تكثفت مساعي روسيا والولايات المتحدة في الملف السوري خلال الآونة الأخيرة، في خطوات بدت وكأنها محاولة من كلّ منهما لإعادة ترتيب المعارضة، وفرز مشهدٍ جديد يسمح لهما بزيادة التأثير على قرارها. وفي هذا السياق، برز ما أورده رئيس منصّة موسكو، قدري جميل، حول طلب أميركي نقله المبعوث الأميركي إلى سورية جايمس جيفري لطرفي الحوار الكردي – الكردي خلال زيارته لمحافظة الحسكة في شمال شرقي سورية قبل أيام، بأن واشنطن تريد تسريع عملية الحوار الكردي، للانتقال إلى معارضة سورية جديدة خارج إطار “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. غير أن شلال كدو، عضو الائتلاف عن “المجلس الوطني الكردي”، أحد طرفي الحوار الكردي – الكردي، أشار في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن جيفري لم يتطرق خلال اجتماعه مع طرفي الحوار من “المجلس” أو أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، للحديث عن معارضة جديدة بالمطلق، بل على العكس، فقد وصف المبعوث الأميركي الأكراد السوريين بأنهم جزءٌ من المعارضة السورية ككل، بحسب كدو.
وتبدو الولايات المتحدة ماضية في تطبيق خطتها الحالية في شمالي سورية، المتمثلة بإكمال الحوار الكردي – الكردي الذي يسير بخطى مقبولة إلى الآن، ومن ثم الدفع نحو حوار كردي – تركي، كان أشار إليه مسؤولون أميركيون في أكثر من مناسبة. ومن المؤكد أن هذا الحوار سيحظى بإصرار أميركي حيال الحليف في حلف شمال الأطلسي (تركيا) ترغيباً بمزيد من الانفتاح الغربي والأميركي على أنقرة، في ظلّ الأجواء المشحونة التي سادت خلال الأعوام الماضية، في حين سينتظر السعي إلى هذا الحوار، انتهاء المباحثات الكردية – الكردية ونتائجها من جهة، والانتخابات الرئاسية الأميركية، من جهة أخرى.
يترافق ذلك مع محاولة أميركية للتقريب بين المكونات السياسية الكردية من جهة، والمعارضة السورية المقربة من أنقرة من جهة أخرى، لتشكيل جبهة واحدة ضد نظام بشار الأسد، وسدّ الذرائع الكردية من جهة “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد) بعدم مشاركتهم بالمسارات السياسية الرامية لحل الأزمة السورية.
ذلك التقارب طلبه من المعارضة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، جويل ريبيرن، لدى لقائه رئيس “الائتلاف الوطني” نصر الحريري في إسطنبول، عندما زار ريبيرن تركيا نهاية الشهر الماضي برفقة جيفري، الذي توجه إلى أنقرة للقاء مسؤولين أتراك والتباحث حول الوضع السوري. ورشحت معلومات حينها عن أن جيفري سعى لإقناع المسؤولين الأتراك بجدوى التقارب بين المعارضة المدعومة من قبلها والأكراد، لمواجهة الأقطاب المدعومة من روسيا داخل المعارضة.
في خضم ذلك، تسير موسكو في خط موازٍ باتجاه الأقطاب القريبة منها في المعارضة، ربما في محاولة لخلط الأوراق، وجعل مهمتها أسهل في إبطاء عمل اللجنة الدستورية إلى حين استحقاق الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام المقبل. ودعت السلطات الروسية التشكيل الجديد “المعارض”، “جبهة السلام والحرية”، لزيارتها، الذي لبى بوفد برئاسة أحمد الجربا، رئيس “تيار الغد” أحد مكونات “الجبهة”، إلى جانب كل من “المجلس الوطني الكردي” و”المنظمة الآثورية الديمقراطية” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات”. والتقى الوفد يوم الجمعة الماضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أن يحيلهم إلى نائبه ميخائيل بوغدانوف لـ”إجراء مشاورات مفصلة”، بحسب ما نقلت وسائل إعلام روسية.
ولم يحمل بيان “الجبهة” عن اللقاء نقاطاً مهمة حول الزيارة، بل إشارة إلى التطلع لحل الأزمة السورية بناء على القرار الأممي 2254، والتمسك بوحدة الأراضي السورية. وشرح أعضاء “الجبهة” أمام الروس أهدافها وماهيتها، مشيرين إلى أنها “جزء من المعارضة السورية وتضم قوى تستمد شرعيتها من وجودها على الأرض، وعملها يأتي في سياق التنسيق والتكامل مع قوى المعارضة، ولا يتناقض مع عضوية مكوناتها ضمن أطر المعارضة السورية”، بحسب البيان. بيد أن الدعوة الروسية للجبهة الجديدة لا يمكن إخراجها عن إطار حالة الاستقطاب الكامل التي تسعى إليها موسكو مع مكونات المعارضة التي تقف في المنتصف بين المعارضة القريبة من أنقرة، وتلك المقربة من موسكو، في محاولة لزيادة زخم الرؤية الروسية داخل المعارضة.
وكانت موسكو قد احتضنت نهاية أغسطس/ آب الماضي، إبرام مذكرة تفاهم بين “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد) الذي يشكل الأكراد جزءاً كبيراً من قيادته، وحزب “الإرادة والتغيير” الذي يقوده قدري جميل، الموالي لموسكو ورئيس منصة موسكو. وعلى الرغم من أن المذكرة تطرقت إلى وحدة البلاد أرضاً وشعباً، إلا أنها اعترفت بـ”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سورية كضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلد وحاجات المنطقة، الأمر الذي لم يرق لدمشق. غير أن موسكو الطامحة إلى استقطاب جميع البعيدين عن الإطار التركي إلى ملعبها، لم تظهر اهتماماً بتحفظات حليفها بشار الأسد.
ولا شك في أن موسكو تحاول من خلال استقطاب أطراف جديدة فرض رؤيتها من خلال إنتاج تكتل من شرائح معارضة يكون لها وزن مساوٍ للائتلاف، وتُمكّن الروس من تحقيق قدر أكبر من المراوغة في المسارات السياسية، ولا سيما في عمل اللجنة الدستورية، إذ تسعى مع النظام لعرقلة إنهاء أعمالها قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل. وربما ستساعدها في ذلك المساعي الأميركية لزجّ “مسد” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” ضمن المعارضة السورية للمشاركة في المسارات السياسية، ما سيتطلب إعادة هيكلة لهيئة التفاوض، التي لا تزال تعصف بها رياح المشاكل، بعد فرض السعودية انتخاب قائمة جديدة للمستقلين فيها، مع رغبة سعودية كذلك في زجّ “مسد” في الهيئة كجسم كردي لا يلقى قبول تركيا. ولم ينجح الرئيس الجديد لهيئة التفاوض، أنس العبدة، حتى الآن، بإقناع أطراف الهيئة بمقترحه التصالحي للخروج من هذه الأزمة، وسط رفض من منصات موسكو والقاهرة وهيئة التنسيق.
وسبقت ذلك لقاءات للروس بمعارضين علويين، بالإضافة إلى لقاء مع الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني معاذ الخطيب بعد أيام من إقرار عقوبات “قانون قيصر” الأميركي على النظام السوري، في حين التقى الأميركيون برئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق رياض حجاب مرتين في واشنطن، وبالخطيب كذلك.
المصدر: العربي الجديد