1كانون الأوّل. يوم بزوغ “فجر الحرية” وطرق “ردع العدوان” أبواب حماة

سعيد اليوسف

في اليوم الخامس من عملية “ردع العدوان” (الأحد/ 1 من كانون الأول 2024)، بدا واضحاً أنّ المعركة تجاوزت طور “المفاجأة” إلى طور تثبيت الوقائع الجديدة على الأرض: معظم حلب بقبضة الفصائل، ريف حماة الشمالي يتحوّل إلى ساحة معارك مفتوحة، تحليلات وأسئلة حول شكل سوريا الجديد.
وخلال ساعات هذا اليوم، اكتملت عملياً سيطرة فصائل “ردع العدوان” على مدينة حلب بأحيائها ومداخلها ومنشآتها العسكرية، بالتزامن مع اتساع المعارك في محاور ريفي إدلب وحماة، وبالتوازي مع توسّع عملية “فجر الحرية” شرقي حلب، وسط قصف جوي عنيف للنظام وروسيا، أوقع ضحايا مدنيين.
حلب.. إنهاء الوجود العسكري للنظام وتثبيت السيطرة
في صباح (1 من كانون الأول)، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” تثبيت سيطرتها على كامل المدينة الصناعية في الشيخ النجار بحلب، إلى جانب سيطرتها على (طريق حلب-خناصر)، الشريان البري الذي مثّل لسنوات طريق الإمداد الوحيد لقوات النظام من وسط سوريا إلى حلب، ثم سيطرتها على (طريق حلب-حماة)، ما شلّ قدرة النظام على إعادة تجميع قوات موالية في المدينة أو فكّ الضغط عنها.
كذلك، سيطرت على “جبل عزان”، أحد أهم المواقع الاستراتيجية جنوبي حلب، ليس فقط لارتفاعه وإشرافه على مساحات واسعة، بل لاحتوائه على كتيبة دفاع جوي قديمة تتبع لـ”اللواء 80” المكلَّف بحماية مطاري حلب الدولي والنيرب العسكري.
وقبل ظهر (1 من كانون الأوّل)، تقدّمت فصائل “ردع العدوان” نحو سجن حلب المركزي، ثم سيطرت عليه وأفرجت عن السجناء، كما سيطرت على مخيم حندرات -للاجئين الفلسطينيين- القريب في ريف حلب الشمالي.
والمحطة الأبرز ميدانياً داخل مدينة حلب، كانت إعلان سيطرة الفصائل على “الأكاديمية العسكرية” غربي المدينة، والكليات الحربية والثكنات العسكرية في منطقة الراموسة جنوبيها، وبذلك خرجت معظم البنية العسكرية داخل المدينة من يد قوات النظام وميليشياته، ليُطوى عملياً ملف الوجود العسكري للنظام في حلب الكبرى، وتتحوّل الجيوب المتبقية إلى مساحات ميتة عسكرياً لا تأثير لها في مجريات المعركة.

ومع ذلك، أصدرت وزارة الداخلية في “حكومة الإنقاذ السوريّة” بلاغاً، صباح (1 من كانون الأوّل) يحذّر من التوجّه إلى مدينة حلب، لحين الانتهاء من الأعمال العسكرية والأمنية بشكل كامل، حرصاً على الأهالي وحفاظاً على سلامتهم.
“فجر الحرية”.. شرق حلب يتحرّر ويتحوّل إلى “خزّان غنائم”
بالتوازي مع “ردع العدوان”، برز دور الجيش الوطني السوري بشكل أكبر ضمن عملية “فجر الحرية” في اليوم الخامس، حيث تمكّن من السيطرة على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي، أبرزها: تل رفعت، التي تُوصَف بأنها مركز استراتيجي في خريطة الشمال، نظراً لقربها من الحدود التركية ووقوعها على عقدة طرق تربط ريف حلب الشمالي بالشرقي والغربي.

كذلك سيطرت فصائل “فجر الحرية” على كامل مطار منغ العسكري والبلدات والقرى المحيطة بها، بعد مواجهات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، كما تمكّنت من الوصول إلى أوتستراد حلب – غازي عنتاب، والاستيلاء على عدد من الأسلحة والذخائر، إضافة إلى دبابات كانت بحوزة “قسد”.
وواصل الجيش الوطني عملياته شرقي حلب، فبعد إعلان السيطرة الكاملة على معظم مطار كويرس، في اليوم السابق، تحوّل الخبر في (1 من كانون الأول) إلى تفاصيل الغنائم: مستودعات أسلحة ضخمة، أنظمة رادار، إلى جانب طائرات مسيّرة ودبابات ومدافع، ما منحها زخماً نارياً إضافيا في توسيع مساحات سيطرتها.
وبعد ساعات، أعلن الجيش الوطني رسمياً، سيطرته على مدينة السفيرة والمحطة الحرارية شرقي حلب، ثم تحرّكه نحو دير حافر وقطع الطريق باتجاه الرقة، حيث أصبحت جبهة الشرق تُكمل ما بدأته جبهتا حلب وإدلب: تفكيك شبكة الإمداد التي تصل مناطق سيطرة نظام الاسد في الشرق (الرقة ودير الزور) بالشمال الغربي، وقلب معادلة “الحصار” لمصلحة الفصائل لأوّل مرة منذ سنوات.
وهذا اليوم أيضاً، شهد تقاطعاً ميدانياً لافتاً، حيث التقى مقاتلون من فصائل “فجر الحرية” مع مقاتلين من فصائل “ردع العدوان” في محيط مطار حلب الدولي، بعد ساعات من انهيار خطوط النظام في المنطقة وتراجع قواته باتجاه الجنوب.
وجاءت لحظة الالتقاء، عندما تقدّمت فصائل “فجر الحرية” من ريف حلب الشرقي بعد السيطرة على السفيرة ومطار كويرس، باتجاه مطار حلب الدولي، كانت مجموعات “ردع العدوان” تتحرك نحوه بالتزامن، من محور الشيخ نجار والمدينة الصناعية، في مشهد عكس انتقال المعركة من العمل المجزّأ إلى جبهة موحّدة تلاحق “قوات الأسد” و”قوات قسد”، وتفتح الطريق نحو محاور جديدة ما بعد حلب.
وفي مقابل تقدّم الفصائل على الأرض، صعّدت طائرات حربيّة للنظام وروسيا من غاراتها على الأحياء السكنيّة والمدارس والأسواق في مدينتي حلب وإدلب، ما أدّى إلى مقتل 37 مدنياً وإصابة 150 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، خاصّة في استهداف المشفى الجامعي بحلب.
“قسد تستغل انسحاب النظام وتعزز وجودها في حلب”
كالعادة، بنت “قسد” تحرّكها على وقع الفراغ الأمني في حلب، عقب انسحاب قوات نظام الأسد وميليشياته، حيث تسلّمت معابر وحواجز استراتيجية من “الفرقة الرابعة”، كما سيطرت على أحياء السريان وبستان باشا والشيخ نجار، قبل أن تستعيدها فصائل “ردع العدوان”.

ولم تكتفِ بالتمركز العسكري فقط، بل شرعت بإعداد مستودعات لوجستية تشمل معدات طبية وإسعافية في “الشيخ مقصود والأشرفية” (معقلها الرئيسي داخل حلب)، وذلك تحضيراً لاحتمال اندلاع مواجهات مع الفصائل.
“إعلان تحرير كامل محافظة إدلب”
في تطوّر يُعدّ من أهم محطات اليوم الخامس (1 من كانون الأوّل)، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” تحرير محافظة إدلب بالكامل، وذلك عقب السيطرة على مدينة خان شيخون في ريفها الجنوبي.

وجاء الإعلان عبر العقيد حسن عبد الغني الذي قال: “نعلن عودة محافظة إدلب إلى أهلها بعد تحرير ريفها بالكامل، بفضل الله وتوفيقه”، في تصريح حمل بُعداً رمزياً وسياسياً بقدر ما حمل من أهمية ميدانية.

