كيف تتموضع سوريا الجديدة عربياً ودولياً؟

عبد المجيد عرفة

لقد كان تموضع النظام السوري عبر عقود طويلة جزءًا مما سُمِّي وقتها المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، الذي ورثته روسيا بعد عام 1991م عقب سقوط ذلك المعسكر. ومنذ ما سُمِّي ثورة الثامن من آذار عام 1963م، وسيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا واحتكارها، وتأسيس دولة استبدادية مطلقة عام 1970م بهيمنة حافظ الأسد وزمرته الطائفية والعسكرية والأمنية على الدولة لعقود، ثم ورثها ابنه بشار من بعده.
كانت الدولة السورية على علاقة عسكرية واقتصادية وسياسية كاملة مع روسيا وبقية دول المعسكر الاشتراكي.
كذلك توسع تحالف النظام البائد مع إيران بعد سيطرة الخميني عام 1979م على إيران ومصادرته السلطة لصالحه، حيث وجد فيها حافظ الأسد الحليف تحت دعوى محاربة إسرائيل وأميركا والغرب. وكانت تخفي ضمنًا البعد العَصَبوي (شيعي – علوي) الذي يمثل حقيقة الهيمنة السياسية والمجتمعية للحكم في البلدين.
ولا يغيب عن بالنا تصدير النظام الساقط لنفسه بأنه ممانع وضد إسرائيل وداعم للمقاومة، ممثلة بحزب الله وغيره من المنظمات الفلسطينية الموالية له، ومشروعه التوسعي في لبنان عبر دعم حزب الله، وترسيخ الاستبداد والقهر والفساد والاستغلال في سوريا عبر عقود.
وعندما حصلت الثورة السورية عام 2011م، كان لهذا التحالف بين روسيا وإيران وأدواتها حزب الله وغيره من المجموعات المسلحة الطائفية، دورٌ كبير في المشاركة على مدى ثلاثة عشر عامًا في قتل الشعب السوري، إذ قُتل أكثر من مليون إنسان، واعتُقل مئات الآلاف، ودُمّرت المدن، وشُرّد الملايين، حتى سقط النظام البائد وانتصر الشعب وثورته.
عادت سوريا لتكون دولة متوازنة ترعى مصالحها وتحترم جوارها، وألغت دورها شبه الاستعماري في لبنان
إيران وروسيا
إن انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام أعادا الشعب السوري وسلطة الثورة إلى المربع الأول في خلق تحالفاتها العربية والدولية، وفق أجندة بناء سوريا وإعادة وضعها في طريق التقدم والحرية والحياة الأفضل. لذلك كان قرارها بالقطيعة مع النظام الإيراني، وكذلك التعامل الحذر والمدروس مع روسيا، حيث كان لا بد من أن تكون هناك جسور تواصل وتفاعل وبحث عن المصالح المشتركة.
ففي روسيا يقبع رأس النظام الساقط، ومعه كثير ممن أوغلوا في دم الشعب السوري ويجب محاكمتهم، وكذلك كثير من أموال الدولة السورية التي سرقها بشار الأسد لحظة فراره يجب استردادها. وهناك مصالح للروس في وجودهم على البحر المتوسط، ولنا مصالح مع روسيا يجب إحياؤها.
لذلك فتح الرئيس السوري أحمد الشرع الباب للتواصل مع روسيا والمطالبة بحقوق سوريا، متجاوزين جراحنا نحن السوريين من دور روسيا السيئ مع النظام ضد الشعب السوري وثورته.
تركيا وقطر والسعودية والعراق ودول الخليج الأخرى
إن إدراكنا لوقوف قطر وتركيا مع حقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل منذ بداية الثورة السورية عام 2011م، واستمرارهما بالدعم المادي والسياسي طوال سنوات الثورة حتى انتصرت، كل ذلك جعل دولة الثورة السورية تعطي لعلاقتها مع تركيا وقطر أولوية، وتجعل التشاور وتبادل الرأي في كل مستجدات الواقع السوري يحصل بشكل مستمر.
وقد عبّرت تركيا وقطر على لسان المسؤولين فيهما عن مساندة الشعب السوري ودولته الجديدة.
ولدى تركيا مبرر مزدوج، فهي ترغب بسوريا جارة وحليفة، بعدما كان النظام الساقط داعمًا لحزب العمال الكردستاني الإرهابي ودوره التخريبي لعقود في تركيا، وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، التي ترى بهما دولة الثورة السورية مشروعًا انفصاليًا يجب ألّا يرى النور.
أما السعودية التي تسلمت زعامة الدول العربية، فقد وجدت في الدولة السورية الجديدة مشروع حليف، بعدما كانت سوريا ذراعًا إيرانية معادية لدول الخليج بمشروعها الفارسي التوسعي.
أما علاقة الدولة السورية الجديدة مع العراق، فهي محكومة بمدى تغلغل الإيرانيين في العراق، ومدى وعي الحكام العراقيين لمصالحهم مع سوريا، متجاوزين التحاقهم الأعمى بإيران.
عادت سوريا لتكون دولة متوازنة ترعى مصالحها وتحترم جوارها، وألغت دورها شبه الاستعماري في لبنان. وتعود السعودية والبحرين والإمارات والكويت لتجد في سوريا مجالًا رحبًا للاستثمار وخلق فرص أعمال مشتركة والمساعدة في بناء سوريا الجديدة.
الولايات المتحدة والدول الأوروبية
إن أهم المتغيرات التي أصابت دور الدولة السورية بعد الثورة هو التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية بدعم من قطر وتركيا والسعودية. فقد كان ذلك يبدو صعبًا في البداية لأن أميركا لم تكن تهضم انتقال فريق عسكري سياسي محسوب على القاعدة، كهيئة تحرير الشام المحسوبة على الإرهاب، وهم العمود الفقري للقوى التي انتصرت بالثورة وأسقطت النظام البائد.
وكان لتلك الدول الدور القوي في جعل إمكان لقاء الرئيس الأميركي ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورابعهم على الهاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرياض. ومن وقتها بدأت الاندفاعة الأوروبية، إذ توافد كثير من المسؤولين الأوروبيين إلى سوريا للقاء الرئيس أحمد الشرع وتبادل النقاش حول واقع الحال والأفق المستقبلي لبناء سوريا المستقبل، والتفكير بالمصالح المشتركة وكيفية تحقيقها.
إن إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة أرادتا أن تدفعا دولة الثورة السورية إلى تقديم تنازلات في ملف الجولان وأن تتخلى عنه لإسرائيل.
دور إسرائيل في العمل ضد سوريا
ليس خافيًا على المراقبين عدم رضا إسرائيل عن الحكم الجديد في سوريا، فهي كانت على تواصل خفي مع النظام الساقط، ورعت توافقات لها علاقة بالجولان وقضايا أخرى.
لذلك سعت إسرائيل إلى استغلال سقوط النظام البائد، وبدأت منذ يوم السقوط الأول بتدمير البنية العسكرية السورية بشكل شبه كامل، مستغلة انشغال دولة الثورة السورية بترتيب البيت السوري الداخلي، وأن قوى الثورة المسلحة عاجزة موضوعيًا عن خوض معركة مع إسرائيل في ذلك الوقت.
وفوق ذلك عملت إسرائيل على تجاوز خط وقف إطلاق النار المتفق عليه عام 1974م، فقامت بعمليات حفر وتغلغل واعتقال وبناء استحكامات وحواجز داخل الأراضي السورية، كل ذلك في خرقٍ للقانون الدولي، وسط صمت دولي وغضّ نظر أمريكي عن ذلك.
إن إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة أرادتا أن تدفعا دولة الثورة السورية إلى تقديم تنازلات في ملف الجولان وأن تتخلى عنه لإسرائيل، وكان جواب الدولة السورية بشكل مباشر وغير مباشر أن ذلك مستحيل في ظروف الدولة السورية الوليدة، وأن ذلك مرهون بالشعب السوري وخياراته وقراراته هو.
وكذلك الحال بالنسبة للسلام الإبراهيمي مع إسرائيل الذي وقّعت عليه عدد من الدول العربية والخليجية، وكان ذات السبب لرفض الطلب الآن، وهو أن مرجعية هكذا استجابة هي الشعب السوري والحفاظ على حقوقه الوطنية في الجولان.
ستبقى إسرائيل والولايات المتحدة تلعبان لعبة العصا والجزرة مع الدولة السورية الجديدة، وهما تدركان أن سوريا الجديدة جزء من الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية.
أما صعوبات بناء الدولة السورية الجديدة بسبب قانون قيصر، فهي تحتاج إلى حديث آخر.
دولة الثورة السورية الجديدة ترسي أسسها وتحدد معالم وجودها وفعاليتها تجاه دول العالم قاطبة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى