لماذا يجب على الدول الإفريقية الامتناع عن المشاركة في مؤتمر «روسيا – إفريقيا» الوزاري الثاني في القاهرة؟

تسعى موسكو في نوفمبر 2025 إلى عقد الدورة الثانية من مؤتمر «روسيا – إفريقيا» الوزاري. وتقدّم روسيا هذا الحدث على أنه خطوة لتعزيز الشراكة مع القارة الإفريقية. لكن الواقع يكشف صورة مختلفة تمامًا: فموسكو تستخدم أدوات اقتصادية وعسكرية وإعلامية بهدف زيادة نفوذها في إفريقيا على حساب مصالح شعوبها ودولها.
إن المشاركة في هذا المؤتمر تعني عمليًا منح شرعية لسياسات الضغط والابتزاز التي تمارسها روسيا في إفريقيا. وفيما يلي أبرز الأسباب التي تدفع الدول الإفريقية إلى إعادة النظر في المشاركة.

1. محاولة احتكار سوق الحبوب واستخدام الغذاء كوسيلة للابتزاز
تسيطر روسيا اليوم على نحو ثُلث صادرات القمح إلى إفريقيا، وتزوّد به أكثر من 30 دولة إفريقية. وفي الوقت نفسه، تعمل موسكو على إضعاف منافسها الرئيسي — أوكرانيا — من خلال الحرب والاحتلال غير القانوني لأراضيها الزراعية.
وتستخدم روسيا جزءًا من الحبوب المسروقة من الأراضي الأوكرانية المحتلة لتعزيز موقعها كمورّد رئيسي لإفريقيا. ولو تمكّنت موسكو من منع أوكرانيا من التصدير، فسترتفع حصتها في سوق القمح الإفريقي إلى أكثر من 40%، مما يمنحها قدرة كبيرة على الضغط السياسي والغذائي على الدول الإفريقية.
الموضوع نفسه يتكرر في مجال الأسمدة، حيث تستخدم روسيا اعتماد العديد من الدول الإفريقية على أسمدتها كوسيلة نفوذ وتأثير.

2. ترهيب القادة الأفارقة والتدخل في الشؤون الداخلية
تحوّل روسيا إفريقيا إلى ميدان لتجارب العمليات الاستخباراتية والعسكرية، حيث تدعم الانقلابات أو الفوضى السياسية ضد الحكومات التي لا تتماشى مع سياستها.
ووقعت عدة انقلابات في مالي (2021)، بوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023) بدعم مباشر أو غير مباشر من المرتزقة الروس. وتستخدم موسكو هذه الأحداث لتهديد القادة الذين يرفضون الخضوع لنفوذها.
المشاركة في المؤتمر ستُفسّر على أنها قبول بهذه الممارسات.

3. تقويض القانون الدولي وتعريض القارة لخطر تقسيم مناطق النفوذ
تحتاج الدول الإفريقية — نظرًا لضعف العديد منها سياسيًا واقتصاديًا — إلى نظام دولي مستقر يحترم الحدود وسيادة الدول.
لكن روسيا تنتهك هذه المبادئ من خلال عدوانها العسكري على أوكرانيا وضمّها غير الشرعي لأراضٍ أوكرانية. وإذا أصبح تغيير الحدود بالقوة أمرًا مقبولًا، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام نزاعات في إفريقيا التي تشهد حدودًا حساسة وغير مستقرة.
كما أن محاولات موسكو إنشاء «منطقة نفوذ» خاصة بها في إفريقيا تهدد وحدة القارة وتعيد أجواء عدم الثقة والانقسام بين دولها.

4. تجنيد المواطنين الأفارقة للقتال في حربها ضد أوكرانيا
تقوم روسيا بتجنيد آلاف الأفارقة — غالبًا بطرق احتيالية — للقتال في أوكرانيا لتعويض نقص جنودها. ووفقًا للمعلومات المتوفرة، يقاتل أكثر من 1436 مواطنًا من 36 دولة إفريقية في صفوف الجيش الروسي حتى نوفمبر 2025.
كما وثِّقت حالات استغلال شابات من أوغندا ورواندا وكينيا وجنوب السودان وسيراليون ونيجيريا للعمل في مصانع الطائرات المسيّرة داخل المنطقة الصناعية الروسية «ألابوغا».
هذا ليس تعاونًا، بل هو استغلال واضح لأبناء إفريقيا لخدمة حرب لا علاقة لهم بها.

5. حرب إعلامية روسية تستهدف تشويه صورة الغرب والتغلغل في الإعلام الإفريقي
تشنّ وسائل الإعلام الروسية مثل RT وSputnik حملات واسعة في الفضاء الإعلامي الإفريقي، حيث تروّج لخطاب «مضاد للاستعمار» يستهدف أوروبا والولايات المتحدة، مع تجاهل تام للجرائم والانتهاكات الروسية في إفريقيا، خصوصًا في السودان ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
واللافت أن روسيا لا تنتقد النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا، رغم أن بكين تمارس أكبر عملية استغلال اقتصادي للموارد الإفريقية وتنفذ مشاريع بنية تحتية مجحفة، فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية في بعض الدول.
تهدف هذه الدعاية إلى إضعاف العلاقات بين إفريقيا والغرب وتصوير روسيا على أنها «بديل» أو «مدافع» عن مصالح إفريقيا — بينما الواقع أنها تسعى فقط لتعزيز نفوذها الجيوسياسي.

الخلاصة: إفريقيا ليست ساحة لنفوذ روسيا ولا جبهة خلفية لحروبها
إن مؤتمر «روسيا – إفريقيا» ليس منصة حوار متكافئ، بل محاولة من موسكو لكسر عزلتها الدولية وتوسيع نفوذها من خلال الضغط الاقتصادي، التدخل السياسي، وتجنيد الأفارقة في حربها.
إن مقاطعة المؤتمر ستؤكد أن إفريقيا ترفض سياسات الابتزاز، وترفض أن تتحوّل إلى مسرح لصراعات القوى الكبرى.
تستحق الدول الإفريقية شراكات حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل والتنمية المستدامة — وليس علاقات تُبنى على الخوف أو الاستغلال.

المصدر: مجلة الوعي السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى