ماذا تعني خطة ترامب بشأن غزة لمستقبل سوريا؟

  محمود علوش

يُعتبر الشرق الأوسط ساحة معقدة اختبرت طموحات العديد من الرؤساء الأميركيين، وغالبًا ما شكّلت تحديًا كبيرًا لهم. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ توليه الرئاسة في ولايتيه الأولى والثانية، يسعى إلى تحدي هذه الحقيقة من خلال مبادرات طموحة تهدف إلى إعادة صياغة ديناميكيات المنطقة.

من بين هذه المبادرات، خطته الأخيرة التي تهدف إلى إنهاء الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، والتي استمرت لعامين. وقد أظهرت هذه الخطة، التي لاقت نجاحًا ملحوظًا، عزم ترامب على تحقيق اختراق سياسي غير مسبوق. لكنه لا يكتفي بهذا الإنجاز، بل يطمح إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط انطلاقًا من بوابة غزة.

وعلى الرغم من تصريحاته المتفائلة في الكنيست الإسرائيلي حول دخول الشرق الأوسط “عصرًا من السلام”، والتي قد تبدو متجاوزة للتعقيدات التاريخية والسياسية للمنطقة، بما في ذلك الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن طموحه يظل واضحاً في السعي لتحقيق إنجاز كبير في المنطقة.

أقصى ما قد يحققه ترامب، في الوقت الراهن هو التوصل إلى اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل  تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثامن من ديسمبر 2024.

هذا الطموح يثير تساؤلات جوهرية عن تداعيات خطته على سوريا، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد قبل قرابة العام، والتي برزت بشكل خاص في مواجهة التحديات الإسرائيلية. إن الاعتقاد السائد على نطاق واسع الآن أن نجاح ترامب في إنجاز خطته في غزة سيفتح الباب أمامه لتوسيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والعالم الإسلامي. وتبدو سوريا الآن طرفاً يُمكن أن ينضم بالفعل إلى هذه الاتفاقيات أو على الأقل يُمكن أن يُحدث خرقاً في العلاقة مع إسرائيل من بوابة إبرام اتفاقية أمنية.

يتركز اهتمام القيادة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، على كيفية تأثير هذه الخطة على مستقبل سوريا، لا سيما في ما يتعلق بالتعامل مع السياسات الإسرائيلية التي شكلت عائقًا كبيرًا أمام استقرار البلاد. يأمل الشرع أن يتمكن ترامب من ممارسة ضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ربما من خلال توجيه رسالة واضحة تطالبه بالتخفيف من التصعيد في سوريا. ومع ذلك، تظل هذه الآمال محاطة بحذر، نظرًا للتعقيدات التي تحيط بالعلاقات السورية-الإسرائيلية. فأقصى ما قد يحققه ترامب، في الوقت الراهن هو التوصل إلى اتفاقية أمنية بين سوريا وإسرائيل تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثامن من ديسمبر 2024، وهي خطوة قد تكون ضرورية لسوريا في هذه المرحلة الحرجة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في العواقب الطويلة الأمد لهذه الاتفاقية، حيث يسعى ترامب إلى دفع سوريا نحو الانضمام إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهو هدف قد يتطلب تنازلات كبيرة من دمشق، بما في ذلك قضية الجولان المحتل.

كانت الفرصة سانحة لإبرام اتفاقية أمنية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2025، لكن عودة إسرائيل إلى طرح فكرة “الممر الإنساني” إلى السويداء عطّلت هذا التقدم. ومع ذلك، يُتوقع أن يواصل ترامب، من خلال مبعوثه الخاص إلى سوريا توم باراك، الضغط على الطرفين للتوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب. نجاح ترامب في فرض خطته بشأن غزة على نتنياهو يعزز من قدرة إدارته على دفع إسرائيل نحو تسوية مماثلة في سوريا. وتشير المبادرات الأميركية الأخيرة، مثل موافقة مجلس الشيوخ على إلغاء قانون قيصر للعقوبات، وتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لرفع العقوبات عن الرئيس أحمد الشرع وشخصيات سورية أخرى، إلى تصميم ترامب على إعادة صياغة العلاقات الأميركية-السورية بشكل جذري.

من بين التداعيات المحتملة لخطة ترامب بشأن غزة على سوريا، تأثيراتها على التعاون الأميركي-التركي والعلاقات التركية-الإسرائيلية في سوريا.

ومع ذلك، يبقى هامش المناورة المتاح أمام نتنياهو في سوريا عقبة كبيرة أمام تحقيق اختراق في العلاقات السورية-الإسرائيلية. فهو يستمد قوته من رغبة ترامب الشديدة في تحقيق هذا الاختراق، مما يمنحه نفوذًا دبلوماسيًا. من وجهة نظر نتنياهو، فإن أي ثمن للسلام يجب أن تتحمله سوريا وليس إسرائيل، وهو موقف يعقّد المفاوضات. بالتوازي، تبرز قضية أخرى لا تقل أهمية، وهي مطالب سوريا من الولايات المتحدة بشأن ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد). تشير الزيارة الأخيرة لتوم باراك إلى الحسكة، ولقاؤه بقائد قسد مظلوم عبدي، إلى جانب لقاء الأخير مع الرئيس الشرع في دمشق، إلى جهود أميركية لتيسير اتفاق بين قسد ودمشق قبل انتهاء المهلة المحددة لتطبيق اتفاقية الاندماج بنهاية العام الجاري.

من بين التداعيات المحتملة لخطة ترامب بشأن غزة على سوريا، تأثيراتها على التعاون الأميركي-التركي والعلاقات التركية-الإسرائيلية في سوريا. خلال العامين الماضيين، بقيت تركيا على هامش قضية غزة، لكنها نجحت مؤخرًا في حجز مكان لها على طاولة المفاوضات إلى جانب الولايات المتحدة وقطر ومصر، لتشارك في رعاية اتفاق إنهاء الحرب وتشكيل مستقبل القطاع. هذا الدور، الذي جاء بدعم من حركة حماس تقديرًا لمواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعكس أيضًا رغبة ترامب في إشراك تركيا في الترتيبات الإقليمية الجديدة. يهدف ترامب من خلال هذا الإشراك إلى تعزيز فرص نجاح خطته، مع التمهيد لإطار تعاوني بين تركيا وإسرائيل في قضايا إقليمية، بما في ذلك سوريا. تحقيق هذا الهدف قد يؤدي إلى إنشاء ديناميكيات إقليمية جديدة، قادرة على إدارة التوترات التركية-الإسرائيلية في سوريا.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى