كانت القسوة التي أنتجتها “الاستثنائية” الأميركية، هي التي دربت فرق الموت في أميركا الوسطى وإندونيسيا. وهي نفسها التي اغتالت لومومبا وأطاحت برؤساء منتخبين ديمقراطياً مثل أليندي ومصدق. وهي نفسها التي سمحت بتدمير العراق ومنطقة بأكملها على أساس الأكاذيب، وعذبت الأطفال وأهاليهم في أقبية أبوغريب الباردة الرطبة، وقصفت بطائرة من دون طيار جدّة كانت تجمع ثمار البامية في حقلها. وهي الوحشية نفسها التي حولت ليبيا، التي كانت ذات يوم أغنى دولة في إفريقيا، إلى مركز جديد لتجارة الرقيق.
بينما أكتب هذه السطور، أنتظر، مثل أي شخص آخر على ظهر كوكب الأرض، نتائج هذا العرض الذي يُسمى الانتخابات الأميركية. أنتظر نتائج وهم فرضته الإمبراطوريات عبر التاريخ على رعاياها. وهم الاختيار. كما أنني أنتظر الخلاف المحتوم. أنتظر التكهنات التي يمكن أن تمتد لأسابيع أو أكثر. أنتظر المكائد والفوضى التي يُحدثها الرئيس الحالي، كما أنتظر انقلابه الفاشستي الغاضب مُطلق العنان، وهو فعل متوقع يولد في حالة يأس من نرجسي مصاب بجنون العظمة.
ولكن، لنكن صريحين، لم يكن دونالد ترامب المشكلة الحقيقية أبدًا؛ كان -وما يزال- نتاجًا فاسدًا لتجربة استمرت لقرون طويلة في الإمبريالية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية، التي وُلدت أولاً في هذه القارة، ثم تم تصديرها إلى العالم بأسره. وبدأ الأمر كله عندما وطئ المستوطنون الأوروبيون أرض هذا “العالم الجديد” المحتل، وأعلنوا أنه ملكهم، وأن الشعوب الأصلية منذورة لملاقاة قدرها المحتوم.
كان ولع ترامب بالقسوة السادية الانفصالية هو ما كمَن دائمًا تحت سطح “الاستثنائية” الأميركية. وهي القسوة نفسها التي ولدت الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وتجارة الرقيق الأفريقية، والقتل خارج نطاق القانون، وجيم كرو، وأمّة وضعت مواطنيها في معسكرات الاعتقال، وطبَّعت استخدام الأسلحة النووية ضد المدنيين (الدولة الوحيدة على وجه الأرض التي فعلت ذلك)، وقصفت بشكل كثيف شامل قرى في جنوب آسيا وصبت على أطفالها قذائف النابالم ومبيدات “العامل البرتقالي”. هي نفسها التي دربت فرق الموت في أميركا الوسطى وإندونيسيا. هي نفسها التي اغتالت لومومبا وأطاحت برؤساء منتخبين ديمقراطياً مثل أليندي ومصدق. هي نفسها التي سمحت بتدمير العراق ومنطقة بأكملها على أساس الأكاذيب، وعذبت الأطفال وأهاليهم في أقبية أبوغريب الباردة الرطبة، والتي قصفت بطائرة من دون طيار جدّة كانت تجمع ثمار البامية في حقلها. وهي الوحشية نفسها التي حولت ليبيا، التي كانت ذات يوم أغنى دولة في إفريقيا، إلى مركز لتجارة الرقيق الحديثة. وهي نفسها التي منحت الدبابات لشرطتها، والجوائز لغزواتها الدموية في جنوب الكرة الأرضية، والتي تتجه الآن إلى سحق شعبها نفسه. القسوة نفسها التي حبست جيلًا كاملاً من الأطفال السود والملونين على امتلاك قطعة حشيش أو لأنهم حقنوا شيئًا ما في أذرعهم الفقيرة المعذّبة للتخفيف من معاناة العيش في جحيم من اليأس.
لقد شهدت الولايات المتحدة للتو أكبر إقبال للناخبين منذ 150 عامًا، لكنها لم تنتج ما يسمى بـ”الموجة الزرقاء” التي كان يأمل فيها الكثير من الليبراليين. كان ينبغي أن يُسحق ترامب، الكومة المتقيحة من القذارة التي هيمنت على المكتب البيضاوي على مدار الأعوام الأربعة الماضية، في أي انتخابات تحدث في مجتمع حر ومتساوٍ. ومع ذلك، اختار ما يقرب من نصف أولئك الذين صوتوا كومة القذارة البدائية تلك، الشخص الذي انتزع الأطفال من أحضان والديهم ووضعهم في أقفاص بينما ينتحبون من دون حول ولا قوة. وهو الشخص نفسه الذي شجع علنًا على العنف من قاعدته الجماهيرية الأكثر تطرفاً. والشخص الذي قال إن النازيين الجدد “أناس طيبون للغاية”. والذي أمر الإرهابيين العنصريين بـ”التراجع والوقوف على استعداد”. الشخص الذي سخر من المتخصصين في الرعاية الصحية والعلم بينما تنتشر جائحة يمكن الوقاية منها بالكامل في جميع أنحاء البلاد. وهو الشوفيني صاحب المقولات الجنسية الصفيقة عن النساء، الذي اتهمته 26 امرأة على الأقل بالاعتداء الجنسي. هذا هو الشخص الذي يتزلفه الكثير من الإنجيليين بشكل مقزز كما لو أنه نسخة أميركية من الملك التوراتي داود. الشخص الذي شيطن الصحافة باستمرار، كما فعل مع النشطاء المناهضين للعنصرية والفاشية.
لماذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا ممكناً؟ لأن أميركا البيضاء، الليبرالية والمحافظة على حد سواء، كانت لفترة طويلة في حالة انتشاء وسكر بغطرستها الخاصة، وتعامت عمداً عن البؤس الذي تتسبب فيه، سواء من خلال اللامبالاة أو السياسة المتعمدة. وقد غذّتها باستمرار كذبة عظمتِها المفترضة التي ظل يطلقها دعائيو وكالة المخابرات المركزية/هوليوود وعلى مدى عقود. كما غذّتها بلا توقف كذبة “السوق الحرة”، وسخِرت من الاشتراكيين والفوضويين، بينما يقبع الملايين من الفقراء في مدن الصفيح خارج مدن مثل لوس أنجلوس أو في أروقة السرطان الصناعية التي تديرها الرأسمالية. وتعرض معارضوها، الذين كان هناك الكثير منهم، للتوبيخ والإسكات أو العقاب بلا رحمة لجرأتهم على فضح الأكاذيب وعرضها على حقيقتها. ويجلس أحدهم في غولاغ في بريطانيا في انتظار مصيره في هذه اللحظة بالذات. إن أميركا، في الحقيقة، هي إمبراطورية في حالة من الانحدار الحاد على كوكب يحاصره المجانين من تجار الحرب وأعداء البيئة، المهتمون بتجميع النقود أكثر بكثير حتى من حياة أطفالهم وأحفادهم أنفسهم.
كما تم تسويق جو بايدن، وهو الروح الشريرة الحاضرة دائماً في غارات أميركا العنصرية وعملياتها السابقة للإبادة الجماعية، على البلد باعتباره البديل الوحيد المناسب للفاشية البدائية. وهو رجل تحرش بطريقة غير مرحب بها بأجساد النساء بأكثر مما يمكن حصره. والذي رقص بفخر مع دعاة الفصل العنصري، وقام بتأليف مشروع قانون للجريمة، أرسل الأطفال الفقراء من السود والملونين أسراباً إلى السجون، ودافع عن حرب قائمة على الأكاذيب والتي أودت بحياة مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر. وهو الذي يواصل الدفاع عن الأبارتيد في الشرق الأوسط وعن المجالس العسكرية في أميركا الوسطى. الذي ما يزال يشيد بطريقة التكسير لاستخراج النفط وسط حالة اشتعال مناخي. والذي يرفض النظر في أي شيء قريب من الرعاية الصحية الشاملة في خضم الوباء. كان هذا هو البديل. ومع ذلك، ما يزال الكثير من الليبراليين يتساءلون بشكل لا يصدق عن السبب في أنه لم يتمكن من حشد الكثير من الحماس.
بغض النظر عن النتيجة، يجب أن يكون واضحًا أن الولايات المتحدة هي دولة فاشلة. وفي حين أن معظم مواطنيها هم أناس يتسمون باللياقة ومستعدون للانخراط في عالم أكبر بكثير من حدودها، فقد أظهر جزء كبير من جمهورها أنهم ليسوا كذلك. لقد اعتنق جزء كبير الفاشية، حتى مع أنهم غير قادرين على تعريف مثل هذا المصطلح. هذه حقيقة يجب ذكرها بوضوح. وقد تم الكشف عن تجاهل حكومتها العدوانية المحبة للحرب للحقائق، أو حتى التحلي بالقليل من الحشمة أو التعاون أو التعاطف أو الضمير، تجاه كل سكان العالم، وبطرق صارخة للغاية. لا يمكن، ولا ينبغي، الوثوق بها على الإطلاق. وفي الواقع، سيكون تحللها هو الأمل الوحيد الذي لدينا لمستقبل قابل للعيش فيه على الأرض.
*Kenn Orphan: فنان، وعالم اجتماع، عاشق متطرف للطبيعة، وناشط كئيب، لكنه ملتزم.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump Was Never the Real Problem
المصدر: الغد الأردنية/(كاونتربنتش)