حسن النيفي ناشط سياسي من المنتمين للثورة السورية، كان قد اعتقل في سجون النظام السوري لمدة خمسة عشر عاما. بعضها في سجن تدمر الأسوأ ضمن السجون والمعتقلات السورية، حيث فضح الكثير ممن سُجن فيه التصرفات الوحشية للنظام التي وصلت للقتل والتعذيب المستمر والدائم. وحصلت فيه إعدامات كثيرة، ومجازر جماعية.
لم يدوّن حسن النيفي تجربته في السجن نثرا، لكنه نظم أشعاره في هذا الديوان هناك أيام سجنه، كان عقله دفتر التدوين، وحافظته هي السجلّ الذي احتفظ بالنصوص لينشرها بعد خروجه من السجن في طبعته الاولى عام ٢٠٠٤م. وبين يدينا الطبعة الثانية.
لقد كانت أشعار حسن النيفي التي نظمها أيام سجنه، من أدوات صموده في ظروف السجن القهرية، النافية لإنسانية الإنسان، الهادرة له.
لقد وجدت السجون والمعتقلات عند النظام السوري المستبد القمعي المجرم ليس لحجز حرية المسجون فقط، بل الأهم لأجل قتله جسديا ونفسيا وعقليا، ولا حساب ولا عقاب. لذلك كانت قصائد حسن النيفي طوق نجاة عقلي وروحي تساعده على الصمود ومواجهة فترة سجنه المديدة، بكل ما عاشه من تعذيب وإذلال وامتهان وهدر مادي ومعنوي لإنسانيته.
فها هو يستفتح ديوانه بإعلان عيشه البديل الانساني لما يعاني ويعيش، بتجسيد إحساسه بدوره الرسالي النبيل:
“عانقي يا روح أطياف المنى واسـبحي تيـها بأمواج السـنا
واعبري من زفـرة الجــرح إذا عسعس الحزن بآفاق الدنى”
كما نظم حسن النيفي شعرا يعبر عن هويته العربية الإسلامية، فهو إبن لهذه الأمة العربية المجيدة، ورسالتها الاسلامية:
“يعربي الطبع موفور الأسى أحمدي النهج قدسي السمات”
أكد حسن النيفي على هويته الثورية وأنه مسجون لأنه صاحب قضية عظيمة. يسكنه التحدي والإصرار على ما يحمله من أفكار وأهداف:
“ياروح ما سجد الجبين على الدمى أبــدا ولم يـلــج الخنـوع قنـــاتي”
كما لا تغيب عن حسن النيفي واقع الأمة المهزومة، والمسؤولية تقع على حكّامها:
“وبأيها تخفي حقيقة أمة تجني سعادتها من النكبات”
عايش حسن النيفي -ككل سجين- جميع تقلبات الوجود الإنساني، إنه الحرمان من الحرية، ومن كل تبعياتها، الحب والحبيبة وكل حقوق الإنسان الفطرية، فتنهمر في ذاته استحضار الحبيبة :
“فمن لقلبي إذا هبّت سرائره تجلو الصبابة في ابهى معانيها”.
وفي قصيدة أخرى يقول:
” كيف غاب ونعش الحب يحمله وكيف عاد وسر الحب يحييه”
كما عايش حسن النيفي احوالا وجودية، يحتاج فيها أن يستحضر التصوّف والمتصوفين محاربا ما يعيش من ظلم وقسوة، مقتربا من ذات الله، لذلك يستدعي الحلّاج في إحدى قصائده:
“قد حان عزاؤك يا حلْاج فناد الله
وفك إسار القلب من الأصفاد”
وفي قصيدة أخرى يتذكر فيها العيد، معارضا فيها المتنبي في قصيدته:
“عيد بأي حال عدت ياعيد…”
وما يعيشه الناس من تواصل و توادد وتراحم فيقول:
“فامنح فؤادي بعضا من تشوّقه وخذ بقية ما أبقيت ياعيد”
كما لا تغيب المشاعر القومية المتوقدة عند حسن النيفي فها هو يقول في قصيدة بابل رامزا للحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي:
“وعن عابد
هزّ سعف النخل يسأل عن زاده في الصباح
فخاطبه النخل قاتل وقاتل”
ولا تغيب فلسطين عن قصائد حسن النيفي فهاهو يقول عن القدس:
“قد قطعوا القدس اوصالا ممزقة يد تبيع وأخرى تقبض الثمنا”
كما لا يغيب الإحساس بالدور النضالي الرسالي عند حسن النيفي فهاهو يقول:
“إلى النور أمضي فهلا مددت يديك لنمضي إليه سويا”
والأم حاضرة كرمز للعلاقة العائلية الرحمية ، يفتقدها حسن النيفي في سجنه الطويل فيقول:
“أمّاه يا وله الطفولة والمنى يا رعشة الإيمان في الأرواح”
تتنوع قصائد حسن النيفي بين الشعر القديم والحديث، لكنها كلها تنتظم في التعبير عن روح متوثبة متحدية صامدة، استطاعت أن تصبر على ظروف سجن مديد لخمسة عشر عاما، بما لا يتصوره عقل، يتحدث عن الهدر الجسمي والنفسي والمعنوي للسجناء، وحسن النيفي واحدا منهم. لكنه صمد وخرج من السجن، ودوّن قصائده التي كانت مختزنة في عقله، ووصلت إلينا.
كما لا بد من التنويه بأن حسن نيفي ظلّ وفيا للأهداف العظيمة التي كان يحملها، و وجدها متجسدة في الثورة السورية التي صاحبت الربيع العربي اواسط آذار ٢٠١١م. مطالبة بإسقاط النظام المستبد ومحاسبته، وتحقيق مطالب الشعب بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحياة الأفضل، كان حسن نيفي من نشطائها، ومازال. إنها ثورته الشخصية، كما هي ثورتنا كلنا.