ومع هذا الإعلان، انتقل ثقل المواجهة إلى ما تبقّى من جبهات ريف حلب ثم حماة، في حين بدت إدلب -للمرة الأولى منذ أكثر من عقد-  خارج دائرة التهديد المباشر.
ريف حماة الشمالي.. “ردع العدوان” على مشارف المدينة
كذلك في (1 من كانون الأوّل)، تحوّلت أرياف حماة -خاصّة الشمالي- إلى العنوان الأبرز في تغطية تلفزيون سوريا، حيث حقّقت فصائل “ردع العدوان” تقدماً كبيراً عبر السيطرة على العديد من المناطق والمواقع، قطعت خلالها أهم خطوط الربط بين المدينة وريفيها الشمالي والغربي.
وخلال ليل (30 من تشرين الثاني-1 من كانون الأوّل)، سيطرت فصائل “ردع العدوان” على مدن: “مورك، صوران، كفرزيتا، اللطامنة، طيبة الإمام، حلفايا” وغيرها على الطريق الدولي (M5)، إلى جانب قلعة المضيق في الريف الشمال الغربي.
وفي حين كانت حلب تُعلَن “مدينة محرَّرة” بشكل عملي، كانت “إدارة العمليات العسكرية” تُعلن السيطرة على كامل جبل شحشبو وقراه الممتدة بين ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي.

هذا التقدم لم يكن مجرد توسّع جغرافي، بل فتح عملياً بوابة حماة، ووضع المدينة تحت تهديد مباشر غير مسبوق، منذ عام 2012، عقب تمكّن الفصائل من الوصول إلى مشارف (حي الأربعين)، وسط انهيار واسع في صفوف قوات النظام وانسحاب الآليات الثقيلة من المداخل الشمالية للمدينة، وإعادة انتشارها في “جبل زين العابدين” وبلدتي قمحانة وخطاب، لإنشاء خط دفاعي يبعد نحو 7 كيلومترات عن مدينة حماة.
خسائر “قوات الأسد” في اليوم الخامس
أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” أسر أكثر من 65 عنصراً من قوات النظام، إضافةً إلى مقتل 6 ضباط بارزين، خلال المعارك في منطقة السفيرة ومعامل الدفاع بريف حلب الشرقي، كما أعلن الجيش الوطني أسر 33 عنصراً من قوات النظام على طريق حلب-الرقة، قرب مدينة دير حافر.
وفي حماة، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” مقتل رئيس فرع الأمن العسكري بحماة (العميد عدي غصة)، إثر استهدافه بطائرة مسيّرة (شاهين)، في مدينة صوران شمالي حماة، حيث كان في جولة تفقدية على المحاور برفقة رئيس هيئة أركان النظام (اللواء عبد الكريم إبراهيم).
كذلك، خسرت قوات النظام معظم ثكناتها ومواقعها العسكرية وعتادها، على جبهات الشمال السوري وامتدادها في أرياف حلب وإدلب وحماة.
اقرأ أيضاً
وفي أوّل تعليق له على تقدّم الفصائل في مدينة حلب وريفها وسيطرتها على كامل محافظة إدلب وأجزاء واسعة من ريف حماة الشمالي، توعّد بشار الأسد بـ”دحر الإرهابيين وداعميهم”.
شرقي سوريا.. هروب وإجلاء لجثث وجرحى الميليشيات الإيرانية
بالتوازي مع تقدّم فصائل “ردع العدوان”، على جبهات حلب وحماة، انعكس المشهد الميداني مباشرة على خطوط الميليشيات الإيرانية شرقي سوريا، حيث شهد معبر البوكمال-القائم، صباح “1 من كانون الأوّل”، ازدحاماً خانقاً غير مسبوق.
وبحسب مصادر محلية، اكتظّ المعبر بسيارات الإسعاف التي تنقل (جثثاً وجرحى للميليشيات الإيرانية) أصيبوا في معارك الشمال السوري، إلى جانب سيارات مدنية تقلّ “زواراً شيعة” يفرّون باتجاه العراق بسبب تدهور الوضع الأمني.

هذا المشهد، يوضّح حجم الارتباك داخل البنية العسكرية للميليشيات الإيرانية في سوريا، وتحوّل مدينة البوكمال -الحدودي مع العراق- شرقي دير الزور، إلى ممرّ طوارئ لإجلاء المصابين والهاربين على حدّ سواء.
موقف السويداء من “ردع العدوان”
في اليوم الخامس من عملية “ردع العدوان”، قال الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، إنّ “سوريا تقف على منعطف تاريخي يستدعي إنهاء الصراع وإيقاف آلة القتل التي حصدت أرواح السوريين وتسببت بتشريدهم وتهجيرهم على مدار سنوات”.
وتابع: “مع سيطرة قوى جديدة على مناطق في حلب وإدلب وأجزاء من حماة، نجدد تأكيدنا على حق أصحاب الأرض في العودة إلى ديارهم واستعادة حقوقهم المشروعة”.
ودعا “الهجري”، المجتمع الدولي والأطراف المعنية بالشأن السوري إلى العمل الجاد لتحقيق انتقال سياسي شامل وعادل، يعالج جذور “الأزمة” السورية، ويضع البلاد على طريق التعافي.
“الموقف الروسي تحت أنظار السوريين”
أمام هذه التطورات في اليوم الخامس، بقيت الأنظار في الأوساط السورية تتجه إلى الموقف الروسي نحو تقدّم فصائل “ردع العدوان”، التي نجحت بالسيطرة على مدينة حلب وكامل محافظة إدلب، ووصلت إلى أطراف مدينة حماة.
وتعود أسباب الاهتمام بالموقف الروسي، إلى الدور الحاسم الذي لعبته موسكو، منذ أيلول 2015، في مساندة نظام الأسد باستعادة أجزاء واسعة من البلاد، بعد خسارتها تحت ضربات فصائل المعارضة السوريّة.
وبحسب مصادر أمنيّة نقلها موقع تلفزيون سوريا، حينذاك، فإنّ القدرات العسكرية الروسية في سوريا تراجعت بشكل كبير، بعد حرب أوكرانيا، حيث قد قلّصت موسكو من أسطولها الجوي الموجود في “قاعدة حميميم” من 25 طائرة إلى 8 طائرات (اثنتان منهما خارج نطاق الخدمة)، وبالتالي لم يعد لديها القدرة على تقديم غطاء جوي بالزخم نفسه، الذي كان متوفراً في السنوات الأولى لتدخلها.
خلاصة اليوم الخامس (1 من كانون الأول 2024)
يُسجَّل اليوم الخامس (1 كانون الأوّل 2024) من “ردع العدوان” كأحد أكثر أيام المعركة حساسيةً وتسارعاً، حيث ثبّتت الفصائل سيطرتها على مدينة حلب -باستثناء الشيخ مقصود والأشرفية اللتين بقيتا خنجراً مزروعاً في خاصرة المدينة- فيما واصلت فصائل “فجر الحرية” تقدّمها الواسع في الشمال الشرقي للمدينة وشمالها.
في موازاة ذلك، دخلت العمليات مرحلة جديدة مع إحكام السيطرة الكاملة على ريف حماة الشمالي، وطرق أبواب المدينة بدخول “حي الأربعين”، ما أعاد رسم خريطة الميدان ورفَع من وتيرة الاشتباكات وتداعياتها.
ورغم التصعيد الجوي الروسي العنيف على حلب وإدلب، لم ينجح الضغط في إيقاف التقدم الميداني، بل زاد من حجم التساؤلات حول غياب موقف روسي واضح أمام الانهيار السريع لقوات النظام، أما إيران، فبدت منشغلة بإجلاء جرحى ميليشياتها عبر “معبر البوكمال”، في مشهد يعكس حجم الضربة التي تلقتها.
“ردع العدوان”.. قصة اليوم الأول الذي غيّر كل شيء في سوريا
28 من تشرين الثاني.. حين طرقت فصائل “ردع العدوان” أبواب حل
29 من تشرين الثاني.. دخول “ردع العدوان” حلب
وعلى مستوى الشارع السوري، بقيت العيون مشدودة إلى خريطة تتغير كل ساعة: حلب محرّرة، إدلب صامدة، حماة على وشك التحوّل إلى جبهة مفتوحة، وهكذا انتهى اليوم الخامس، وقد بات واضحاً أنّ المعركة دخلت مرحلتها الأكثر حسماً، وأن نظام الأسد يواجه أخطر أيامه منذ أكثر من عقد.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى