
في اليوم السابع من معركة “ردع العدوان”، لم تعد التطورات الميدانية في ريف حماة مجرّد تقدم عسكري في جغرافيا محدودة، إنما بدت أقرب إلى لحظة مفصلية تعيد رسم توازنات الصراع في سوريا برمّته. فالمعارك التي اشتعلت على محاور حلفايا ومعردس وطيبة الإمام ومستودعات خطاب واللواء 87، كشفت حجم التآكل في بنية جيش النظام المخلوع، وعمق الانهيار المعنوي والعسكري في صفوفه وصفوف حلفائه، مقابل صعود نموذج عسكري أكثر تنظيماً وانضباطاً لدى قوات “درع العدوان” وخاصة إدارة العمليات العسكرية و”هيئة تحرير الشام” التي راكمت خبرة ميدانية وتقنية، وتجهيزاً وتسليحاً نوعياً، جعل من القدرة على خوض معارك واسعة ومتزامنة أمراً ممكناً لا مغامرة.
هذا التحول الميداني، الذي جاء بعد تحرير حلب وكامل إدلب وأجزاء واسعة من ريف حماة، لم يقتصر أثره على خريطة السيطرة والنفوذ على الأرض، بل امتد إلى مشهد أوسع، سياسي وإقليمي، أعاد أنظار العالم إلى سوريا بوصفها ساحة صراع تعاد كتابتها من جديد. فمن هزيمة مشروع الهيمنة الإيراني على الأرض السورية، إلى اهتزاز صورة النظام كذراع عسكرية لهذا المشروع، ومن بروز إدارة عمليات عسكرية تسعى لاحتضان السوريين، مدنيين وعسكريين، إلى تزايد ارتباك حلفاء النظام الإقليميين، تبدو معركة “ردع العدوان” – كما يقدّمها هذا التقرير – أكثر من مجرد جولة ناجحة؛ إنها بداية انتقال من مرحلة الدفاع عن المناطق المحاصرة إلى مرحلة فرض معادلة جديدة في حماة، بوابة الوسط والعاصمة، وفي الوعي السوري والعربي والدولي معاً.
وبعد الغارات الجوية التي نفذها طيران النظام والطيران الروسي في اليوم السادس للمعركة، شمال غرب سوريا، والتي أدت إلى ارتقاء ما لا يقل عن 25 شهيدا، بحسب “الخوذ البيضاء”، وسعت قوات “ردع العدوان” عملياتها لتشمل محافظة حماة، حيث تركزت المواجهات في هذا اليوم في منطقة جبل عابدين المرتفعة التي تعتبر خط الدفاع الأهم عن مدينة حماة، كذلك في محور الجبين، وتل ملح، والجلمة في ريف حماة الشمالي الغربي، مع تحليق مكثف للطيران المعادي.
انهيار معنوي وعسكري
وفي اليوم السابع لمعركة “ردع العدوان”، في 3 كانون الأول 2024، كانت قوات إدارة العمليات العسكرية قد حققت تقدما ميدانيا ملحوظا بالسيطرة على مواقع استراتيجية متعددة، مما أدى إلى كسر خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام المخلوع وحلفائه، ما شكل حالة من الانهيار النفسي والمعنوي والعسكري لديهم، وهذا ما رآه المراقبون والمحللون انتصارا تاريخيا قد يغير مسار الصراع في سوريا، خاصة بعد تعرض القوات الداعمة للنظام لضربات قوية، وقد اعتبرت هذه المعركة فرصة لإعادة الأمل للمدنيين المهجرين في العودة إلى مدنهم وقراهم التي هجرهم منها النظام المخلوع والميليشيات الإيرانية والتابعة لها في لبنان والعراق وسائر أصقاع الأرض.
ففي هذا اليوم، أعلنت إدارة العمليات سيطرتها على حلفايا ومعردس وطيبة الإمام ومستودعات السلاح في منطقة خطاب بريف حماة الشمالي، وعلى اللواء 87 قرب المدينة، إضافة إلى استمرار قواتها في التقدم على أكثر من محور بأرياف حماة، وسط انهيارات كبيرة في صفوف قوات النظام. وأحدث هذا التقدم السريع زلزالا عسكريا وسياسيا في المشهد السوري، وأثار حينها تساؤلات كبرى حول مستقبل النظام في مواجهة هذا التقدم المتسارع؛ إذ لم يكن أحد، من أشد المتفائلين من جمهور الثورة، ولا من أكثر المتشائمين في صفوف النظام المخلوع، يتوقع هذه السرعة الخاطفة التي حققتها فصائل المعارضة في معركة “ردع العدوان”.
وقال المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو: إن عملية ردع العدوان أعادت رسم الخريطة التاريخية ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة العربية برمتها، عندما تم كنس القوات الإيرانية وأذرعها من الأرض السورية، وتم كسر المشروع الإيراني برمته وإلى غير رجعة من كل المنطقة العربية، وهو ما أنقذ الدول العربية من تغول الإيرانيين على العرب قاطبة، باحتلالهم لأربع عواصم عربية في حينها، ومنها دمشق.
وأوضح سعدو في تصريحات خاصة لصحيفة “الثورة السورية”، أنه مع تحرير محافظة حلب ومناطق إدلب بالكامل، وتقدم الثوار في ردع العدوان إلى حماة، توضحت الأمور أكثر، وبانت حالة هذه العملية التي أضحت تقرع أبواب دمشق رويدا رويدا، مشيرا إلى سيطرة حالة الانهزام الكبرى التي لحقت بالآلة العسكرية للنظام المجرم، وكل الميليشيات التي كانت تابعة له على الأراضي السورية، من “الحرس الثوري” إيراني، ومن “الحشد الشعبي” العراقي، وكذلك ميليشيا “حزب الله” اللبناني.
العمليات العسكرية تحتضن السوريين
وأكد المحلل السياسي أنه، بتحرير المدن والبلدات والقرى السورية تبين مدى الاحتضان الشعبي السوري حول أبطال “ردع العدوان” الذين كانوا ذؤابة النصر، وقال: “كما نعلم، فإن بداية التحرير تذهب عميقا في أتون الحالة السورية إلى التاريخ الحديث للبلاد، وأنه منذ أن بدأ السوريون في مواجهتهم السياسية والعسكرية أيام المجرم حافظ الأسد، وحتى سقوط النظام الفاشيست الأسدي بكليته، فمنذ تمت عملية تحرير حلب تبين للجميع مدى القدرة لدى الثوار على المتابعة، وظهرت للقاصي والداني كيف يمكن أن تجري عملية التحرير بقوة واقتدار بأيدي الثوار الذين لم يستكينوا يوما، منذ أن أعلنوها ثورة على الظلم والطغيان والإرهاب”.
وفي إطار احتضانها لكل السوريين، أصدرت إدارة العمليات العسكرية تعميما في اليوم السابع من معركة “ردع العدوان”، الموافق 3 كانون الأول/ ديسمبر 2024، دعت فيه جميع من بقي في مدينة حلب المحررة من جنود النظام في (الجيش والأمن والشرطة) إلى مراجعة أقسام الشرطة المحددة لاستكمال إجراءاتهم وحمايتهم قانونيا.
من يستطيع أن يحرر حلب وكل ريفها وريف إدلب ثم ريف حماة، فهو، بحسب سعدو، قادر بكل تأكيد على إنهاء الاستبداد وإعادة الوطن إلى ناسه وأهله، بعيدا عن كل أدوات الاحتلال الأسدي والإيراني. وبالتالي، فإن النصر قد لاح حقيقة منذ أن استقرت حلب وأصبحت حرة آمنة، من دون الطغيان الأسدي، مشيرا إلى أن ما فعلته قوات “ردع العدوان” من تنظيم لمحافظة بحجم حلب يعتبر مسألة غاية في الأهمية وغاية في الوعي الإداري والتنظيمي، لم يتوقعها الآخرون.
ومن هنا – والكلام للمحلل السياسي سعدو – يمكن القول إن اليوم السابع لمعركة ردع العدوان أعطى انطباعا أكيدا بأن نظام الأسد زائل ونهايته قاب قوسين، وأن الوصول إلى العاصمة دمشق، حيث الانهزام الأكبر والأعمق للمشروع الإيراني، أصبح تترقبه كل شعوب العالم الحرة.
النظام يخسر الرهان في حماة
وفي اليوم السابع من معركة ردع العدوان، ظهر التوتر في النبرة السياسية لحلفاء النظام؛ ففي إيران اتهم مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي تركيا بالوقوع في “الفخ الإسرائيلي الأميركي”، بحسب وصفه، بينما أظهرت التصريحات العراقية أن بغداد تجاوزت دورها وسيطا، وزادت مؤشرات إرسال قوات من فصائل “الحشد الشعبي” دعما للنظام.
وكانت معركة حماة قاسية جدا على الجانبين، فقد اعتبرها النظام معركته في الدفاع عن العاصمة دمشق والساحل، بينما تعامل معها الثوار على أنها بوابتهم إلى حمص ومن ورائها دمشق، فكسبوا الرهان، بينما خسر فيها النظام الرهان، وذلك لعدم قدرته على تجميع صفوفه بعد الانهيارات الكبيرة في صفوفه في معركة حلب.
وبحسب المراقبين، فإن التقدم الذي حققته فصائل المعارضة السورية في معركة تحرير سوريا أعاد رسم خريطة السيطرة الجغرافية في سوريا، وكسر جمود الملف السوري سياسيا بعد إحكامه باتفاقيتي “أستانا” و”سوتشي” بين الدول الضامنة (تركيا، وروسيا، وإيران). وكما جاءت تحركات المعارضة السورية المدروسة على الأرض عسكريا، جاءت كذلك التصريحات والرسائل السياسية الإقليمية والدولية من قبل إدارة الشؤون السياسية في حكومة الإنقاذ السورية في إدلب، الأمر الذي أعاد أنظار العالم إلى سوريا، من دون غيرها من الساحات الملتهبة.
المصدر: صحيفة الثورة السورية


