سوريا الجديدة… حقائق الوحدة وأوهام الانفصال

ماجد عزام

أكد الرئيس أحمد الشرع مراراً خلال لقاءات شعبية ورسمية خلال الفترة الماضية أنه لا إمكانية لأي خطط ومشاريع انفصالية، والأمر يتعلق بأوهام غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وبعد معركة التحرير تعيش سوريا الجديدة الآن معركة أو مهمة الوحدة حسب تعبيره الحرفي.

وهذا صحيح إلى حد بعيد، في ظل كسر الخطط والمشاريع الانفصالية نظرياً منذ سقوط النظام، وعدم وجود أطراف خارجية ولا حتى داخلية ولأسباب متعددة سياسية وجيوسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية قادرة فعلاً على تحويل أوهام الانفصال إلى وقائع مع سيرورة النهوض الداخلية المتسارعة – يحسدها الخصوم والأعداء ويغبطها الحلفاء والأصدقاء – وعلى مستويات عدة لإعادة بناء ما دمره وأحرقه نظام البعث وآل الأسد خلال ستة عقود، ومظلة الحماية الواسعة والراسخة والجدية عربياً وتركياً وأوروبياً وأميركياً ودولياً، لاستقرار سوريا الجديدة ووحدة وسلامة أراضيها بموازاة ورشة أو ورش العمل والبناء الداخلي، ولا يقل أهمية عما سبق كله تاريخياً وفكرياً وسياسياً. حقيقة أن نظام بشار الأسد كان الراعي الفعلي للمشاريع والخطط الانفصالية ولو بشكل غير رسمي عبر التخلي الطوعي عن السيطرة على مساحات واسعة من أراضي البلاد لبث الفوضى والفتنة فيها، واستقدام واستجداء الغزاة الأجانب للتشبث بالسلطة، والبقاء فيها ولو صورياً تحت حمايتهم، ضد إرادة الشعب السوري الثائر، وسقوطه يعني منهجياً بالتأكيد والتبعية سقوط تلك المشاريع والخطط والكيانات الانفصالية.

بعد الفشل واليأس من مواصلة التحكّم والهيمنة على كامل سوريا التاريخية العظيمة سرّع نظام الأسد نفسه وغذّى الانفصالية عبر أفكار ومصطلحات من قبيل “سوريا المفيدة” التي أسماها بشار الأسد نفسه فيما بعد “سوريا المتجانسة“.

إذن، ومنذ بداية الثورة طرح النظام الساقط معادلة “الأسد أو نحرق البلد”، ثم وصل الجنون والغطرسة إلى توسيعها إقليمياً لتصبح “الأسد أو نحرق المنطقة”، وتضمن سياق المعادلتين التخلي عن مناطق ومساحات واسعة من البلاد، وزرع بذور الانفصال والفوضى والتقسيم، وإجبار اللاجئين على الهجرة القسرية، لابتزاز الدول المجاورة ودفعها لدعم النظام والتغاضي عن جرائمه بذريعة استعادة الاستقرار ووقف تدفق اللاجئين.

مع ذلك لم يفكر الثوّار الحقيقيون الأصليون أبناء سوريا التاريخية العظيمة أبداً بالانفصال، وتصرفوا تماماً مثل أم الصبي عبر التمسك بوحدة البلاد كلها حتى لو حكمها الطغاة واحتلها الغزاة بانتظار تحريرها الحتمي، مع فهم صحيح لقاعدة “الطغاة يجلبون الغزاة”، وبالتالي فإسقاط الطغاة يعني حكماً جلاء الغزاة.

بعد الفشل واليأس من مواصلة التحكّم والهيمنة على كامل سوريا التاريخية العظيمة سرّع نظام الأسد نفسه وغذّى الانفصالية عبر أفكار ومصطلحات من قبيل “سوريا المفيدة” التي أسماها بشار الأسد نفسه فيما بعد “سوريا المتجانسة”، وكان استقدام الغزاة على اختلاف مسمياتهم وحيثياتهم وشرعنة وتسويغ وجودهم مقابل بقاء النظام والسيطرة على أقل من نصف البلاد شكلاً، كونه لم يتحكّم تماماً بالمناطق الخاضعة لسيطرته، التي باتت أقرب إلى إدارات الحكم الذاتي، والقرار فيها فعلاً لروسيا وإيران وميليشياتها وأذرعهم داخل بقايا نظام الأسد الذي كان قد سقط فعلاً منذ تجاوز الشعب السوري حاجز الخوف، وكسر جدار الصمت، وخطّ أطفال درعا بأناملهم الرقيقة “يسقط الدكتاتور”.

جاء كسر انقلاب جبل العرب الذي دعمته إسرائيل، وبات ميّتاً سريرياً مع اتفاق وقف إطلاق النار – منتصف تموز – الصامد، والحقائق السياسية والجغرافية والجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية على الأرض، ورفض الممر الإسرائيلي، والتأكيد على كون الممر الوحيد للجبل تجاه دمشق.

وعلى سبيل المثال فقد كانت “سوريا المفيدة” فعلاً والغنية بثرواتها الطبيعية، النفط والغاز والقمح، تحت سيطرة أميركا و”قسد” شرق نهر الفرات، وفي حين غض النظام الطرف بل وتعاون مع المشاريع والكيانات الانفصالية، كانت تركيا مثلاً، كما الثوار بالطبع، أكثر إصراراً وتصميماً وعناداً من النظام بمواجهتها لتداعياتها السلبية المباشرة على المصالح التركية ووحدة وأمن واستقرار البلاد.

وعليه وبعد التحرير والانتصار، وسقوط النظام، سقطت منهجياً ومبدئياً معه خطط التقسيم والانفصال، وما عدا ذلك بات قصة وقت وتفاصيل وتجليات.

بتفصيل أكثر، ومع الورشة الداخلية وسيرورة النهوض وإعادة البناء، خاصة بقطاع الطاقة الحيوي والمؤثر على جميع مناحي الحياة، والقيام بخطوات دستورية وسياسية لإعادة بناء المؤسسات التي أبقت، ورغم بعض الإخفاقات والانتقادات، عربة سوريا الجديدة على السكة الصحيحة.

في سياق حقائق الوحدة وأوهام الانفصال لا ينفصل عما سبق كله كسر انقلاب فلول النظام بالساحل – آذار الماضي – الذي رعته إيران المهزومة والمحاصرة سورياً وإقليمياً، مع ضرورة عدم التعميم على أهل الساحل وحقهم الأصيل بالمواطنة والتنمية والشراكة الكاملة بسوريا الجديدة.

بالسياق نفسه جاء كسر انقلاب جبل العرب الذي دعمته إسرائيل، وبات ميّتاً سريرياً مع اتفاق وقف إطلاق النار – منتصف تموز – الصامد، والحقائق السياسية والجغرافية والجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية على الأرض، ورفض الممر الإسرائيلي، والتأكيد على كون الممر الوحيد للجبل تجاه دمشق، في حين تخلت تل أبيب رسمياً عن دعم خطة الانفصال مع مزاعم الدفاع عن أمن الدروز للابتزاز والمساومة لتحقيق أهدافها في الاتفاق الأمني الذي يجري التفاوض عليه لجهة رفض الانسحاب من قمة جبل الشيخ الاستراتيجية والعودة لما قبل 8 كانون الأول، مع الإشارة إلى رفض سوريا الجديدة المساومة على هضبة الجولان أو الاعتراف بضم تل أبيب غير الشرعي لها.

كانت معركة التوحيد مكوناً أصيلاً في معركة التحرير، وسقوط النظام أنهى عملياً المعركة في سياقها العسكري المباشر، وأبقاها في السياقات السلمية السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية.

إلى ذلك تجب الإشارة إلى خارطة الطريق الثلاثية السورية العربية الدولية لجبل العرب، وبسط سيطرة السلطات الشرعية على معظم أراضي المحافظة باستثناء المدينة وبعض المناطق حولها، مع إبقاء اليد ممدودة للمدينة وأهلها، وتراجع طلبات الحماية الأجنبية، والاقتناع بأن إسرائيل ليست بوضع يسمح لها بذلك، رغم الضخّ الدعائي، حيث لا اجتياح ولا احتلال ولا تدخل فعلي، أياً كانت المسميات الحركية التي طرحت بالمرحلة السابقة.

بالجوهر وعلى صلة كانت الثورة قد أفشلت عملياً الممر – الكيان الانفصالي شمال شرقي البلاد المحمي أميركياً بثلاث عمليات عسكرية مشتركة مع تركيا، وسقوط النظام كان محطة تأسيسية ونقطة مفصلية لوهم الانفصال الذي عفا عنه الزمان، حيث لم تعد واشنطن داعمة لأخطر الخطط والمشاريع الانفصالية، ثم جاء اتفاق 10 آذار ليدفنها إكلينيكياً، حتى مع التحايل والتذاكي واستغلال أجواء الانقلابين في الساحل وجبل العرب ضمن حملة دعائية مكثفة ضد القيادة الشرعية وسوريا الجديدة وشيطنتها.

في الأخير وباختصار، كانت معركة التوحيد مكوناً أصيلاً في معركة التحرير، وسقوط النظام أنهى عملياً المعركة في سياقها العسكري المباشر، وأبقاها في السياقات السلمية السياسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، ويحتاج الأمر بالضرورة إلى صبر ونفس طويل، وتغليب الحوار على قاعدة سلامة ووحدة أراضي سوريا الجديدة ضمن لا مركزية إدارية ولو موسعة، لكن مع مركزية قوية سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية بالعاصمة التاريخية دمشق.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى