تأتي محاولات إصلاح الائتلاف السوري المعارض في وقت تشهد فيه القضية السورية تعقيدات كثيرة، وتطرح فيه على القوى السياسية والمدنية تحديات واستحقاقات عديدة، مع استمرار الأوضاع الكارثية في سوريا، التي سببها تعامل نظام الأسد مع الثورة وحاضنتها الاجتماعية منذ انطلاق الحراك الاحتجاجي السلمي، وأفضى إلى تهجير وتشريد أكثر من نصف السوريين، وتحول سوريا إلى مناطق نفوذ وسيطرة، تتقاسمها قوى دولية وإقليمية متعددة، وسوى ذلك كثير.
وتتجسد محاولات قيادة الائتلاف في وضعها خطة عامة “للتواصل والتفاعل مع مختلف أطياف الشعب السوري ومكوناته في الأراضي السورية وخارجها”، من خلال تشكيل لجنة “الحوار الوطني”، التي عقدت لقاءات واجتماعات مع شخصيات ممثلة لقوى سياسية ومدنية، هدفها “تعزيز التواصل والتعاون والتنسيق، والوصول إلى رؤية وطنية جامعة”، وتطمح إلى إحياء الائتلاف، واستعادة المبادرة السياسية، عبر تعيين ممثلين للائتلاف في بعض الدول الأوروبية وفي بعض مناطق الشمال السوري، إضافة إلى ضم ممثلين عن بعض القوى السياسية إلى الائتلاف.
غير أن أسئلة عديدة تطرح على ما تقوم به رئاسة الائتلاف، منذ أن تسلمها نصر الحريري بعد عملية تبادل المناصب مع أنس العبدة، تطاول التغير الذي يمكن أن يحدثه في مسار الائتلاف، ومداه وحدوده، وهل تختلف عن محاولات سابقة انتهت إلى الفشل؟ وتمتد الأسئلة لتطاول مصير الائتلاف، الذي يمرّ بحالة تشبه الموت السريري، بعد فقدان دوره المنوط به في تشكيل مظلة سياسية للثورة وقواها، وبعد استقالات وانسحابات عديدة لأعضاء كانوا مؤثرين فيه، وما اعتراه من تمييع مواقفه، وفقدانه القرار المستقل، وخفوت صوته، وابتعاده عن سوريي الداخل والخارج، وسيطرة مجموعات وشخصيات بعينها عليه.
تستلزم الإجابات عن مثل هذه التساؤلات النظر في تركيبة الائتلاف ومسيرته، وعلاقته بالسوريين، وفي جدية محاولاته، وفي مدى قدرته على إحياء تركيبته، وإنهاء حالة الاهتراء والانقسام والتكتلات والتناقضات، والارتقاء به إلى مستوى مؤسسة سورية تمتلك لجان ومكاتب تخصصية، وتحتكم إلى العمل البرامجي الممنهج، ولها خطاب سياسي واضح، حيث يجد الناظر في مسار الائتلاف، أنه يمرّ بأسوأ حالاته، لأن الانقسام داخله وصل إلى درجة أنه بات يتكون أعضاء كل كتلة داخل الائتلاف لا يتصرفون وفق توجهات كياناتهم السياسية، إن وجدت، بل بناء على حسابات وأسباب خاصة مرتبطة بمصلحة العضو المعني من مجموعة من الكتل، وداخل كل كتلة كتل أصغر منها، وربما لا يتجاوز عدد أعضاء الكتلة الواحدة ثلاثة أعضاء أو عضوين فقط. وغالباً ما تسمى الكتلة باسم الرجل النافذ فيها سياسياً ومادياً. لكن الأدهى هو أن التكتلات فيه لا تبنى على أساس سياسي، إنما شخصي في غالب الأحيان، حيث يلعب الاستثمار الشخصي دوراً بارزاً في إعادة اصطفاف الأعضاء داخل الكتل المتنافسة، التي تتحالف فيما بينها خلال الاستحقاقات الانتخابية فقط.
والغريب هو أن أعضاء كل كتلة داخل الائتلاف لا يتصرفون وفق توجهات كياناتهم السياسية، إن وجدت، بل بناء على حسابات وأسباب خاصة مرتبطة بمصلحة العضو المعني، الأمر الذي يعكس واقع الحال داخل الائتلاف، وربما ما خفي أعظم، وبالتالي فإن مهمة إحياء الائتلاف أو حتى إصلاحه تبدو صعبة المنال. يضاف إلى ذلك أن عدداً من أعضاء الائتلاف غيروا صفتهم التمثيلية من تمثيل مكون سياسي أو “ثوري”، إلى صفة “شخصية وطنية”. والسبب هو أن الشخصية الوطنية ليس لها مرجعية سياسية أو ثورية يمكنها أن تحاسبها أو تطالب بسحب عضويتها من الائتلاف. وهذا يعود إلى الخطأ الأساس الذي بني عليه الائتلاف، وهو وجود إشكاليات في النظام الداخلي للائتلاف، الذي لا يحدد بدقة عملية تمثيل الأعضاء والكتل داخله، إضافة إلى أن هناك أحزابا لا تمثل أحداً، ولا جود لها، وهناك أيضاً كتل لا مرجعية لها، ولا تمثل أحداً، مثل كتلة الفصائل المسلحة، التي لم يعد لأغلبها وجود على الأرض، وكذلك كتلة الحراك الثوري المبهمة التمثيل، ولا يعلم أحد أي حراك ثوري تمثل، والأمر نفسه ينطبق على كتلة المجالس المحلية، التي لا يُعرف أي المجالس تمثل، فضلاً عن الشخصيات الوطنية الكثيرة العدد، إذ لا تعُرف معيارية اختيارها وتمثيلها ومرجعيتها.
وترجع أسباب ترهل وتردي عمل الائتلاف إلى المبدأ الذي شُكل وفقه في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 في الدوحة، وكان يقوم على التوافق بين ممثلين عن أحزاب سياسية وتجمعات ثورية ومجالس محلية وشخصيات سياسية، مع أنه لم يطبق في كل الاستحقاقات الانتخابية التي شهدها أو القرارات التي اتخذها بعد التأسيس، إلا أنه أظهر حجم الأزمة البنيوية التي تعتريه، خاصة بعد أن تحول الائتلاف إلى ما يشبه الغيتو أو الجمعية المغلقة، التي تقتصر عضويتها على مجموعة من الأشخاص والقوى، الأمر الذي جعله مرتعاً لمساومات وارتهانات لدول داعمة، وسبب له اختلالات وتخبطات كثيرة، أسهمت في تراجع دعمه الداخلي والدولي، وابتعاده عن هموم الحاضنة الشعبية للثورة، وعدم قدرته على تشكيل مظلة سياسية لقوى الثورة، وبالتالي فإن الأزمة البنيوية التي سببت اختلالات عديدة، جعلت الائتلاف عاجزاً عن القيام بالفعل المطلوب لخدمة الثورة وناسها، وأفقدته زخمه وقدرته على العمل المستقل، لذلك تراجع الاهتمام به، وبات مجرد هيكل شكلاني مطلوب الإبقاء عليه دولياً فقط، ولا فعالية له أو تأثير.
وإن كان الائتلاف قد وُجد كي يخدم الثورة، بوصفها ثورة لكل السوريين، وليس أية جهة أو قوة أخرى، وجاداً في البحث عن الخروج من مأزقه، فإن المطلوب منه تسهيل ودعم عقد مؤتمر وطني جامع، للخروج بجسم سياسي جديد، قادر على تجسيد الإرادة السورية الموحدة، المستقلة القرار، وعلى وضع برنامج واضح لمواجهة الكارثة التي ألمت بالسوريين، واتخاذ موقف فاعل حيال التحديات والاستحقاقات.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا