مؤتمر “إقناع” الأسد

بسام مقداد

في تغريدة لها على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية في 22 من الجاري، كتبت الناطقة الرسمية باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، بأن السلطات السورية تخطط لعقد مؤتمر دولي في 11 و12 من الشهر القادم، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين. وقالت زاخاروفا، بأن روسيا هي شريك منظم للمنتدى، وتأمل بأن ينضم المجتمع الدولي إلى حل هذه “المسألة الإنسانية”.

حسب زاخاروفا إذاً، بشار الأسد هو الذي بادر بالتخطيط لعقد المؤتمر الدولي في دمشق لعودة اللاجئين السوريين، وما تشترطه من تسوية سلمية للمقتلة السورية، وتقوم روسيا بدور “الشريك المنظم” للمؤتمر. وبالتالي، ليس صحيحاً كل ما قيل ونشر في الإعلام الروسي، وما يزال، منذ نيسان/أبريل المنصرم (حملة مواقع إعلام “طباخ بوتين”) عن فساد نظام الأسد وممانعته للعملية السلمية، وإصراره على مواصلة الحرب حتى استعادة سلطته على كامل الأراضي السورية. فهل انقلب نظام الأسد على نفسه، وخسرت إيران كل رهانها على بقائه وما وظفته فيه من أموال وطاقات وجهود؟

إن ما تشهده إدلب من حرب متقطعة، يشارك فيها الطيران الروسي، ومايزال يكابده السوريون من قتل ودمار وتعذيب وتهجير، لا يقول، بأن نظام الأسد انقلب، فجأة،على نفسه، وبادر إلى الدعوة لعقد مؤتمر عالمي لعودة اللاجئين. ولم يذهب الممثل الشخصي للرئيس الروسي بالشأن السوري ألكسندر لافرنتيف ومرافقوه من دبلوماسيين وعسكريين للتشاور مع الأسد بشأن تنظيم المؤتمر العتيد، بل ذهب “لإقناع” الأسد، بأن روسيا تدعو إلى عقد المؤتمر، لأنها ما عادت تحتمل إستمرار الوضع على ما هو عليه، وانها مهددة بخسارة كل ما أحرزته في سوريا، في ظل موجة التطبيع مع إسرائيل تحت المظلة الأميركية، وعلى عتبة مقاربة أميركية جديدة للوضع في المنطقة، سواء بقي ترامب في البيت الأبيض أو غادره.

لكن من اين للكرملين هذه الثقة بنجاح ما فشل به في العام 2018، حين طرح فكرة إعادة إعمار سوريا، وجال بها على الخليج وأوروبا لتمويلها، ولم يلق سوى الرفض الحازم، واشتراط القبول بتغيير النظام السوري لسلوكه، وخضوعه لبنود القرار الأممي 2254؟ فالجانبان الخليجي والأوروبي لم يبدلا موقفهما منذ ذلك الحين، وإن تخليا عن شعار إسقاط الأسد، إلا أنهما لم يتخليا عن شرط تغيير سلوكه للمساهمة في تمويل إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين، وإن وجد من تساوره الرغبة في مثل هذه المشاركة، فالردع الأميركي جاهز لصد هذه الرغبة.

وإذا كانت الدول الخليجية لم تقل كلمتها في المؤتمر حتى الساعة، إلا أن الإتحاد الأوروبي قالها  بوضوح على لسان ممثله جوزيب بوريل في مؤتمره الصحافي في ختام إجتماع لوزراء خارجية الإتحاد في لوكسمبورغ، حيث اعتبر أن مبادرة روسيا لعقد المؤتمر “سابقة لأوانها”، كما نقل الموقع الأوكراني “ukrinform” في 13 من الشهر الجاري. الجميع يريدون عودة اللاجئين، لكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة، طوعية ولائقة، وفق معايير الوكالة الدولية لشؤون اللاجئين. والجميع موافق على أن الظروف في سوريا ليست مطابقة لشروط الحد الأدنى هذه، بمن فيهم المشاركون في مؤتمر بروكسل الرابع بشأن سوريا والمنطقة، الذي ترأسه بوريل، ولذا “نعتبر مبادرة روسيا سابقة لأوانها”. والأوروبيون لا ينكرون أهمية الجهود لعودة اللاجئين، إلا أنها ينبغي أن تتم وفق مبادئ متفق عليها، و”بالتنسيق مع الأمم المتحدة”، على قوله.

المبادرة لعقد المؤتمر، حسب الوكالة الإتحادية للأنباء “FAN” العائدة ل”طباخ بوتين” في 22 من الجاري، لا تعود لسوريا وروسيا، بل ل”ترويكا أستانة” ــــــــ روسيا، إيران وتركيا، “المنهمكين جميعهم في تسوية ما بعد الحرب في سوريا”، برأيها. وقد تلقت الأمم المتحدة وبلدان الإتحاد الأوروبي الدعوة للمشاركة في المؤتمر، الذي ستكون إحدى مهامه، إطلاع “الشركاء الأوروبيين” على حقيقة الوضع في سوريا، والجهود، التي تبذلها دمشق لتوفير “حياة طبيعية لجميع العائدين”.

المجلس الروسي للشؤون الدولية، وفي مؤتمر صحافي عُقد في شباط/فبراير المنصرم مع مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل “ICG”، نشر على موقعه ملخصاً للمؤتمر بعنوان “إعادة إعمار سوريا: رؤيا من روسيا والإتحاد الأوروبي”. يعدد الملخص الأسئلة، التي ناقشها الطرفان وتراوحت بين : آفاق التعاون بين روسيا والإتحاد الأوروبي في هذه المسألة، ما هي البرامج، التي تنفذها دمشق الرسمية؟ كيف تؤثر العقوبات الأميركية والأوروبية على هذه العملية؟ هل من بديل للسياسة المتبعة اليوم ؟ وسواها من المسائل.

مدير المجلس الروسي أندريه كارتونوف يقول، بان مسألة إعادة إعمار سوريا تبتعد كل سنة أكثر فأكثر، وهذا “مأساوي”، لأنه ولد في سوريا جيل لم يعرف السلام، ويعيش في ظروف شديدة الصعوبة، والوضع ليس فقط لا يتحسن، بل يزداد تردياً. وهذا يشي بمهجرين ونازحين جدد، وليس لأسباب سياسية، بل لأسباب إقتصادية معيشية، وفي ظل تردي الوضع أكثر، سيتحول هؤلاء إلى عامل مديد التأثير على المنطقة، شبيه بوضع النازحين الفلسطينيين.

ويقول كارتونوف، بان الموارد المطلوبة لتعافي الإقتصاد السوري، وللبنية التحتية الإجتماعية والإقتصاد الحضري، تقدر بمئات ملايين الدولارات، وثمة تصور بأن القسم الأساسي من هذه الأموال، ينبغي أن يأتي من أوروبا. ومن الواضح بالنسبة للخبراء، أن هذه الأموال لن تحصل عليها سوريا في المستقبل المنظور لأسباب متعددة: لدى الإتحاد الأوروبي أولويات وهموم أخرى، وثمة وجهات نظر متفاوتة داخل أوروبا حول كيفية إقامة العلاقات مع سوريا.

مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هيلترمان يقول، بأن لروسيا وأوروبا موقفان متناقضان من النزاع السوري. روسيا تريد أن تباشر الحكومات الأوروبية بالتعامل مع دمشق، بهدف التأثير على سلوكها في ظروف الإنتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب. لكن الأوروبيين يرفضون التعاطي مع دمشق، لأن ذلك يشرعن النظام الدموي، الذي يعرض السوريين للتعذيب والإعتقالات، وسلوكه هو بالذات، الذي أدى إلى الحرب السورية. من وجهة نظر أوروبا، التعامل مع هذا النظام هو تعميق للمشكلة، وليس حلها. وهنا يكمن الإختلاف الأساسي في موقف كل من الإتحاد الأوروبي وروسيا.

ويقول هيلترمان، أن الأوروبيين يمتلكون ثلاث رافعات للتأثير في الوضع السوري: تطبيع العلاقات مع دمشق؛ توفير الموارد اللازمة لإعادة إعمار سوريا أو عدم توفيرها؛ رفع العقوبات أو تشديدها.

مقابل رفع العقوبات، تريد أوروبا من دمشق تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بما يعني من: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؛ التخلي عن التعذيب؛ الحصول على سكن لأولئك الذين فقدوه؛ عودة اللاجئين؛ إتخاذ الإجراءات، التي من شأنها أن تساعد في عودة اللاجئين من لبنان. الموارد الضرورية لإعادة الإعمار، ليست الأولوية الرئيسية للنظام السوري، الذي يرفض الحصول عليها من أوروبا، مقابل الشروط المذكورة أعلاه، حسب هيلترمان.

وبعيداً عن كل ما ورد أعلاه، يبقى السؤال الأساسي: هل يريد النظام السوري فعلاً عود اللاجئين إلى سوريا ؟ صحيفة “Novaya” الروسية نشرت في فترة سابقة، تحقيقاً مع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال بعنوان “لماذا لا يريد الأسد عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، مع أن روسيا تصر على ذلك”. فهل تمكنت روسيا من “إقناع” الأسد بذلك، أم أن المؤتمر العتيد كفيل بذلك؟

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى