حــــرب 1973 : هــــل تـــســــــــتــــحــــق الاحـــتــــفـــــــــــال ؟!

محمد خليفة

هل العمليات العسكرية الروسية في سورية عدوان وغزو أم حرب على الارهاب ..؟

هذا السؤال السخيف اصبح سؤالا جديا وإشكاليا لا يتفق العرب على اجابة موحدة له . والانقسام هنا لا يقتصر على الحكومات والانظمة , بل يمتد الى الاحزاب والمنظمات والنخب الثقافية .

وقبله كان سؤال أسخف : هل ما يقوم به نظام الاسد وجيشه الباسل منذ خمس سنوات إجراما لا سابق له ولا مبرر أم هو دفاع عن محور المقاومة وسوريا الصامدة في وجه العدو الاسرائيلي ..؟

هذا السؤال البسيط استغرق خمس سنوات من الجدال والسجال بين العرب ولم يستطيعوا الاتفاق عليه .

الجامعة العربية التي احتجت قبل شهرين على قيام بضع طائرات تركية بقصف معاقل المقاتين الاكراد في جبال قنديل واعتبرتها انتهاكا سافرا لسيادة العراق , الدولة العربية العضو بالجامعة , هي نفسها الجامعة التي لا ترى ولا تغضب لسيادة سورية التي تنتهك وتغتصب من ايران ومن روسيا فتصمت صمت القبور . ولعل الأوصياء عليها يؤيدون ويباركون العدوان الروسي , كما سبق أن باركوا وأيدوا انجازات الأسد العسكرية في حماية سورية من المؤامرة الكونية والامبريالية .

هناك دمار في البنى الفكرية والسياسية في العالم العربي يشبه صور الدمار الذي نراه في سوريا جراء الحرب الهمجية لمحور المقاومة والممانعة . هناك اهتراء وتعفن على مستوى المفاهيم والمبادىء والمنظومات الفكرية التي سادت خلال مرحلة الانحطاط التي بدأت في السبعينات وما تلاها .

قبل أن نبحث في اسباب انهيار الجامعة العربية علينا أن نبحث عن عملية اقتلاع جذور مفاهيم الامن القومي العربي , والتضامن العربي , والتعريفات التي كنا نتفق عليها فيما يتعلق بمن هو العدو ومن هو الشقيق ومن هو الصديق, وما هي هويتنا او الهويات التي اخترناها لأنفسنا , قبل هذا علينا أن نعيد النظر في اختياراتنا الحضارية والقومية وهوياتنا وانتماءاتنا التي ابتكرها كل طرف من العرب بديلا عن الخيار العربي الجماعي السابق الذي ائتلفنا عليه في العقود الستة الأولى من القرن العشرين .

انهارت المفهومات والمنظومات العربية السابقة , وخلعت النخب جلودها , ومزقت هويتنا التاريخية , فصار لزاما وحتميا انهيار المؤسسات القومية والعربية بل والاسلامية الجامعة وافلاسها وموتها السريري تدريجيا , وصار طبيعيا أن يدمر بعضنا بلاده ويقتل شعبه لكي يستمر في السلطة على انقاض البلد وجماجم الناس , ويغزو الايرانيون اربعة بلدان عربية وتغزو روسيا سوريا وتضرب وتقتل , وغالبية العرب بين متفرج ومؤيد .

كل العرب في العصر الحديث تقريبا اشتركوا في جريمة تكريس الاستبداد وتمجيده , ووأد الديمقراطية ورفضها ثقافة ونهجا وخيارا . ولذلك تكرست الديكتاتوريات وعبادة الفرد وتأليه السلطة , وما زال كثير من النخب تضفي على سفاح مثل بشار الاسد أكاليل الغار وتاج البطولة والمقاومة .

لم يأت هذا من فراغ , بل هو حصاد ما زرعناه خلال اربعين سنة .

نقطة البداية كانت في الانقلاب الذي جرى بعد حرب اكتوبر 1973 . ولذلك اقول غفر الله لمن ذكرنا بالسادس من اكتوبر , (آخر الحروب العربية مع اسرائيل) كما قال أنور السادات , وكما نفذ حافظ الأسد , وبقية أولي الأمر في الدول العربية .

 تذكر هذه الذكرى أصبح كابوسا , لأنها تتناقض مع ما في الواقع العربي من حقائق ومعطيات قومية جيبوليتيكية واديولوجية . وإذا كان لتذكرها الآن من جدوى فهي تقتصر على كونها مناسبة تعيد التذكير بانقلاب كل المفهومات الاساسية في الفكر العربي المبتذل المعروض وترجمته في الواقع المعاش .

من لحظتها بدأت الكارثة , ومن انجازها الكاذب بدأ الانهيار , وكأن تلك الحرب “المجيدة” هي حرب العرب ضد العروبة وانقلابهم على أنفسهم , وهي حرب ما زالت مستمرة حتى بلغت ما نراه من مفارقات , تبدأ بانخراط بعضهم في المشروع الايراني الشعوبي , ولا تنتهي بتأييد بعضهم للغزو الروسي لسورية الذي لا يقل عدوانية عن غزو أفغانستان عام 1979 , دون أن ننسى بأن غالبية العرب شطبت اسم فلسطين من أجنداتهم , ولعلها تبارك للاسرائيليين تدنيس القدس والاقصى , وتساهم بفعالية في حصار الشعب الفلسطيني ومعاقبته .

بعد النصر المزعوم في تلك الحرب المجيدة بأسابيع قليلة انطلقت خطوات المفاوض المصري نحو اسرائيل , وانتهت في كامب ديفيد , وأنجزت نقل مصر من طليعة النضال العربي إلى حليف استراتيجي ثابت لاسرائيل .

الحرب الأهلية اللبنانية بدأت بعد شهور قليلة من نهاية آخر الحروب .

اهتراء الثورة الفلسطينية بدأ في سقوطها في فخ الحرب الاهلية السابقة .

الاستبداد العربي المطلق الذي جسده حافظ الاسد انبنى على قاعدة الانجاز الكبير في تشرين 1973 .

الجيوش العربية من يومها استدارت الى الخلف لتشهر أسلحتها في وجه شعوبها .

كراهية العرب لتاريخهم , والتبرؤ من شبهة العداء للصهيونية , والرغبة الجارفة ( للسلام) مع العدو بأي ثمن , والتسابق على طريق الاستسلام بمعاهدات سلام كما في مصر أو بدون معاهدة كما في سورية هي اعراض المرحلة التي تلت تلك الحرب .

صار الحكام العرب مستعدين لأي حرب باستثناء الحرب مع اسرائيل , كثير من حروبهم وقعت بسبب خلافات على الحدود , وحروب دموية كثيرة تورط بها الجيش السوري في لبنان ضد الفلسطينيين واللبنانيين , والعراقي في ايران والكويت , والليبي في تشاد , والسوداني في جنوبه , والجزائري في الصحراء الغربية .

وتطورت هذه الحالة مؤخرا الى حروب ابادة لبعض الجيوش العربية لشعوبها . الجيش السوري خاضها بضراوة و”بسالة” لم يلمسها العدو الاسرائييل منه في أي حرب مضت . وقد أنجز هذا (الجيش العربي السوري) أخيرا مهمته على أكمل وجه بتدمير البلد , واصابة مليون سوري , وطرد ثلاثة عشر مليونا من مدنهم وبيوتهم , وتوزيع خمسة ملايين كادر مهني وعلمي على دول العالم بالمجان .

في مناخ ( السلام ) الذي أعقب حرب 1973 بدأت الردة على العروبة من معاقلها التاريخية , وكأنها كانت عبئا ثقيلا يجب التخلص منه , ثم تطورت الى حروب على العرب والعروبة , الجيش السوري يغزو لبنان ويحتله ربع قرن , والجيش العراقي يغزو الكويت , ويتورط في حرب لا طائل منها مع ايران .

لقد اغتيلت ثقافة النهضة العربية وثقافة المقاومة الحقيقية وثقافة الالتزام والاصالة , وثقافة العمل والتنمية والعدالة الاجتماعية , وحلت محلها ثقافات لقيطة تتسم بالميوعة والوهمية والسطحية والطفيلية ومع الوقت أثمرت فسادا وولدت هويات قبلية ومذهبية وموجات سلفية متخلفة ومتطرفة وأنتج الانحطاط الذي نعيشه منذ اربعة عقود .

لكل ذلك أرجو ألا تذكرونا بحرب اكتوبر 1973 فهي كارثة لا نصر .

———————————————————————————-

هذا المقال منشور في العدد 296 من )مجلة الشراع) اللبنانية الصادر بتاريخ 9 – 10 – 2015

2
1

تعليق واحد

  1. الكاتب والمناضل العروبي الراحل محمد خليفة الله يرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى، يتحفنا بقراءة موضوعية إستشراقية جميلة لحرب تشرين 1973 وما تلاها ورافقها من إنعكاس على أمتنا العربية، لقد اغتيلت ثقافة النهضة العربية والمقاومة والالتزام والاصالة, وثقافة العمل والتنمية والعدالة الاجتماعية, وحلت محلها ثقافات لقيطة تتسم بالميوعة والوهمية والسطحية والطفيلية ,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى