
البرلمان هو أحد طرائق تمثيل الشعب في قيادة الدولة وهو جزء من السلطات التي تقودها، وهو إشارة ديمقراطية إلى أن نظام الحكم ليس بيد جهة واحدة فحسب مما يمنع الاستبداد ويحقق العدل حيث يشرِّع القوانين، ويراقب عمل الحكومة ويجعل التوازن أحد أدوات الحكم، ويفتح باباً للتنوع وبناء الثقة، وتحقيق تمثيل للشعب خاصة في مراحل ما بعد النزاع.
والبرلمان جزء من نظام الحكم الجمهوري كما الحالة السورية حيث تختلف بحسب توزيع السلطات وعلاقة الرئيس بها، ومن المهم التذكير بأن الجمهوريات عامة يكون فيها نظام حكم رئاسي أو برلماني أو شبه رئاسي أو الديمقراطية الشعبية،،،وفي سوريا نظام الحكم شبه رئاسي فالرئيس هو أس السلطة التنفيذية حيث يعين الوزراء ويصدر القوانين وهو القائد العام للجيش ورئيس مجلس الوزراء.
من المهم التذكير أن سوريا عبر تاريخها لم تشهد حياة برلمانية ديمقراطية (كما يتوهم كثيرون) إلا خلال فترة محدودة في الخمسينيات، وأن العسكر كانوا يسيطرون على الحكم ويرسمون كل ملامح الحكم والسياسة الداخلية والخارجية حتى لو أخذوا بمظاهر الديمقراطية كلها أو لجؤوا إلى الأحزاب للمحافظة على شكليات قيادة الدولة!
حين تقرأ هذه السطور عزيزي القارئ سيكون نحو 7000 مواطناً سورياً من الهيئات الناخبة مشغولين باختيار 128 نائباً للسوريين بما أنه لن تجري انتخابات في السويداء وستجري بشكل جزئي في كل من الحسكة والرقة من 1578 مرشحاً (الأرقام تقريبية لأنها خضعت لأكثر من عملية فلترة واستبعاد واستبدال بعد الطعون الانتخابية…).
قبل مرور عام على انتصار ثورتهم، يخوض ممثلو الشعب السوري في الهيئات الانتخابية تجربة إضافية جديدة تعد من ثمرات الانتصار، الذي طال انتظاره، وقد سمعت من كثيرين، حرصوا على أن يكونوا جزءاً من هذه الهيئات لأنها أول هيئة انتخابية، ويعتقدون أنه منوط بالناجحين استحقاقات كثيرة لها علاقة ببناء الدولة في المرحلة الجديدة مما يجعل أثرها كبيراً ليس بصفتها عضوية برلمان بل بضفتها مرحلة تأسيس لاستراتيجيات دولة واستكمال لمرحلة الثورة من خلال بناء الدولة.
حتى هذه اللحظة لا يعرف عدد كبير من السوريين الفرق بين الطريقة التي سينتخب فيها البرلمان الحالي والانتخاب المباشر، وما هي السلبيات والإيجابيات لكل منها، وعلى الرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات حرصت على توضيح ذلك المرة تلو الأخرى، إلا أن سوريين كثيرين وجدوا في تلك الطريقة غير المباشرة للانتخاب خيبة أمل لهم، إذ وجدوا أنفسهم بعيدين عن الانتخاب المباشر الذي يشبع رغبة طقوس الانتخاب وملء حاجة الشعور بالقدرة على القرار والانتخاب، علماً أن تاريخ البرمان السوري سبق أن شهد مثل هذه الطريقة من قبل، وفي الأحوال كلها في البلدان التي لم تتحقق فيها الكفايات الأساسية للمواطن وليس فيها أحزاب وهوياتها الفرعية في حالة غليان والوعي بدور الانتخابات ليس كافياً، يغدو من الصعب الحديث عن انتخابات ديمقراطية!
يقارن كثيرون بين البرلمان السوري 2025 والمؤتمر السوري العام الذي انعقد عام 1919 في النادي العربي بجاني مقهى الهافانا بدمشق، ويحلو لهم القول إنه شكل من أشكال البرلمان في إشارة إلى أنه تمثيلي مع أن العديد من أعضائه كانوا من سوريا الطبيعية وليس سوريا سايكس بيكو، ويبحث عدد كبير من السوريين في كتاب مازن الصباغ: سجل البرلمان ومجلس الشعب السوري (الذي رأس شقيقه حمودة الصباغ أخر مجلس نيابي في عهد بشار الأسد) يقارنون بين العدد والأسماء والطريقة.
