في منزل على أرض ملاصقة لمخيم أُنشئ بين مدينتي سرمدا والدانا بريف إدلب الشمالي الغربي، سكنت السيدة الثمانينية المنحدرة من قرية التمانعة بريف خان شيخون، والتي أعلنت “مديرية صحة إدلب” عن وفاتها بسبب إصابتها بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، كأول حالة وفاة بسبب الفيروس في مناطق شمال غربي سوريا، في 19 من آب الحالي.
معاناة السيدة من قصور كلوي مزمن تلقت إثره غسيل كلى، بالإضافة إلى التقدم بالسن، وأمراض السكر والضغط والقصور التنفسي والوذمة الرئوية، كانت من أسباب وفاتها.
رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في “مديرية صحة إدلب”، الطبيب أنس دغيم، قال في حديث لعنب بلدي، إن السيدة المسنة وُضعت على “المنفسة” بعد مراجعتها المستشفى قبل يومين من وفاتها بسبب قصور تنفسي، وأُخذت لها مسحة كانت نتيجتها إيجابية، أي أنها مصابة بفيروس “كورونا”، والوفاة هي بسبب الفيروس مع القصور الكلوي الذي عانت منه.
“كورونا” في المخيمات
سُجلت وفاة السيدة كأول حالة وفاة لمصاب بالفيروس في مناطق الشمال الغربي، وتحديدًا في مخيماته، لملاصقة سكنها بمخيم للنازحين، وسبق الوفاة تسجيل إصابتين في مخيم “السلامة” على الحدود السورية- التركية، لمريضين عُزلا في مستشفى “اعزاز الوطني”، بحسب ما ذكره وزير الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، مرام الشيخ، عبر حسابه في “تويتر“، في 10 من آب الحالي.
ناقش الشيخ إثر ذلك مع إدارة المخيم ومنظمة الصحة العالمية حجر المخيم بشكل كامل، وأكد زيادة التوعية المجتمعية وحملات التعقيم، وعمل “فريق الدفاع المدني” في اعزاز على تعقيم أرجاء المخيم وتوزيع منشورات لتوعية سكانه، كما يعمل على تعقيم المخيمات الأخرى في الشمال السوري وأماكن إيواء النازحين المؤقتة، وكل منطقة يثبت فيها إصابة بفيروس “كورونا”، بحسب ما قاله مدير “الدفاع المدني” في إدلب، مصطفى الحاج.
وأضاف الحاج، في حديث إلى عنب بلدي، أن حملات التعقيم والتوعية حول فيروس “كورونا” المنظمة من قبل فريق “الدفاع المدني” بشكل عام وخاصة للمخيمات، مستمرة منذ بداية جائحة “كورونا” في العالم، مشيرًا إلى أن الحملات تقتصر الآن على ملصقات التوعية فقط، بعد إيقاف توزيع المنشورات كونها إحدى وسائل نقل العدوى، بالإضافة إلى عدم القدرة على تجميع المدنيين، لأن الازدحام والتجمع بمكان واحد أو مكان مغلق، مخالف لشروط الصحة العالمية.
الخيمة ملاصقة لجارتها
يوصي رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في “مديرية صحة إدلب”، الطبيب أنس دغيم، سكان المخيمات بالالتزام بالإجراءات الوقائية العامة، من تباعد اجتماعي وارتداء الكمامة الطبية وعدم التواجد في التجمعات إلى للضرورة، بالإضافة إلى ارتداء القفازات الطبية في حال الذهاب إلى مكان يُشك بوجود إصابات فيه، مع تعقيم اليدين وغسلهما بطريقة صحيحة وبشكل مستمر.
إلا أن كثيرًا من سكان المخيمات لا يستطيعون الالتزام بهذه الإجراءات، بسبب الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعانون منها.
مدير مخيم “تجمع الشيخ إدريس” في خربة ماعز (بين كفر دريان وكفر عروق)، محمود نايف السيد، قال لعنب بلدي، “أنا غير قادر على الالتزام بإجراءات الوقاية من كورونا، ولا سكان المخيم، لأن هذا الأمر مستحيل في ظل الازدحام السكاني الذي يعاني منه المخيم، وغياب مؤهلات الوقاية”.
وأضاف محمود نايف السيد، في حديثه لعنب بلدي، أن عدم القدرة على الالتزام بإجراءات الوقاية يأتي بسبب غياب الكمامات الطبية ومواد التعقيم، وغياب الجهات التي تمد المخيم بمستلزمات الوقاية في ظل انتشار المرض، وعدم امتلاك سكان المخيم أموالًا يشترون بها هذه المستلزمات.
ويؤكد أن الالتزام في الخيم لتخفيف العدوى “أمر مستحيل”، لأن الخيام موضوعة بجانب بعضها، ولا يمكن للسكان الجلوس بداخل الخيمة لعدم وجود عازل حرارة فيها، وهم يعانون من تقلبات الحرارة، الحر في الصيف، والبرد في الشتاء، وبناء عليه ستكون هناك تجمعات للسكان.
يتمنى محمود أن يتمكن سكان المخيم من حجر أنفسهم في ظل انتشار الجائحة أو أي مرض آخر، أو أن يكف المرضى أنفسهم عن الناس لمنع انتشار العدوى، لكنه يعي أن وضع المخيمات لا يسمح بذلك.
المنظمات مُلامة
ويبرر مدير مخيم “الريان” الواقع في بلدة حربنوش شمالي إدلب، قدور رمضان، عدم التزام سكان المخيمات بإجراءات الوقاية، ويلقي اللوم على المنظمات، لغياب دورها وعدم توزيعها أيًا من مستلزمات الوقاية على أهالي المخيم، بحسب رأيه.
