مؤشرات حراك روسي أردني لاحتواء النفوذ الإيراني في درعا

عدنان أحمد

تعيش محافظة درعا في جنوب سورية تطورات عدة على الصعيدين الميداني والسياسي، بعد أكثر من عامين من سيطرة قوات النظام السوري عليها. وما زالت المحافظة تشهد عمليات اغتيال شبه يومية، في ما يشتبه أنه مخطط إيراني، بالتعاون مع بعض أجهزة النظام السوري الأمنية والعسكرية، للعبث بالمحافظة التي كانت مهد الثورة ضد النظام، وصولاً إلى السيطرة عليها، بالرغم من الرعاية الروسية لاتفاقيات المصالحة والتسويات التي تمت بين فصائل المعارضة السابقة والنظام.

وفضلاً عن حركة الاغتيالات النشطة، برز، في الأيام الأخيرة، تطوران هامان على صلة بترتيب الأوضاع المستقبلية في المحافظة، بالتعاون مع الضامن الروسي وبعض القوى الإقليمية. وتكتسي المحافظة أهمية إضافية بالنظر إلى حدودها المشتركة مع كل من الأردن، بوابة سورية الجنوبية، وفلسطين المحتلة، وما تثيره إسرائيل من زوابع بشأن الوجود الإيراني في الجنوب السوري.

وتمثل التطور الأول في زيارة أحمد العودة، قائد “اللواء الثامن” ضمن “الفيلق الخامس” المدعوم من روسيا، إلى الأردن، والتي تفاوتت التأويلات في أسبابها ونتائجها، فيما يسود الاعتقاد بشكل عام بأنها على صلة بترتيب أوضاع الجنوب السوري بالتنسيق مع روسيا والأردن. ومن بين القضايا التي قد تكون بحثت خلال وجود العودة في الأردن مسألة إعادة تنشيط الحركة في معبر نصيب، والتي تكاد تكون متوقفة حالياً، خصوصاً بالنسبة لعبور الأفراد بقرار من الجانب الأردني، بسبب عمليات الاعتقال التي جرت لبعض الداخلين إلى سورية عبر المعبر، بمن فيهم أردنيون. ووفق مصدر، تحدث لموقع “تجمع أحرار حوران” المحلي، فإن الأردن غير مرتاح لسيطرة عناصر “الفرقة الرابعة” ضمن قوات النظام، الموالية لإيران على المعبر، والذي تحول إلى مكان لاصطياد بعض الأشخاص المطلوبين للنظام، وممراً لتهريب المخدرات إلى الأردن، ومنه إلى دول الخليج. وحسب المصدر، فإن الأردن يرفض استئناف حركة مرور الأفراد إلا بعد إبعاد النفوذ الإيراني عن المعبر.

وبحسب المصدر فإن الزيارة كان هدفها تسلم الشريط الحدودي كاملاً، مع إدارة معبر نصيب، على الحدود الأردنية، وذلك بعد إخراج القوات الإيرانية التي تنتشر في الجنوب السوري. إلا أن هذا الأمر استبعده أعضاء في هيئة التفاوض السورية، ومنهم إبراهيم الجباوي، حيث رأى أنه من غير الممكن أن تنشر روسيا عناصر “اللواء الثامن” في معبر نصيب. وقال الجباوي، في حديث سابق مع “العربي الجديد”، إن الزيارة جاءت بعد الفشل الروسي في إبعاد مليشيات إيران من المنطقة الجنوبية، والذي تسبب بإغلاق معبر نصيب. وأشار إلى أن من أبرز المشكلات التي سببها الوجود الإيراني إغلاق معبر جابر – نصيب، الذي يربط المنطقة بالخليج، والذي سيطرت عليه “الفرقة الرابعة”، المدعومة من إيران، منذ 2018، ما أدى إلى توقف حركة التجارة بين البلدين، وتضرر سكان الجنوب السوري من تبعات ذلك. ورأى الجباوي أن فتح المعبر الحدودي مهم لروسيا في هذه المرحلة، خصوصاً بالتزامن مع المؤتمر الذي تدعو إليه من أجل إعادة اللاجئين. كما يعتبر ضرورياً لإدخال المساعدات للجنوب السوري مع تردي الواقع المعيشي هناك، وارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز والمحروقات.

