انتخابات المجلس التشريعي   الواقع… والمأمول

الكثير من السوريين لم تعجبْهم الآلية الانتخابية، لاختيار “مجلس الشعب” العتيد، المرتقب، وكثيرون نظروا إلى هذه الطريقة، التي تم هندستها وجرت “الانتخابات” وفقها، بعين الشك والريبة؛ لأنها لم تأتِ إلا بمؤيدي السلطة وداعميها، عدا عن أن الأمر كله، من وجهة نظرهم، وأولاً وأخيراً، بيد شخص رئيس الجمهورية أحمد الشرع؛ ما يعني الغياب المطلق لأي شكل من الديمقراطية المأمولة والمنتظرة، التي ضحَّى لأجلها ملايين من السوريين، خصوصاً أن ثلث المجلس المتبقي (70 نائباً) سيعينهم، في القريب العاجل، أيضاً، رئيس الجمهورية أحمد الشرع، هذا إلى ما كشفته هذه الآلية من عيوب، وأسفرت عنه من نتائج غير مرضية، أو مقنعة، لقطاعات واسعة من السوريين، عدا أنها لم تشمل ثلاث محافظات بحكم قوى الأمر الواقع المارقة.

في أحسن الأحوال، ومن منطق حسن النية بأصحاب تلك الأُطروحات، لا بد لنا من القول: إننا نتفق مع بعض ما يقال، ودوافعه الوطنية، المنطلقة من الحرص على بناء سورية جديدة، تستجيب لما ثار لأجله السوريين، ولكن من موقعنا الوطني ذاته مع هؤلاء المنتقدين، وليس المتربصين بالتجربة والواهمين بمثالياتهم المفرطة، أو المتعصبين الأيديولوجيين، لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف والمعوقات التي تحكم الظرف السوري الحالي، الاستثنائي، الانتقالي، المتعذر معه، بل من المحال، إجراء انتخابات ديمقراطية حرة، نزيهة، مستوفية لشروطها، بالنظر لوجود ملايين من السوريين، حتى الآن، بعيداً عن ديارهم، وخارج أماكن إقامتهم، وزيادة على ذلك، الحاجة القصوى لإجراء إحصاء سكاني يستجيب للولادات وغير المسجلين في قيود السجلات المدنية، والوفيات الطبيعية أو بسبب الاعتقال والاختفاء القسري، أو بدع وطرق الموت والابادة الجماعية الأخرى، إضافة إلى أن مناطق واسعة من الدولة السورية خارجة عن سلطة الدولة المركزية، بل ومتمردة عليها، هذا عدا عن محاولات أطراف عديدة زعزعة الأمن والاستقرار، وتقويض السلم الأهلي، وهو ما يمنع فعلياً إجراء أي انتخابات تتوفر فيها شروط الحرية والنزاهة والشفافية.

من المهم النظر إلى ما جرى على أنه ضرورة وطنية قصوى لا بد منها لاستكمال مستلزمات المرحلة الانتقالية، وإعطائها شكلاً من الشرعية الجماهيرية، وبالنظر إلى ضرورات التأسيس لمرحلة جديدة، أيضاً، لا بد من شكل رقابي على السلطات التنفيذية يستطيع المساءلة والإشراف بمعنى ما، ولو بالحد الأدنى، والأهم من كل ذلك وضع هذه الخطوة في سياقها الطبيعي على أنها مؤقتة وانتقالية، بمعنى أنها لا تملك حق البت في القضايا الكبرى والاستراتيجية بعيدة المدى، من مثل المصادقة والتصويت على توقيع أي اتفاق سياسي مع “إسرائيل” حتى تتوفر لها شروطها وعبور هذه المرحلة.

لا شك لدينا إطلاقاً بأن طموح الغالبية الساحقة من السوريين، ونحن منهم، هي التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم، ونوابهم، في ظروف آمنة، ومستقرة، وفي ظل حالة تنافسية بين شخصيات وقوى اجتماعية، وحزبية سياسية، تنتمي إلى تيارات متعددة، واتجاهات متنوعة، تستطيع في المآل أن تحمل آمال وتطلعات السوريين في حياة حرة كريمة، وفي ظل دولة قانون، ومواطنة، يتساوى فيها الجميع، مهابة، وتتمتع بالاستقلال، والسيادة الكاملتين.

لقد كشفت ” الانتخابات” التي جرت عن عيوب فاضحة لا تليق بالسوريين، وتطورهم التاريخي والحضاري، مثل غياب تمثيل المرأة، بما يليق بمكانتها ودورها المجتمعي، وبما تحملته من أعباء ثقيلة في مرحلة الثورة خلال أربعة عشر عاماً، ومثل مقدرة بعض فلول النظام البائد وأتباعه من العودة إلى المشهد العام من أوسع أبوابه، وبما يشكل عيباً أخلاقياً ووطنياً غير مقبول البتة، ومن مثل غياب الكفاءات العلمية، والأكاديمية، عن مقاعد المجلس، وغلبة تيار أبناء الثورة وحملة لوائها، ربما دون خبرة ومعرفة كافيتين في قضايا التشريع ومستلزمات المرحلة الحالية بكل تفاصيلها، ومن مثل غيرها من القضايا، والمشاكل، التي من المأمول، والمنتظر، أن يعالجها رئيس الجمهورية من خلال الإضافات المنتظرة، في قادم الأيام، لاستكمال المؤسسة التشريعية، التي دونها لن تستطيع الدولة السورية الإقلاع ومداواة جراحها.

ما تم خطوة لها الكثير من الإيجابيات وعليها الكثير من السلبيات، ولكن لا بد منها لعبور هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من تاريخ سورية وإعادة بنائها على أسس حديثة وعصرية.

ومن الخطأ الكبير قياسُ هذه التجربة البسيطة بمقاييس الدول المستقرة، والديمقراطية المتقدمة، صاحبة الأعراف والتقاليد العريقة في ممارسة الحقوق وتطبيقاتها، والواجبات ومستلزماتها.

ثمة ملاحظة، هنا، لابدّ من التوقف عندها وهي أن حاضنة الادارة الجديدة، الشعبية، بمجملها زينت الخطوة وباركتها، وهذا لا يعني أن بعضهم انتقدها، وأن معظم من يرفضونها شكلاً ومضموناً، هم ممن وقفوا، منذ البداية، ضد وصول التيار (الجهادي الإسلامي) إلى السلطة، وبالتالي لن تعجبهم مواقف السلطة، وما تقوم به سواء كان في مصلحة سورية والسوريين أو غير ذلك، حتى لو استطاعت أن تأتي لنا بالمعجزات، وبعض هؤلاء عندما يقدمون حلولاً علاجية، لا يجدون بداً، إلا أن تمر عبر مقام رئاسة الجمهورية، ومن خلال أحمد الشرع نفسه…!!

سورية تحتاج إلى الكثير على طريق التعافي، وبداية لأبنائها المخلصين، للنهوض بكافة الأعباء التي حملتها من آثار المرحلة البائدة، والذين يستطيعون تقديم شيء مفيد لها غير الكلام، والنقد السلبي الدائم، وتصيد الأخطاء، والنظر إلى النصف الفارغ من الكأس.

7
0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى