الأقليات والحضن الإسرائيلي (الدافئ)

أحمد مظهر سعدو

تتعين المسائل والغايات السياسية بدلالة محتضنيها ورعاتها.. من هنا فإنه لا غرابة بل ولا صعوبة في تفسير وتحليل مآلات وغايات لمن اندرج في أتون لقاء ما كان قد تم مؤخرًا برعاية إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو الذي تمت تسميته بمؤتمر (الأقليات في الشرق الأوسط) فعندما يحضر هذا المؤتمر من يدَّعون أنهم باتوا يمثلون الطائفة العلوية وكذلك الطائفة الدرزية، وأيضًا الأثنية الكوردية في سورية، ولا يعني ذلك أبدًا أن هؤلاء الذين حضروا في إسرائيل، يعبرون عن كل هذه الطوائف والأثنيات الوطنية السورية، ولا حتى أي جزء منها، حيث ينتمي الجميع إلى وطن سوري واحد، وشعب سوري موحد، شاء من شاء وأبى من أبى.
الاندراج في سياقات إسرائيلية والاحتماء بعدو حقيقي للأمة كل الأمة وهو العدو الصهيوني بمشروعه الاخطر على العرب في المنطقة، هذا الإندراح هو عمل خياني بامتياز، وفعل مقترف يحاسب عليه القانون السوري الوضعي، وهو خروج واضح عن حيثيات الوطنية السورية بكل ما تعنيه وما تجمعه.
ولقد دأبت إسرائيل ومنذ قيامها في المنطقة العربية، كمشروع صهيوني استيطاني احتلالي وهي المحتلة لفلسطين، ولغير جغرافيا من وطننا العربي، دأبت على الاشتغال تفتيتًا وتمزيقًا للعرب والأقطار العربية بكليتها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا ، وهي التي كانت ومازالت تعمل كأداة ورأس حربة للغرب في المنطقة، منفذة لأجندات أميركية تريد أن تبني شرق اوسط جديد على قدها ومقاسها، وهي اليوم إذ تدَّعي حماية الأقليات فإنها بذلك تحاول الوصول إلى هيمنة على المنطقة العربية، وعربدة في المنطقة، ضد كل المحيط الإقليمي الذي يقرب أو يبعد عن فلسطين العربية المحتلة. وليس غريبًا ما فعلته وتفعله إسرائيل إبان عدوانها على قطاع غزة، وبعد أن سقط نظام الاستبداد الأسدي في 8 كانون أول/ ديسمبر الفائت، من استهداف للعمق السوري، وتدمير كل العتاد العسكري، الذي خلفه النظام المجرم. ثم هي التي تتابع اشتغالها الدؤوب على موضوع تسميه حماية الأقليات، والادعاء بحماية الدروز، عندما تجد أدواتًا للعمالة والاتكاء على مشاريعها في المنطقة العربية، من بعض الفلول من نظام بشار الأسد، وبعض عصابات الكبتاغون، ومن يدور في فلكهم ضمن محافظة السويداء وجبل العرب.
اليوم وبينما تعيش سورية حالة جديدة ومهمة من مواجهة التحديات الكبرى، بعد كنس نظام الأسد، فإن إسرائيل لن تأل جهدًا من أجل مزيد من التشظي والتفتيت داخل كينونة المجتمع السوري، الخارج من رحم ثورة وصراع مرير مع نظام بشار الأسد زاد عن ١٤ عامًا من القتل والقمع والكيماوي وسواه.
أما الرهان فقد كان وسيبقى على وعي السوريين بكل طوائفهم، وكل أثنياتهم، وكل أيديولوجياتهم، من أجل العمل على الوصول إلى صياغة العقد الوطني الاجتماعي الذي يضم الجميع، ويمنع التدخلات الإسرائيلية وأيضًا الإيرانية في الواقع السوري، ومن ثم يعيد الجميع بلا استثناء، لبناء الوطن السوري الواحد، وإهالة التراب على كل النزعات الانفصالية التفتيتية، ثم الوصول إلى مرحلة جديدة في سورية الحديثة المتطلعة نحو المستقبل، التي تبنى على أساس ديمقراطي حق، يشارك فيه الجميع، ويبني وطنًا سوريًا واحدًا موحدًا، ووطنية سورية متماسكة، ودولة المواطنة التي كنا نحلم بها وما زلنا، ومن ثم بناءات وطنية سورية تلم الكل بشموليتهم الوطنية الصرفة.

المصدر: مجلة الوعي السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى