خذوا أسرار نتنياهو من أبواقه”…

  أنطوان شلحت

                                

تروّج أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن ثمة جزئية مقلقة في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزّة الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي المتعلقة بالالتزام الأميركي الضمني بشأن إقامة دولة فلسطينية. وضمن السعي إلى أخذ أسرار نتنياهو من أبواقه حيال الموضوع، يشي تعامل هذه الأبواق مع تلك الجزئية بمسألتين:

الأولى، أن هناك قناعة لدى القيادة الإسرائيلية بأن ذلك الالتزام ليس أكثر من ضريبة كلاميّة. ومثلما كتب بعضهم، يقوم موقف ترامب من إسرائيل، وفي الواقع موقف الإدارات الأميركية التي سبقته، على أساس الالتزام العميق والتضامُن الوجداني مع القضية الصهيونية. وفي ما يتعلق بالفلسطينيين، لا يُلاحَظ أي تعاطف أو التزام، لا في نص الاتفاق ولا في تصريحات ترامب نفسه، وقد عبّر عن ذلك بوضوح عندما قال إن كل ما يسعى إليه صفقة يوافق عليها الجميع، ناهيك عن أن كلماته عن الفساد والعنف و”الإرهاب” بصفتها سِمات في السلطة الفلسطينية وحركة حماس على حدّ سواء، توضح ما يعتقده بشأن عدم قدرة الفلسطينيين على إقامة دولة والمحافظة عليها. وفي غضون ذلك، جرى التلميح بأن اعتراف دول غربية بالدولة الفلسطينية أمر مستهجن لأسبابٍ كثيرة، أبرزها أنه لا توجد دولة من هذا النوع، ولا يُتوقع قيامها في المستقبل المنظور.

المسألة الثانية، أن إسرائيل يجب أن تمنع، بكل ما أوتيت من قوة، إقامة دولة فلسطينية، وعليها في هذا الشأن أن تعتمد على نفسها كون الدولة الفلسطينية تهدّد أمنها ومستقبلها، ولا يجوز المساومة في هاتين المسألتين. وفي هذا الصدد يلاحظ أن هناك تشديداً على أن إسرائيل لم تكن مَن منع قيام دولة كهذه، كما يُدّعى من جانب جهات عديدة. ووفقما نوّه بعض آخر من هذه الأبواق فإن “اتفاق أوسلو” بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أتاح أمام الفلسطينيين إمكان إنشاء كيان دولة يدير حياتهم، لكن ذلك عزّز لديهم الكثير من الرغبات التي بقيت دفينة مثل “العودة إلى فلسطين”، بالإضافة إلى أن ما نشأ بديلاً عن السلطة الفلسطينية هو كيان في قطاع غزة “قوامه التطرّف الديني والعنف والإرهاب”!

وهذا الموقف الإسرائيلي من ضرورة الوقوف القوي ضد إقامة دولة فلسطينية لا يصرّح به أقطاب اليمين فقط، بل تؤكد عليه المعارضة أيضاً. فعلى سبيل المثال، نوّه يائير غولان، زعيم تحالف “الديمقراطيون” بين حزبي العمل وميرتس، المعدوديْن على يسار الخريطة السياسية الإسرائيلية، بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق أمناً طويل الأمد لإسرائيل، ولكنه في الوقت عينه أشار إلى أن إسرائيل بعد 7 أكتوبر (2023) ليست مثلما كانت عليه قبله، ولن تعود كالسابق، وكتب حرفيّاً: “خلّفت الصدمة الجماعية مشاعر من الكراهية وانعدام الثقة تجاه الفلسطينيين لم نشهد مثيلاً لها منذ أعوام. لا يمكن تجاهُل هذه المشاعر، أو آثارها، والتي لن تزول من تلقاء نفسها ما لم نعترف بها ونتعامل معها بوعي ومسؤولية”، وهو ما لا مؤشّرات قوية إليه. ويمكن القول إن هذه “الصدمة الجماعية” ليس فقط لن تزول من تلقاء نفسها بل إنها تدجّج مطامع وتطلعات في مقدمها كل ما يرتبط بضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وبالتهجير الذي يترافق مع هذا الضم.

وتلفت تقديرات إسرائيلية إلى أن ما يقف في خلفية مطامع الضم نظرية تقوم على فكرة فحواها أن الظروف نضجت لتنفيذ خطوات ضم تستند إلى عدد من الافتراضات، أهمها أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيقف دائماً إلى جانب إسرائيل، ويمكن ترويج ما يوصف بأنه “ضم خفيف” يكون مقبولاً من واشنطن وبعض الدول العربية، وأنه حتى لو أقدمت إسرائيل على خطوات ضم فإن ذلك لن يفقدها القدرة على تحقيق التطبيع مع العالم العربي لكونها متأكدة من أنه عاف القضية الفلسطينية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى