التدخل الدولي واسقطت نظام القذافي، ثم اصبحت ليبيا رهينة التدخلات الخارجية، ودخلت في دوامة الصراعات البينية، تخدم من يدعمها ويستخدمها لمصالحه كدول، وليس لخدمة الثورة والشعب الليبي، وكذلك اشار ضمنا الى واقع حال تحول الربيع السوري للعمل المسلح وادّى إلى نتائج كارثية على سورية الدولة والسلطة والناس؟!.

 انتقل الكاتب بعد ذلك لتأصيل موضوع الثورة فكريا ومعرفيا، وأن الثورة تغيير شامل للبنى الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية، وهذا مالم يحصل في الربيع العربي، لذلك لم يكن التحرك الذي حصل ثورة، هو أقرب للانتفاضة منه للثورة. كما كان الحراك يعتمد على التمنيات وليس الممكنات، ولم يكن هناك نضج لظروف الثورة وهي غياب الوعي السياسي والرؤية المستقبلية، ولا كان هناك تنظيم سياسي يعتبر حاملا للثورة وصانعها، رغم وجود الاستعداد للتضحية ومواجهة النظام وتحديه. واستنتج أن إسقاط رأس الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن نسبيا، لا يعني ثورة، لأنه لم يغير البنية في هذه الدول. ووصل الى استنتاجات لما ادى اليه حراك الربيع العربي:

١- خروج التحرك عن دافعه الداخلي الوطني وتحوله لأداة في يد الدول الداعمة له وخدمة مصالحها ضد المصلحة الوطنية، يعني ضد الدولة وليس السلطة فقط؟!.

٢- تحول الصراع مع السلطة الى صراع بيني ادى الى اسقاط الدولة ذاتها، كما حصل في ليبيا واليمن وسورية؟!.

٣- تحول الصراع من صراع ضد النظام، الى صراع عصبوي، قبلي مناطقي عشائري، طائفي مذهبي، يعني بين مكونات الشعب ذاته؟!.

 وكان لذلك نتائج مباشرة في هذه الدول بحيث تحولت لصراعات بين مكونات الدول، وخسر جيل كامل فرص التعلم والعمل وبناء فرص المستقبل، ودخل الدين عاملا تستخدمه بعض الأطراف لتحصل على الشرعية وجعل الصراع ينتقل من حيز السياسة لحيز العقائد، ويتم استثمار ذلك داخليا ودوليا.

كما ذكر الكاتب ايجابيات الربيع العربي، مثل تحرك الشباب ومطالبهم بحقوقهم وتخطي حاجز الخوف، وكذلك طرح ضرورة التغيير الاجتماعي والسياسي، الذي ادّى إلى إسقاط أنظمة فاسدة. لكنه يختم تحليله باعتبار الربيع العربي تجربة مرّة عاشتها الدول التي حصلت فيها؟ !!.

انتقل الكاتب بعد ذلك للجواب على تساؤل ما مستقبل التغيير؟ . وأكد على أن التغيير لا يحصل الا في الوسائل السلمية وأن توسل العنف يسقط الدولة. وأن الثورة تحتاج لتنظيم سياسي قائد للثورة والحراك، كما يجب أن يكون هذا التنظيم مسلحا برؤية سياسية عن مشروعه المستقبلي الذي يريد تحقيقه عبر الثورة. والحرص على الدولة وحمايتها. واستنتج من ذلك أن العفوية في الربيع العربي لم تؤدي للثورة بل للفوضى. كما أكد أن التغيير الديمقراطي يحتاج لتوافق بين السلطة والمعارضة وأن تكلفة مواجهة السلطة بالعنف يؤدي لكوارث على الدولة، والحل التوافق، ولذلك قال يجب أن تدرك السلطات المستبدة أنها لن تستطيع احتكار السلطة استبداديّا للأبد وعليها أن تبدأ بتنازلات ديمقراطية، وأن الحلول الأمنية تنفع مرحليا وتعجز عن حل المشكلة استراتيجيا، حيث ستثور الناس مجددا ضد الفساد والاستبداد والاستغلال. وأن تدرك المعارضة قوتها وحجمها و قدراتها وكيفية إدارتها للصراع والتفاهم مع السلطة. وأن العمل للتغيير الديمقراطي يعني تجاوز البنى الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية، وأن يتم العمل لخلق ثقافة وطنية ديمقراطية.

الفصل الثاني: الربيع العربي، جردة حساب اولية.

في هذا الفصل يجمل نتائج التحليل في الفصل الأول:

١- تشبيه الربيع العربي بالعاصفة الهوجاء ونتائجها الكارثية على الدول التي أصابتها، وتحدث كيف سرقت الثورة وتحولت لإرهاب، وكيف استدعت الغزاة، وأدت لخيانة الوطن؟ !.

٢- اكّد الحاجة لتأصيل فكري سياسي فالثورة تحتاج لأحزاب سياسية  ورؤية وخطط استراتيجية، استعاد ما حصل في دول أوروبا الشرقية والتغيير الديمقراطي فيها كنموذج.

٣- تجاوز العفوية والاعتماد على العمل المنظم.

٤- الانحراف عن العمل السلمي الى العمل المسلح، يضر بالثورة ويسقط الدولة ويؤدي للتبعية للدول الداعمة للأطراف، ونكون النتائج كارثية.سورية نموذجا.

٥- بديل العمل السلمي السياسي المعارض احضر ثقافة السمع والطاعة والعمل “الجهادي” وادى لكارثة ضياع الدولة.

٦- تبين أن دول الربيع العربي لم تكن جاهزة للتحول الديمقراطي فقد ظهر أنها لا تزال موغلة بالبنى الما قبل وطنية من طائفية وقبلية ومناطقية تقاوم التحول الديمقراطي وثقافة المواطنة؟ !!.

٧- وختم الفصل بأن واقع دول الربيع العربي محكوم في بناه المترسبة به تاريخيا، دينيا وطائفيا وعصبيّا، وأنه محكوم بعلاقات التبعية مع الغرب كدولة ونظام ومجتمع. وأن البنية الداخلية الوطنية مفككة وقدّم نموذجا عنها، لبنان والعراق.

في مناقشة وتحليل ونقد هذا القسم نقول:

أولا: إن أهم أخطاء هذا التحليل للربيع العربي وثوراته، هو التعميم، إن الحديث عن الثورة في تونس ومسارها حيث أصبحت دولة صنعت توافقا بين أبناء الثورة ودخلت في تجربة ناجحة واعدة. يختلف بالمطلق عن المسار المصري حيث انتصرت الثورة وانتخب برلمان وتم التوافق على دستور و تم الاستفتاء عليه، وانتخب رئيس، وتم الانقلاب عليه من قيادات الجيش المصري وتم إلغاء الدستور وحلّ البرلمان وعادت الدولة القمعية بعد أن حولت الإخوان المسلمين الى بعبع ارهابي، وتمت ملاحقتهم واجهضت قوى الثورة كاملة.

وليبيا لعبت بها القوى الإقليمية والدولية ومدّتها بالسلاح والمال لخلق صراع لا ينتهي يقتات على الدم الليبي.

واليمن الذي دخلت به قوى إقليمية؛ الخليج وإيران، واصبح ساحة حرب أهلية بالواسطة، وبالدم اليمني ايضا.

أما سورية التي سأتحدث عنها مفندا ما جاء في كتاب بلقزيز، وهو في أغلبه يتحدث عن الحالة السورية حصرا.

لذلك لم يكن من العلمية ولا الأمانة الموضوعية أن يتم التعميم والتعمية وعدم التحدث عن واقع كل ثورة في كل بلد عربي على حدى. ماذا حصل؟ . وما هي المآلات والاحتمالات المستقبلية؟ .

ثانيا: يتحدث الكاتب عن أن حراك الربيع العربي والسوري ضمنا، لم يكن يمتلك شروط الثورة، وهي عنده التنظيم الثوري القائد والرؤية الفكرية السياسية الموجهة، ولا القوى المتحركة للتغيير. ولذلك اعتبرها حركة عفوية وسماها انتفاضة بأحسن أحوالها لذلك كان مصيرها الفشل. في الجواب على عدم امتلاك شروط الثورة كما يعتقد الكاتب، فهو هنا يستخدم مسطرة التحليل من خارج الظاهرة الإجتماعية السياسية ذاتها، وهذا أول خطأ علمي تحليلي، العلمية تعني اولا النزول الى الظاهرة وقراءتها ضمن معطياتها كلها، ثم تحديد متغيراتها وإحتماليات تطورها المستقبلية.

في سورية لم يكن هناك إمكانية لوجود معارضة قوية قادرة على أن تشكل رافعة ثورية، اللهم الّا أجندتها الوطنية الديمقراطية، و مطالبها بالحرية والعدالة. والسبب ببساطة أن النظام الاستبدادي الشمولي السوري قد قضى كل عمل سياسي معارض عبر الإعتقال والسجن والملاحقة والقتل والتطفيش والتخويف، ومنع أي حراك سياسي معارض للنشاط والعمل بالمطلق، وذلك عبر عقود طويلة. لقد ولد وعاش الشباب الذي ثار في سورية في ظل دولة القمع تلك. ونقول أن بقايا المعارضة في سورية صبيحة الثورة عام ٢٠١١م لا يتجاوز عددهم المئات على أحسن تقدير، وأغلبهم كان مستقيلا عن أي دور في الشأن العام. لذلك لو إنتظرت الثورة في سورية تنظيما قائدا ورؤيا سياسية مبلورة عند المتحركين وخطط استراتيجية وتكتيكية، لما قامت الثورة مطلقا. لذلك كان النظام مطمئنا لعدم تحرك السوريين بداية الربيع العربي، لأنه يعلم أن الجسم المعارض السوري كان ميتا موضوعيا.

ثالثا: لذلك نقول أن ما اعتبره الكاتب مشكلة في الثورة السورية؛ من غياب التنظيم والرؤية والقيادة، بل كان ميزة، وبالتحليل العلمي مرّة أخرى نقول: إن هدف التنظيم الثوري المعارض ورؤيته وتقدمه بالتضحية والتحرك، يهدف ليجعل المجتمع بقواه الحية للتحرك ديمقراطيا او ثوريا لمواجهة السلطة لتنفيذ التغيير المطلوب. وجاء الحراك الثوري السوري عبر التظاهر اساسا من خلال مئات الآلاف وبعد ذلك الملايين من الشعب صاحب المصلحة في الثورة والتغيير. وشعارات التحرك كانت تصب في صلب الرؤية السياسية الوطنية الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، ولم تكن مشكلة ثورتنا أنها كانت شعاراتية، بل كونه لم يسمح لها أن تترجم شعاراتها لخطط، بل ووجهت مباشرة بالعنف والقتل والاستئصال. ولم تكن تطرح اسقاط النظام بداية بل طلبت التغيير الديمقراطي، لكن عنف النظام دفعها لرفع سوية شعارها لإسقاط النظام وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

لقد صمت الكاتب عن دور النظام القمعي الإجرامي القاتل عن الانحرافات التي حصلت نحو التسليح والعنف عند الثوار، وعن كل النتائج الكارثية التي حصلت في سورية الدولة والشعب والأرض.

رابعا: ليس من العلمية تجهيل القوة الفاعلة الغالبة التي حددت ما حصل في سورية، بل نقول خيانة علمية أيضا. لأن المقدمات الخاطئة تؤدي لنتائج خاطئة ايضا.

نعم إنه النظام المستبد السوري الذي قال من البداية “الأسد او نحرق البلد” ولم يكن تهديدا لفظيا بل كان واقعا عمليا، لم يستجب النظام للمطالب الإصلاحية الديمقراطية، واجه التظاهر بقوة السلاح والقتل واعتقال الناشطين. مئات آلاف المعتقلين والمسجونين والمقتولين، بحيث اصبحت سورية مسرحا لهدر دم الناشطين وتصفيتهم. ثم زاد اندفاع النظام العنفي أكثر ليضرب الحاضنة الشعبية للثوار، إنهم الشعب بلداته ومدنه، تدمير وتقتيل واعتقال وسجن، بحيث صار الشعب كله تحت التهديد. وعبر سنوات عدّة، وصل الضحايا من عنف النظام عبر حربه على الشعب بكل الاسلحة الى ما يزيد عن مليون إنسان قتيل، ومثلهم مصابين ومعاقين، أكثر من نصف سورية مدنها وبلداتها مدمرا، أكثر من ثلاثة عشر مليون انسان مشرّدا و لاجئا داخل سورية وخارجها، وهم أكثر من نصف الشعب السوري. ثم يستغرب الكاتب أن الشباب الثائر استعمل السلاح، وأي سلاح؟ !. منع عن الثوار أي سلاح نوعي قادر على تغيير معادلة سيطرة النظام، ومن كان قادرا أن يقول للشعب السوري استكينوا وعودوا كما كنتم عبيدا بعد كل هذه التضحيات، حتى نجرّب الحلول التوافقية، على رأي الكاتب؟!!. من الذي منع الحلول التوافقية منذ اللحظة الأولى للثورة؟ .إنه النظام المجرم.

خامسا: إن من صنع العنف هو النظام، ورد الثوار كان رمزيا قياسا بما فعله النظام، وبما أنه فقد الشرعية وانفضّ الجيش من حوله من الجنود أبناء الشعب والضباط الغير مرتبطين طائفيا مع النظام، أصبح البلاد تتحرر من النظام المستبد لصالح الثوار.

 والسؤال هنا من الذي هدد الدولة واستدعى المستعمر الإيراني والروسي والمرتزقة الطائفيين؛ حزب الله والأفغان والعراقيين وغيرهم ؟. إنه النظام، إن الثوار لم يستدعوا التدخل الأجنبي ولم يأتي عندما أتى بسبب بعض الدعوات بل لأن هناك مصالح لهم. الأمريكان حضروا لأنهم حكّام العالم، وكان حضورهم رمزيّا، والأتراك تصرفوا على الحدود لحماية مصالحهم. والسبب الرئيسي في ذلك هو النظام الذي أجرم وتعنّت وعجز عن الدفاع عن نفسه أمام الثورة وسلم البلد للمحتلين.

إنه من الخطأ العلمي والقيمي أن يتحدث الكاتب عن الربيع السوري ومسؤوليته عن كارثة ضرب الدولة السورية، ارضا وشعبا، ولا يسمي الواقع عبر حقائقه: مسؤولية النظام السوري وحلفائه عن تدمير سورية وقتل وتشريد شعبها واستدعاء المحتلين لها، وتوزيع خيراتها غنائم حرب عليهم. هذا غير واقع التقسيم الفعلي لسورية التي لم تعد واحدة للأسف. النظام المسؤول المباشر والوحيد.

سادسا: أما موضوع الأسلمة والمواجهات الطائفية والصراعات بين المكونات كما يدّعي الكاتب، فهي ايضا تحتاج لتفنيد.

عندما حصلت الثورة وبدأ النظام يقتل المتظاهرين و يعتقلهم و يسجنهم ويصفّيهم، قام بالإفراج عن المعتقلين عنده من التنظيمات الجهادية القاعدة وأخواتها. كان بعضهم مخترقا أمنيا للنظام. صنعوا تنظيماتهم المسلحة ووجد من يدعمهم من الخارج لحساب أجنداتهم الإقليمية والدولية، وانخرطوا كلهم في حربهم المقدسة، ضد النظام، وضد الثورة السورية، في ذات الوقت، وتطوروا ليكونوا القاعدة وداعش، ووجد بهم النظام طوق نجاة ليقول للعالم أن البديل عني هم القاعدة وداعش، لذلك ركّز الغرب في حربه على “الإرهاب” وصمت عن النظام وما يفعل بالشعب السوري. وما الأسلمة عند بقية قوى الثورة الّا جزء من هوية الشعب وعمق إيماني مهم في صراع وجودي ينتهي بالموت. وعن الصراع الطائفي بين المكونات السورية. لا يوجد الّا في خيال الكاتب، ما بقي عند النظام جيّش “الطائفة العلوية” وزرع في وعيها أنها مهددة، وأن دولتهم ستزول، وأن الثورة ستنتقم منهم. لذلك بادروا إلى أعمال طائفية مشينة. وحصلت بعض ردود الأفعال المحدودة. لكن الثورة بقيت نظيفة عموما من الطائفية . ولا يوجد أي صراع بيني داخل مكونات المجتمع السوري، وإن ما حصل لم يؤثّر على مصداقية الوحدة الوطنية السورية. ومع ذلك كانت هناك وقفات مشرفة مجتمعية من كل مكونات الشعب السوري. كرفض رموز الدروز للتورط بالدم السوري وعدم التحاق ابنائهم بالجيش، وعظم ظهور موقف معادي للثورة عند المسيحيين والاسماعيليين عموما. بل كانوا مشاركين في الثورة في ايامها السلمية، ومنهم ناشطين و رموزا في الثورة السورية. حتى من العلويين الذي حاول النظام أن يجيّشهم ضد الثورة، ليكونوا اداته ضد الشعب، فقد ظهر منهم من فضح النظام وتوظيفه للطائفة وهدره للشعب والوطن.

سابعا: لن نغيّب دور القوى الدولية التي لم ترضى عن الربيع العربي، وعملت لاسقاطه في كل بلد عربي بطريقة مختلفة، وكان الضوء الأخضر الذي أعطي للنظام ليقتل الشعب ويشرّده ويدمر البلد، قد خدم الكيان الصهيوني والغرب عموما، حيث كان خيارهم إما القبول بدول الاستبداد أو الدفع للحرب الأهلية وخلق الدول الفاشلة والمحتلة، لذلك قاموا بتحويل سورية الى دولة حرب، ومن ثم دولة فاشلة، أصبحت في آخر سلّم العالم على كل المستويات. غير أنها محتلة من روسيا وإيران وأمريكا والمليشيات الطائفية، ومقسمة واقعيا، حيث يسيطر الإنفصاليين الكرد ال ب ي د جناح ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني على مساحات شاسعة من سورية شرق الفرات. وبحماية أمريكية.

 هذه سورية التي ورثنا اياها النظام المستبد المجرم القاتل.

أخيراً: نقول ليس الربيع العربي الذي كان كارثيا على بلادنا وشعبنا بل النظام، وهل هناك من يجرؤ للقول ايها السوريون كان يجب أن لا تثوروا وتبقوا عبيدا ومستغلين ولا تحلموا بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، لكي لا يقتلكم النظام و يشرّدكم في الأرض، والعالم كله مشارك بذلك فعلا، او صامت عن ذلك؟ !.

لن يقبل ذلك الشعب السوري بالمطلق، خرج في ثورته قطع جزء من الطريق، والمسيرة مستمرة ويعتز بالتضحيات التي قدمها وهي ضريبة حقّه الإنساني أن يدخل في عصر الحرية والعدالة والديمقراطية وإنسانية الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى