ترددتُ في الكتابة إليكَ، وأنتَ ترقدُ في مشفى العيون، لقد نشبَ صراعٌ في صدري بين الكتابة وبين البوح بما يكنُّه قلبي، وودتُ لو وصلتْ رسالتي التي لمْ ترسلْ، قبل إصابتكَ بشظية طلقة. بدأتْ قصتي معكَ بدهشتي أمام عينيكَ الخضراوين، فأنى وجهت عينيي حطَّتا على عينيكَ، رأيتُ فيهما ربيعاً آسراً، يستريح بأمان. ارتبكتُ عندما التقينا أمام مبنى الهلال الأحمر ، وكان معي زميلُنا مظهر ، سألتَ ببراءة : – ماذا تفعلان هنا ؟. هل تدبران مكيدةً ضدَّ أحد ؟. أجبتُ : – مجرد حريق يا أنيس نود أن نساهم بإطفائه ، فأشحتَ بوجهكَ عنا ، ثم أطلت عيناكَ وقد ارتويتا بالدمع. – الله يحمي مدينتنا ، ليته حريقاً ، إنه قصفٌ بالقنابل يا فدوى ، إن أسطحة الأبنية زرعتْ بالقناصة . مرَّتْ الأيام والأسابيع والأشهر ، ونحن منهمكون في الهلال الأحمر ، نلتقي في سيارات الإسعاف ، أو بين أنقاض المباني لانتشال الشهداء والجرحى ، والشعور بالرضا يغمرنا ، لأننا نقدم شيئاً لمدينة عريقة بمساجدها وكنائسها وأحيائها وأسواقها القديمة والحديثة . منذ أيام جمعَ شملنا القصفُ العشوائي لحي الخالدية ، تحرسنا مئذنتا مسجدِ خالد ، كانتا ممشوقتان بقامتهما بين قبابه ، تصدان الريح ، وتحميان المدينة . انهمكنا بانتشال القتلى والجرحى ، وأعترف الآن بأنني وأنا وسط الدم والدخان والغبار ، كنتُ أمني نفسي برؤية عينيكَ الخضراوين . فجأةً سقطتْ بيننا قذيفةُ هاون ، مزقت واسطة عقدنا إلى أشلاء ، وشاهدْتُكَ تنهضُ كطائر الفينيق من بين الأنقاض ، وحاولتَ أن تنقذَ مظهر ، فمرت شظيةٌ بقربكَ، وأخذت معها إحدى عينيكَ ، فتضرج وجهكَ بلون شقائق النعمان . زحفتُ نحوكَ ، احتضنتكَ – وكمْ تمنيتُ احتضانكَ – حملناكَ إلى سيارة الإسعاف ، وخرجنا من جهنم تلاحقُنا طلقاتُ رشاشٍ أعمى . و في الطريق سقطت عينك ، وتدلت على صفحة خدك ، حملتُها وخبأتُها ، وعندما مسحتُ الدمَ عنها ، رأيتُ فيها ربيعاً لا يزال آسراً يستريح بأمان .