ينظر سوريون كثيرون إلى الشروط التي أعلنتها اللجنة الانتخابية والتفاصيل ويرون أنها شروط مطاطة، وغير واضحة في جوانب عدة، مع أنها جاءت نتيجة لحوارات وجولات في مختلف المحافظات السورية وممثليها، وكذلك حوارات مع منظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات والمثقفين والوجهاء كما يقول المدافعون عنها، وهو الذي صادق عليه الرئيس السوري أحمد الشرع وأصدره برقم 43 لعام 2025.
هناك وجهات نظر مختلفة في المقاعد (الثلث) التي سيعينها الرئيس (70 مقعداً) حيث حرص كثيرون على القول: إننا نريد أن نكون من حصة الرئيس! في حين يرى آخرون أنها استمرار للصوت الواحد والسيطرة على الحكم، وينظر آخرون أنها هي التي ستعدل خيارات الكتل الاجتماعية الوازنة والتحالفات وأنها صمام أمان في المجتمعات التي تعلو فيها هويات ما قبل الدولة حيث هناك فرصة لتشكيل كوتا للنساء مثلاً وكذلك الشرائح الهشة والأقل تمثيلاً.. في حين دعا آخرون من باب ثقتهم بالرئيس والنصر إلى تعيين كامل الأعضاء من قبله!.
ترشيح اليهود السوريين يعود لأول مرة بعد صدور قرار عام 1967 بمنعه، من خلال المرشح هنري يوسف حمرة الذي اقتصر برنامجه الانتخابي على إلغاء قانون قيصر وسوريا موحدة و ازدهارها وتنميتها.
ربما كان آخر عضو يهودي بالبرلمان السوري هو عزرا أزرق 1943 وتشير المصادر إلى الوجيه ورجل الأعمال يوسف لنيادو 1932 الذي تم اختياره كجزء من الكتلة الوطنية.
طريقة عمل اللجنة العليا للانتخابات تشير إلى جدية ومسؤولية عاليتين في التعاطي مع الانتخابات ولم تقتصر جهداً في الاستماع إلى الملاحظات أو التعاطي مع المرشحين أو الناخبين أو المواطنين، وقد كسرت اللجنة بمثابرتها ومرونتها وطريقة عملها الصورة التقليدية في سوريا للجان وعطلت الحكمة السورية القديمة: إذا أردت تمييع عمل فشكل له لجنة!
السوريون خارج سوريا يتساءلون خاصة في ألمانيا (أكثر من مليون سوري) وقد مثلوا بالوزارات لماذا سيغيبون عن البرلمان وهل سيتفقدهم الرئيس في القسم المخصص له أم لا؟
البرامج الانتخابية للمرشحين تشي بالحرية في صياغتها وكذلك التفاوت بين المرشحين وهو ناجم عن عدم وجود حياة سياسية سورية، إذ إن هناك مرشحين قدموا خططاً عملية وأطراً زمنية وتصورات كافية ليتعرف إليهم المواطن والناخب، في حين بقي كثيرون ضحايا شعارات سابقة: (انتخبوا ممثلكم الذي لم تلد النساء مثله!).
المؤكد أن نتائج الانتخابات ليست آخر المطاف بل هي محطة من محطات تاريخ سوريا الجديدة وبناء الدول يحتاج وقتاً طويلاً، وتتكامل جهود مواطنيه في بنائه. وإن كنتَ تعتقد أن الفرصة قد ذهبت عليك وليس لديك الرغبة في أن تفوتك أو تتخلى عن جنسيتك الأخرى، فهذا له وقته وزمانه، والأيام حبلى بالفرص. صحيحٌ أن تصفيات الهيئات الانتخابية لم تشف غليل كثيرين، حيث يشعرهم ذلك بأن ثورتهم لم تنتصر، ونجح شبيحة كثيرون في التسرب إلى الهيئات الناخبة أو المرشحين! الوسيلة والحيدة هي نشاط الفيس بوك وليس لدى الدولة الجديدة استمرار لتاريخ الدولة السابقة!.
هناك فرصة اليوم لدى السوريين: قيادة وشعباً وناخبين لإعادة مفهوم البرلمان إلى حالته الطبيعية كما في الدول الأخرى، بعد أن شوهه حكم الأسد، حيث حوله إلى: لوحة سيارة وتوظيف أشخاص وتكريس لحالة العشائرية والاستقطابية والتنافرية والأمية وإضفاء الشرعية على وجهات نظر الرئيس والقوى التقليدية والقوية، وليس عامل وئام وبناء وتطوير ورقابة وتشريع واستجابة لحاجات المجتمع وتغيراته!
المصدر: تلفزيون سوريا