
تابع السوريون باهتمام بالغ التصويت على مسألة إلغاء “قانون قيصر” وهو الذي طالما ترك انعكاساته السلبية في الواقع الاقتصادي السوري، ومن ثم المعيشي، لكل السوريين بلا استثناء.
صحيح أن هذا القانون الأميركي بالأساس جاء في مواجهة نظام الإجرام الأسدي، ومن أجل محاصرته وكبح اشتغالاته الكبتاغونية، ومعاداته للإنسانية، واعتداءاته على شعبه بسلاح الكيماوي المحرم دولياً، إلا أنه ترك آثاره وذيوله السلبية على جملة الواقع السوري، وعلى كل حيوات الناس السوريين البسطاء، الذين عاشوا وعايشوا سنوات طويلة من القحط وقلة سبل العيش، والفوات المعيشي، وصولاً إلى حالة ونموذج الدولة الفاشلة اقتصادياً، في السنوات الأخيرة من عمر نظام الفاشيست الأسدي قبل 8 كانون أول 2024.
وعندما فر نظام بشار الأسد إلى موسكو، وسقط نظام الاستبداد، لم يعد من مبرر لا منطقياً ولا معقولياً أن يستمر ثقل “قانون قيصر” وكل العقوبات الأخرى كمعوق فعلي لعملية التنمية المزمعة في سوريا، بعد أن مضت سوريا في عملية البناء ومحاولات العمل حثيثاً على الاستقرار داخل أسوار الوطن السوري، وكان مطلباً شعبياً وحكومياً سورياً وكذلك من كل أصدقاء الشعب السوري، أن يتم رفع “قانون قيصر” من فوق كاهل الواقع السوري، ثم يعاد تأسيس العلاقة السورية الغربية ومنها الأميركية بالضرورة على أسس جديدة ومداميك بناء تقطع مع الماضي كلياً وتعيد بناء العلاقات بين سوريا والدول الأخرى وفق صيغة الاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التعدي على الآخرين، والالتفات بشكل فعلي، إلى اشتغال حقيقي وجدي على حالة الاستقرار والبناء وإعادة سوريا إلى موقعها الأصلي في بناء نفسها، والتعاون مع كل الدول على طريقة وصيغة المنافع المتبادلة والمشتركة.
لم يعد من مبرر لا منطقياً ولا معقولياً أن يستمر ثقل “قانون قيصر” وكل العقوبات الأخرى كمعوق فعلي لعملية التنمية المزمعة في سوريا، بعد أن مضت سوريا في عملية البناء ومحاولات العمل حثيثاً على الاستقرار داخل أسوار الوطن السوري
ونتيجة جهود دول صديقة وشقيقة للشعب السوري مثل المملكة العربية السعودية والدولة التركية، وكذلك دولة قطر الشقيقة، كان العمل ضمن السياسات الأميركية على الانتهاء من كل القوانين التي تثقل كاهل الشعب السوري ، ثم تنهي سنوات العذاب والقهر والحصار، والتوجه نحو الاستثمار في سوريا، والعمل ضمن مسارات إعادة الإعمار الأكثر ضرورة للسويين جميعاً ، ومن أجل عودة المهجرين قسراً إلى وطنهم مرة أخرى ، وكانت الخطوات جميعها توحي بأن التحرك كان جدياً على مسار الانتهاء من “قانون قيصر” حتى تم التصويت مؤخراً وإيجاباً عليه في مجلس النواب الأميركي، تهيئة لعملية إقراره من مجلس الشيوخ الأميركي، ثم توقيعه النهائي من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهو ما يمكن توقعه بالفعل بعد أن مر بسلاسة وانسيابية في مجلس النواب الأميركي.
اليوم وقد تم ذلك، فإن كثيرا من المتابعات والمتطلبات باتت تقع على كاهل الحكومة السورية حتى لا يفكر الأميركان مرة أخرى بالعودة إلى صياغات جديدة لقانون “قيصر” وما يشبه “قيصر”، وحتى لا يتم تعويق مسارات التنمية في سوريا التي سبق وأعلن عنها مراراً وتكراراً وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، من أن عام 2026 سيكون عام التنمية السورية وإعادة البناء، وهو عمل تنموي واقتصادي مهم للغاية لا بد له من الاستمرار، دون معوقات جدية.
ويبدو أن بعض المعوقات مازالت مستمرة ومتتابعة، ومنها بالطبع إشكالية شمال شرقي سوريا، وعدم الوصول بعد إلى آلية تنفيذية تؤدي إلى تطبيق فعلي وملموس لاتفاق 10 آذار 2025، الموقع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي.
إن التمنع من قبل “قسد” مازال مستمراً، فهي لا تريد تطبيق الاتفاق المذكور، ولا تود الاندماج الجدي والحقيقي داخل المؤسسة العسكرية السورية ومن ثم وزارة الدفاع السوري المركزية، ولا المدنية، إلا وفق شروطها التعجيزية، وخاصة ما يتعلق بموضوع إصرارها على مسألة اللامركزية السياسية، التي ستكون (كما يبدو) مدخلاً أساسياً وإجبارياً للفيدرالية والتقسيم، وهو موضوع دستوري لا يحق لأي فئة سورية فرضه على السوريين جميعاً دون عملية استفتاء ديمقراطية عليه.
إصرار “قسد” على البقاء ككتلة عسكرية كبرى ووازنة ومتماسكة، دون الموافقة على الاندماج أو التفتيت، داخل أتون المؤسسة العسكرية السورية الرسمية، يخلق حالة من التشظي والانقسام.
كذلك فإن إصرار “قسد” على البقاء ككتلة عسكرية كبرى ووازنة ومتماسكة، دون الموافقة على الاندماج أو التفتيت، داخل أتون المؤسسة العسكرية السورية الرسمية، كل ذلك ومعه مسار كل ما يتعلق بالجنوب السوري، واستمرار مجموعة الهجري العسكرية بخطف محافظة السويداء، والتعلق بإسرائيل، وسياسات بنيامين نتنياهو، وعدم القبول بالتعاطي مع حكومة دمشق مما يخلق حالة من التشظي والانقسام، وخطورة ذلك على المستقبل والواقع السوري، حيث تلعب إسرائيل بهذه المسألة، وتريد المساومة عليها عبر مفاوضاتها المتقطعة مع دمشق، تعويقاً للتفاهم الأمني المزمع بين دمشق وإسرائيل.
كثير من التحديات في سوريا أمام الحكومة السورية، التي من الممكن أن يتكئ عليها الفاعل الاستراتيجي الأميركي والغربي عموماً في لحظة زمنية ما، وبالتالي الانزياح إلى حجج وذرائع كي تعود المسألة إلى المربع الأول في عودة العقوبات لا قدر الله. وهو ما لا يجب أن يكون، ولا أن يصير، إذ إنه يكفي سوريا 14 عاماً من الحصار والقمع والقتل وقلة الحيلة، وبالتالي يفترص أن تعمل الحكومة السورية الحالية على الخروج كلياً من عنق الزجاجة، وإعادة صياغة العلاقة مع الداخل وكذلك الخارج وفق مصلحة السوريين وربط أواصر القربى و الحوار والتواصل بين كل الفئات الأثنية والطائفية والأيديولوجية في الواقع السوري، ومن ثم عدم السماح لأي عملية تعدٍ على أي مكون من مكونات المجتمع السوري وإعادة العمل على صياغة العقد الاجتماعي السوري الوطني الجامع، الذي يتم تأسيسه على فكرة الوطنية السورية أولاً، وإعادة إنتاج دولة المواطنة، ولا غيرها يمكن أن يتقدم عليها، بعد أن غيبها نظام الاستبداد الأسدي عقوداً طويلة، عانى الشعب السوري فيها وطوال 54 عاماً من الفساد والإفساد، وخطف الوطن السوري، وإشاعة جو من الرعب والخوف وقمع الكلمة الحرة ، وكم الأفواه، وتفتيت الواقع السوري، حتى باتت سوريا في آخر سلم حقوق الإنسان عالمياً، بعد أن تم هدر إنسانية الإنسان السوري، وإلغاء السياسة من المجتمع على يد الإجرام الأسدي وحكم العصابة الطغيانية الأسدية.
المصدر: تلفزيون سوريا





