غزّة في عيون أنجلينا جولي

معن البياري

كأنّ الأخبار التي تخصّ نجمة السينما الأميركية، أنجلينا جولي (50 عاماً)، لم تعد تتعلّق بجديد أفلامها ومشاركاتها في هذا المهرجان أو ذاك، وإنما تتوالى عن جديد تبرّعاتِها الخيرية ونشاطاتها الإنسانية، فإلى الأنباء التي تتكرّر عن مشاكساتها مع طليقها الأخير (أظنّه الثالث)، براد بيت، يحضُر اسمُها ناشطةً في شؤون اللاجئين والأيتام ومنكوبي الأمراض الصعبة والزلازل والحروب. ولمّا استقالت من عملها 20 عاماً سفيرةً خاصّةً لمفوّضية الأمم المتحدة العليا للاجئين قبل ثلاث سنوات، لم يتراجع حماسُها، ولم تتوقّف تبرّعاتُها وجهودَُها في العمل الإنساني والإغاثي والخيري. وكانت قد أفادت بأنّ استقالتها تلك جاءت رغبةً منها في “العمل مع أطرافٍ مختلفة”، و”على قضايا أوسع”. وفيما لم تكتمل ثلاثة أسابيع على “وقف إطلاق النار” في قطاع غزّة، نَرانا نقرأ عن إعلان نجمة فيلم “قلب عظيم” أنّها تنوي إنشاء قريةٍ إغاثيةٍ للأطفال الأيتام في القطاع، لتكون مأوىً آمناً ومساحة حياةٍ جديدةٍ لمَن فقدوا ذويهم في العدوان الإسرائيلي المستمرّ هناك. وذكرت في بيانٍ “أنّ أطفال غزّة يستحقّون الحياة والأمل مثل غيرهم من أطفال العالم”، وشرحت ما يهدف إليه مشروعُها، “تأمين السكن والرعاية الصحية والتعليمية والدعم النفسي للأطفال الذين يعيشون ظروفاً قاسيةً بعد أن فقدوا عائلاتهم”.
قد تأخذُك، عند قراءة هذا عن هذه القرية المزمَع أن تكون “متكاملة”، ضمن مشروعٍ ضخمٍ تشارك فيه مؤسّساتٌ إغاثيةٌ دوليةٌ عدّة، إلى غواية “جلْد الذات”، فتتساءل بشأن الصمَم الذي يُزاوله نجومٌ ونجماتٌ من أهل السينما والدراما العرب بخصوص ما يمكن به إسعاف ناس غزّة، وإنْ لا يكلّف الله نفْساً إلا وُسعها، وإنْ لا يجوز الخدْش في المشاعر الوجدانية والأخلاقية العالية لدى جمهرة الفنّانين العرب تجاه شهداء غزّة وجرحاها ومشرّديها ومجوّعيها في حرب الإبادة المعلومة. وإنْ يجوز التساؤل، في العموم، عمَّ يجعل شيئاً من نموذج أنجلينا جولي معدوماً (أو يكاد؟) في الفضاء العربي، مع التسليم المؤكّد بأنّ ثمّة فارقاً كبيراً بين المردودات المالية لدى نجوم السينما الأميركية (والعالمية) ونجوم السينما والدراما العربية، ومع تذكّر أنّ عادل إمام سبق وأن تبرّع بمبلغٍ سخيٍّ لصندوقٍ للقدس، ومع عدم إغفال مناسباتٍ وفعالياتٍ عديدةٍ شارك فيها نجومٌ عربٌ للتضامن مع فلسطين ولبنان ولجمع أموالٍ في حملات إنسانيةٍ في غير شأن. لكن الذي تُبادر إليه النجمة الأميركية، وجديدُه أخيراً في غزّة، يُبقي السؤال مسوّغاً.
قالت أنجلينا جولي إنّ “العمل الإرهابي” الذي حدث في إسرائيل يوم 7 أكتوبر لا يبرِّر قصف المدنيين. وكانت قد قالت، أياماً بعد ذلك الحدث الكبير، إنّ غزّة تتحوّل من سجنٍ مفتوحٍ إلى مقبرة جماعية، وزعماء العالم متواطئون في هذا. وقالت تالياً إنّ جرائم حربٍ تُرتكب في اعتداءٍ متعمّدٍ في غزّة، وأبدت أسفاً شديداً على إزهاق عديدٍ من “الأرواح البريئة” هناك، فيما لا قيمة “للمبادئ التي نتمسّك بها”. وليس منسيّاً أنّ الممثلة الحسناء التي سبق أن كانت الأعلى أجراً في “هوليوود” هوجمت بتسخيفٍ شديدٍ من إسرائيليين عندما تحدّثت عن مجاعةٍ في غزّة. وكان صنيعاً بديعاً منها أنها، في كلمتها في مهرجان كان السينمائي، ذكّرت الحضور بالصحافية الفلسطينية، فاطمة حسونة، التي قتلها جيش الاحتلال في غزّة. ولا يتّسع الحيّز هنا للاسترسال في مواقف عديدةٍ أشهرتها النجمة الشهيرة، وانتصرت فيها لفلسطينيي القطاع الذي تُرك للوحش الإسرائيلي. وكانت، في هذا كلّه، تواصل ما يدفعها إليه الحسّ الإنساني عالي الرواقية، وهي التي، للتذكير فقط، تتبنّى أربعة أطفال (كمبودي وإثيوبية وفيتنامي وسوري)، وسبق لها أن تبرّعت بمئة ألف دولار للاجئين السوريين، وخصّصت راتبها من مشاركتها في عمل إعلاني لنوع من العطور لمشاريع خيرية، كما تبرّعت بـ67 ألف جنيه إسترليني لأطفال اليمن، وبمليون دولار لمساعدة المؤسّسات المعنية بالأطفال ضدّ فيروس كورونا. وهذا قليلٌ من كثير، يشمل تبرّعاتٍ منها لمنكوبين في العراق ودارفور في السودان، ما يفيد بأنها منتبهةٌ إلى كوارث الحروب والنزاعات الأهلية في بعض بلادنا العربية.
… تحيّة إلى أنجلينا جولي، إذن.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى