
قبل عام واحد ربما لم يكن موفق شيخ إبراهيم يتخيل أن كتابه «ضريبة الذل» سيجد طريقه إلى إحدى مكتبات حي الحلبوني الشهير بدمشق. إذ كان مشغولاً بوصول نسخه الأولى من دار نشر غامضة مسجلة في لندن، باسم «أفق للدراسات والنشر»، إلى تركيا ليشارك في معرض الكتاب العربي بإسطنبول.
لا يحمل الكتاب، الذي يتجاوز الثمانمئة صفحة، مقدمة محمد حكمت وليد، المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا فقط؛ بل يعبّر عن وجهة نظرهم في الأحداث التي شهدتها البلاد في المدة التي يغطيها (1963 – 2000) دون أن يكون إصداراً رسمياً على الرغم من إشادة الموقع الإلكتروني للجماعة به.
ويجمع الكتاب بين مذكرات اعتقال مؤلفه بين عامي 1980 و1991، خاصة في سجن تدمر المريع، وبين روايات شفوية ومكتوبة لمفاصل في تاريخ الجماعة التي خاضت، في قرابة منتصف هذه المرحلة، صراعاً دامياً مع سلطة حافظ الأسد في الثمانينات. وينطلق المؤلف، لتحليل الأحداث، من تفسير وحيد لا يترك مجالاً لشريك يقاسمه، وهو ما عبّر عنه العنوان الفرعي بجملة «تجذر الحكم الطائفي».
وكالعادة، تبدأ القصة بالانقلاب الذي قاده حزب البعث في الثامن من آذار من عام 1963، ثم بالصدام الكبير الأول في جامع السلطان بحماة، في العام التالي، مع مجموعة كان على رأسها مروان حديد، الذي سيؤسس تنظيم «الطليعة المقاتلة» لاحقاً. ورغم أن ميول المؤلف تنحو باتجاه الجماعة الأصلية للإخوان، وربما إلى جناح عصام العطار فيها؛ إلا أنه يبدي تفهمه لدوافع الصدام الذي كان، في رأيه ورأي تياره، تعبيراً عن تململ شعبي من تحكم الحزب الواحد وطغمته الفاسدة الطائفية في البلاد. وكذلك بشأن إعلان الجماعة الانخراط في العمل المسلح في أواخر السبعينات بعد أن أغلق النظام في وجهها سبل العمل السياسي وأخذ بملاحقة أعضائها حتى قضى بعضهم تحت التعذيب. حتى إن المفاوضات الأولى بين الطرفين تمت بين سجينين من قادة الجماعة وبين رئيس شعبة المخابرات العسكرية علي دوبا. وأمام طلبات من نوع إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية وحل مجلس الشعب وإجراء انتخابات حرة وإنهاء هيمنة حزب البعث على الحكومة والجيش؛ قال دوبا: «لا يمكن أن أقدم هذه الطلبات للسيد الرئيس، لأنه سيضربني بها على رأسي».
ويستعرض الكاتب جولات التفاوض. في ألمانيا في عام 1984 عندما اعترف دوبا بخطأ السلطة في توسيع دائرة الخصومة لتشمل الإسلاميين بكل تياراتهم بدل الاكتفاء بمواجهة خمسمئة مقاتل فقط ضمتهم «الطليعة». وفي ألمانيا كذلك في العام 1987، عندما طالب الإخوان بإلغاء القانون 49، الذي يقضي بإعدام أي منتسب إليهم، وبالإفراج عن المعتقلين قبل بدء المصالحة، فأنهى دوبا المفاوضات بالقول: «بما أن الرئيس هو أب للجميع فأنتم انزلوا لسوريا وهو يفعل ما يلزم». ولم تنجح محاولات أخرى توسطت فيها أطراف وشخصيات عربية وإسلامية.
يسجل الكتاب موقفاً إخوانياً كلاسيكياً من «الطليعة المقاتلة»، يرى بأن «اجتهادها» في مواجهة النظام أعطاه مسوغاً لإنهاء التيار الإسلامي. وأنها أطلقت المعركة دون أن تملك استراتيجية شاملة، ولا مخططاً أيديولوجياً وثورياً يحظى بإجماع أطياف الإسلاميين، ولا عمقاً إقليمياً يمكن الاعتماد عليه. واضطرت الجماعة الأم إلى دخول المعركة دفاعاً عن النفس لا كإجراء هجومي. حتى إن عدنان سعد الدين، المراقب العام للإخوان وقتئذ، أصدر قراراً بفصل أي عضو من الجماعة يرتبط بعلاقة تنظيمية مع «الطليعة»، واستثني من ذلك مركز حماة بسبب العلاقات الاجتماعية المتداخلة بين أفراد الطرفين. وفي مركز حلب فُصل أبرز قادة الجماعة المسلحة كحسني عابو وعدنان عقلة وآخرون.
ومن ميزات الكتاب عرض محاولة الانقلاب الإسلامي، التي كانت مقررة في ربيع عام 1982، على يد عدد من أعضاء تنظيم ضباط الإخوان في الجيش، والذي يقول إنه تأسس في 1965. وقد اعتقل بتهمة هذه المحاولة قرابة خمسين ضابطاً، وفق الكتاب، أرفعهم برتبة عميد، حُكم على بعضهم بالإعدام فيما قضى آخرون منهم مدداً طويلة من الاعتقال في سجنَي المزة وتدمر العسكريين.
كما ينشر شهادة طلبها من أحد الذين خضعوا لتجارب السلاح الكيماوي. والذي كان معتقلاً لدى إدارة المخابرات الجوية فطلبه الطبيب، مع عدة أشخاص، وفحصهم بدقة غير مألوفة. وبعد أيام نقلوا إلى مكان قريب من مطار «الضمير» بريف دمشق، حيث قسّموا إلى ثلاث مجموعات تعرضت لنسب مختلفة من تركيز المادة الكيماوية بينما يسجل الطبيب بدقة شديدة الأعراض التي ظهرت على أجهزتهم التنفسية والعصبية التي لم تشف تماماً.
يزخر الكتاب بالأسماء وفيه ملحق للوثائق وآخر للصور. فهو يذكر أعضاء كثيرين من الجماعة لأسباب مختلفة، كالاعتقال أو الإعدام أو مجرد الانتساب، وضباط وصف ضباط وسجانين ومحققين في فروع ومعتقلات تلك العقود، وسجناء من عدة تيارات سياسية.
ويعرض لمحطات من تاريخ المرحلة لا يتسع المجال لذكرها كلها هنا، كصراعات البعثيين في الستينات وأحداث الدستور ومحاولات الانقلاب على حافظ الأسد ومجزرة حماة. كما لأبعاد له تشمل العمل الخارجي لمخابرات النظام، واحتجاز الرهائن للضغط على المطلوبين ليسلّموا أنفسهم، واعتقال نساء من فضاء الجماعة. وبهذا يبدو منجماً من المعلومات التي تحتاج، كما هي حال أي منجم، إلى كثير من الغربلة والمقارنة لاعتمادها كحقائق نهائية. لكنه مبدئياً ينضم بجدارة إلى عدد قليل من الكتب التي تستحق أن تُعدّ مراجع عن تلك السنوات التي لم تقل بعد كل أسرارها.
المصدر: تلفزيون سوريا
قراءة موضوعية ونقدية لكتاب “موفق شيخ إبراهيم” بإسم «ضريبة الذل» من قبل الكاتب الناقد “حسام جزماتي” الكتاب يسرد الأحداث التي شهدتها سورية في المدة التي يغطيها (1963 – 2000)، الكتاب برؤية وتفسير وتحليل وفق الأجندة الإخوانية، من المقدمة من قبل المرشد العام السابق “محمد حكمت وليد” .