وقال لعنب بلدي إن “السكان متروكون على حالهم، والجهات المختصة والمسؤولة عن متابعة الموضوع لم تكن بقدر المسؤولية”، مشيرًا إلى أن دور المنظمات التي زارت المخيم اقتصر على التوجيه وحملات التوعية، على عكس احتياجات المخيم إلى المواد الطبية من كمامات ومعقمات، في ظل عدم قدرة الناس على شرائها.
“إذا لم تعمل تموت في ظل غياب الرواتب والمعاشات”، قال قدور، مضيفًا أن الأوضاع الاقتصادية لسكان المخيم، وبحثهم عن لقمة العيش يمنعهم من الالتزام في منازلهم، فهم بحاجة إلى العمل لتأمين حاجياتهم.
لكن رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في “مديرية صحة إدلب”، أنس دغيم، أشار إلى إمكانية ارتداء السكان الكمامات “بشرائها من القطاع الخاص” أو صنعها منزليًا بشكل مجاني، بعد تعلم آلية صنعها في المنزل، وبذلك تكون رخيصة الثمن ومتاحة لأي شخص.
“كارثة إنسانية”
يتخوف المسؤولون عن القطاع الطبي في المدينة من وقوع “كارثة” إنسانية وتدهور على مستوى القطاع، بسبب عدم قدرته على استيعاب المصابين في حال وقوع انفجار وانتشار سريع للجائحة في مخيمات الشمال السوري.
الطبيب أنس دغيم لفت إلى “خطر” انتشار الفيروس في المخيمات، وذلك بسبب اكتظاظها بالسكان، حيث يسكن فيها حوالي ثلث سكان مناطق شمال غربي سوريا، بالإضافة إلى طبيعة السكن فيها التي تمنع السكان من العزل المنزلي أو التباعد الاجتماعي.
مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، محمد حلاج، أكد لعنب بلدي وجود “مشكلة” في المخيمات، حيث لا يفصل بين الخيمة وجارتها أكثر من متر واحد، بينما تتوجه المطالبات لسكان المخيم بالتباعد الاجتماعي، ليكون بين الفرد والآخر مسافة متر أو متر ونصف، “وهذا الأمر مستحيل”، بحسب تعبيره.
أما بالنسبة لارتداء الكمامات، فقال حلاج إن سعر الكمامة الواحدة ألف ليرة سورية أو ليرتان تركيتان (الليرة التركية تساوي 289 ليرة سورية)، متسائلًا كيف يمكن للفرد أن يؤمّن كمامة بشكل يومي لنفسه فقط، وأجرته اليومية لا تتجاوز ثلاثة آلاف ليرة تركية.
وكانت “الحكومة السورية المؤقتة” اتخذت مجموعة من التدابير الوقائية للحد من انتشار الجائحة، مع ازدياد أعداد الإصابات المسجلة في شمال غربي سوريا، منها فرض ارتداء الكمامات الطبية تحت طائلة المخالفة، على أن تعمل على تأمين الكمامات مجانًا وعلى دفعات، بحسب بيان صادر في 13 من آب الحالي.
حلاج يرى أن توزيع المنظمات والجمعيات الكمامات الطبية أو وجود استجابة تغطي الحاجة يجعل فرض “الحكومة المؤقتة” ارتداء الكمامات تحت طائلة المخالفة منطقيًا، لكن هذا الأمر غير متوفر حاليًا، ويوجد في مناطق شمال غربي سوريا ما يقارب أربعة ملايين نسمة، يحتاجون يوميًا كحد أدنى إلى مليون كمامة، لذلك لن يلتزم أحد بارتدائها، بحسب قوله.
ويرى مدير فريق “الدفاع المدني” في إدلب، مصطفى الحاج، أن نسبة التزام سكان المخيمات بالإجراءات الوقائية “ضئيلة جدًا”، ويحتاج الأمر منهم إلى وعي أكثر والتزام أكبر بالإجراءات.
وقال إنه لا يمكن تحميل أهالي المخيمات العبء كاملًا، بسبب الفقر وعدم امتلاكهم سوى قوت يومهم والخيام التي يعيشون فيها، ولا يمكن إلقاء اللوم على أي شخص إن كان يقيم في المخيمات أو خارجها، إذ إن الدخل المادي للأفراد منخفض جدًا وسط ارتفاع أسعار مواد التعقيم والكمامات ومستلزمات الحماية وانقطاعها، مشيرًا إلى وجوب إلقاء اللوم على الجهات الفاعلة على الأرض من الجمعيات والمنظمات الإنسانية.
بينما تحدث رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في “مديرية صحة إدلب”، أنس دغيم، عن مشاريع أُرسلت لعدة منظمات لتأمين الكمامات الطبية، وذلك لدعم مخيمات النازحين بشكل خاص، والناس والمراجعين في المستشفيات والمنشآت الطبية بشكل عام، إضافة إلى مشروع أُرسل إلى “الأمم المتحدة” لتزويد عموم الناس في مناطق الشمال السوري بالكمامات الطبية.
ويلقي دغيم اللوم على سكان المخيمات عند عدم التزامهم بإجراءات الوقاية، وعدم التزام المواطنين بشكل عام بها، وعدم قناعتهم وأخذهم الجائحة وخطرها على محمل الجد.
وسجلت وزارة الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة” 59 إصابة بفيروس “كورونا” في مناطق شمال غربي سوريا، وأعلنت عن شفاء 46 شخصًا من المصابين ووفاة شخص.
المصدر: عنب بلدي