وحسب مصدر في المعارضة السوري بالجنوب، تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن اجتماعات العودة في الأردن، والتي حضرها الجانب الروسي، بحثت إمكانية إيجاد صيغة لإعادة العمل في معبر نصيب وفتح الطريق بين دمشق وعمان، فيما لم تصدر أية بيانات رسمية عن الجانبين الروسي أو الأردني بشأن نتائج هذه الاجتماعات بالنسبة لهذه النقطة. ورأى المصدر أن التحرك الأردني ربما يكون بالتنسيق مع الجانب السعودي الذي يسعى إلى فتح المعبر لتنشيط حركة مرور الشاحنات من سورية ولبنان إلى دول الخليج. وكانت الرياض سمحت قبل أيام بعبور الشاحنات السورية عبر أراضيها بعد منعها لسنوات، وذلك عبر منح السائق السوري تأشيرة دخول عند معبر الحديثة الحدودي بين الأردن والسعودية. ودخلت بالفعل عشرات الشاحنات عبر معبر نصيب. وكان الأردن قد استأنف عبور الشاحنات من سورية إلى أراضيه بشكل تجريبي قبل أيام تمهيداً لإعادة افتتاح المعبر رسمياً، وذلك بعد أن كان أغلق بعد إعلان رسمي أردني سوري عن افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ومن بين المواضيع التي يقال إن زيارة العودة تطرقت إليها، مسألة عودة اللاجئين، في ضوء الحديث عن مؤتمر تعمل روسيا على عقده خلال الفترة المقبلة. وتزامنت زيارة العودة إلى الأردن مع زيارة وفد روسي لعمان، استهدف إقناع الجانب الأردني المشاركة في هذا المؤتمر، حيث يستضيف الأردن نسبة عالية من اللاجئين السوريين، معظمهم من محافظة درعا التي تقع على حدوده.

ومن المواضيع التي تثير قلق كثير من الأطراف، الوجود الإيراني المباشر أو عبر الأذرع المحلية في الجنوب السوري. وتفيد المعطيات أن عمليات التجنيد لصالح المليشيات الإيرانية في كل الجنوب السوري تتواصل سراً وعلناً، سواء عبر تقديم إغراءات مالية أم ضمانات أمنية. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد المتطوعين في صفوف الإيرانيين والمليشيات الموالية لهم في الجنوب السوري ارتفع إلى أكثر من 8350 شخصاً، فضلاً عن اختراق الإيرانيين لبعض قوات النظام، خصوصاً “الفرقة الرابعة” وجهاز الأمن العسكري. وأوضح المرصد أن عمليات التجنيد و”تشييع” الشبان والرجال تتم عبر عرابين تابعين لإيران و”حزب الله”، مثل “سرايا العرين”، التابعة إلى “اللواء 313” الواقع في شمال درعا، إضافة لمراكز في صيدا وداعل وإزرع. ويخضع المجندون الجدد لدورات تدريبية في منطقة اللجاة شرق درعا، وعلى مقربة من الحدود مع الجولان السوري المحتل في محافظة القنيطرة، من خلال استقطاب الشبان الهاربين من ملاحقة أجهزة النظام الأمنية بشأن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، ونظراً لتردي الأحوال المعيشية مع انعدام فرص العمل، إذ تتركز عمليات التجنيد والتشييع في كل من مدينة البعث وخان أرنبة.

وفصل الناشط همام فهيم، على حسابه على “فيسبوك” المجموعات التي تنشط في هذا السياق لصالح إيران. وهي كما يلي: مجموعات “حزب الله” بريف درعا الشرقي، وهي مجموعة عارف الجهماني ومعه أقاربه، ومجموعة عدي الشعابين، وأخرى من المليحة الغربية بقيادة أحمد الحراكي. وفي محيط المدينة، هناك مجموعة من منطقة النعيمة تدعي أنها متعاقدة مع فرع الأمن العسكري، مشيراً إلى أن هذه المجموعات تابعة إلى “حزب الله” وتتلقى دعمها وأوامرها بشكل مباشر من قيادات فيه. وأوضح فهيم أن هذه المجموعات تتخذ من المزارع الواقعة شمال مدينة صيدا مراكز لها، فيما يُشرف فرع الأمن العسكري على حمايتهم وتأمين المنطقة. ولفت إلى أن هذه المجموعات مسؤولة عن العديد من التفجيرات وعمليات الاغتيال بريفي درعا الشرقي والغربي.

وفي هذا السياق، التقى أعضاء “لجنة حوران المركزية”، أي لجنة التفاوض العائدة للمعارضين السابقين في الداخل السوري، ضباطاً من القوات الروسية في دمشق مطلع الشهر الحالي للتباحث حول قضايا تهم محافظة درعا. وضم الوفد بحسب مصدر مطلع، تحدث لـ”العربي الجديد”، عضو “لجنة حوران المركزية” العقيد أبو منذر الدهني، وأبو شريف المحاميد من درعا البلد، ومصعب بردان. وأوضح المصدر أن النقاش بين الجانبين تناول بشكل رئيسي عمليات الاغتيال والاعتقال في درعا، وتشمل الخاضعين لعمليات تسوية مع النظام، مشيراً إلى أن الجانب الروسي وعد بالعمل على وقف عمليات الاغتيال.

وتموج درعا بتحركات عدة، من بينها الإعلان قبل أيام عن تشكيل جسم سياسي جديد، باسم “المجلس السوري للتغيير”، والذي يقول القائمون عليه إنه يتوجه لكل السوريين، وإن كانت غالبية أعضائه من منطقة الجنوب حتى الآن.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى