
انتهت الحرب الإسرائيلية الإيرانية لكنها لم تنته بعد، هذا ما توحي به القراءة الأولية لمجريات حربٍ استندت، كما أفصح بنيامين نتنياهو، إلى نص تلمودي يروي حكاية شعبٍ “يقوم كالأسد، ويشرئب كالليث، ولا ينام حتى يأكل فريسته، ويشرب من دم ضحاياه”. ومن هنا أخذت الحرب عند الإسرائيليين تسمية “الأسد الصاعد”، بينما أراد الإيرانيون منها تمثلاً لقيام “الوعد الصادق” الذي يرتبط بظهور “الإمام المهدي الواعد بالنصر المبين والعزّ والتمكين”. ويجمع السرديتين انشداد إلى ماض ميثولوجي غارق في التاريخ، يدفع إلى إحيائه حاضر مأزوم ومزرٍ، ما يجعلنا ننظر إلى الحرب الماثلة أنها “حرب دينية”، على غرار ما حدث من حروبٍ في بقاع عديدة من العالم استلهمت رؤى ميثولوجية تختفي وراءها أو تترافق معها دوافع سياسية واستراتيجية واقتصادية معلومة.
إذا ما أسقطنا هذه النظرة على الوقائع القائمة وما سبقها، وما سيلحق بها على امتداد الزمن المقبل، تتكشف لنا أهداف الطرفين المنخرطين في الصراع، وما يطمحان إلى تحقيقه، إذ ما هو واضح تماماً أن ما تريده إسرائيل من إيران بعد بتر أذرعها هو نزع أسنانها النووية، وتحجيم قدراتها الصاروخية لكي توقف تطلعّاتها في مواجهة المشروع الإسرائيلي، وقد تحقّق بعض ما أرادته عبر عملية “مطرقة منتصف الليل” التي نفذتها الولايات المتحدة، والتي استهدفت منشآت تخصيب اليورانيوم، وكذا من خلال ما فعلته إسرائيل نفسها عن طريق زرع شبكاتٍ تابعة للموساد في الأراضي الإيرانية، استخدمت قدرات إلكترونية متقدّمة أطاحت رؤوس أكثر من 60 قائداً عسكرياً وعالماً نووياً، ما ألحق أضراراً بالغة بالبنيتين النووية والصاروخية، وأحدثت دماراً فادحاً في منشآت ومراكز عسكرية، كما ضمنت اليد الطولى لسلاح الجو الإسرائيلي في السيطرة على الأجواء الإيرانية.
فعلت إسرائيل هذا كله في مسعى مخطّط ومدروس لإزالة العوائق التي تحول دون قيام “الشرق الأوسط الجديد” الذي يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بما يضمن مصالحها ومصالح الغرب، وبما يشكّل نقلةً عمليةً تضمن لها نوعاً من التفوق الاستراتيجي والسياسي، وقد تخوض حروباً أخرى لاختبار هذا التفوّق وتكريسه، وهي بذلك تتماهى مع الشعار التوراتي الذي تبنّته الحركة الصهيونية منذ نشوئها الذي يرسم خريطة إسرائيل الموعودة بين الفرات والنيل.
ما تريده إسرائيل من إيران بعد بتر أذرعها هو نزع أسنانها النووية، وتحجيم قدراتها الصاروخية لكي توقف تطلعّاتها في مواجهة المشروع الإسرائيلي
معروفٌ، في المقابل، أن لإيران رؤيتها الاستراتيجية التي اعتنقتها عند قيام “الجمهورية الإسلامية” عام 1979، وقد عملت، منذ ذلك الوقت، على وضع خريطة طريق لتطبيق رؤيتها على الأرض عبر نشر (وإنفاذ) مشروعها العرقي الطائفي الذي تشكّل “ولاية الفقيه” غطاءه المعلن، ولتكريس هيمنتها على العالم العربي. وهذا ما جعلها تتواطأ مع الأميركيين إثر غزوهم العراق، وأن تهيمن على مقادير العراقيين وأقدارهم، وتأخذهم عنوة إلى ما تريده، وكذلك عملها الشرّير في تدمير النسيج الوطني، وخلخلة التركيبة السكانية، وتأجيج الاستقطابين، الديني والمذهبي، في أكثر من بلد عربي تحت شعار “تصدير الثورة”. وانعكس مشروعها هذا أيضاً في مواجهة السوريين، عندما دخلت قطعات الحرس الثوري إلى دمشق، وشاركت في قمع الحراك الشعبي ضد نظام الأسد، وعدت مسؤولة عن قتل كثيرين من شباب سورية ونخبها وتغييبهم، كما اختطفت القرار السيادي اللبناني من خلال حزب الله، ووضعت بذلك شعب لبنان ودولته على كفّ عفريت، وهي في كل ممارساتها هذه اختارت الطريق المضادّ للعرب، لكنها عندما شعرت بالخطر يدنو منها بعد التداعيات الإقليمية التي أفرزتها عملية طوفان الأقصى، تنكبت عن نجدة ذيولها، وسعت إلى الانفتاح على دول الخليج، وتطبيع علاقاتها معها، والتقرّب من الولايات المتحدة والغرب.
لا يمنعنا سرد هذه الوقائع التي يحاول بعضهم تغييبها عن الذاكرة من الإقرار بأن الإيرانيين حققوا في الحرب أخيراً اختراقاً في الجسد الاسرائيلي، عندما تمكّنوا من مواجهة الهجمات الأولى، واستوعبوا خسارتهم قياداتٍ عسكرية مهمّة، واستعاضوا عنها بقيادات أخرى حلّت محلّها بسرعة، وواصلوا إطلاق ضربات صاروخية موجعة أحدثت دماراً في منشآت ومراكز عسكرية وحيوية، ومثل هذا الاختراق المحسوب قدرة ردع وتوازن مع التفوق الإسرائيلي لا يمكن إغفالها.
يبقى ما هو جدير بالإشارة إليه أن كلا المشروعين، الإسرائيلي والإيراني، يحملان كمية من الأحقاد والشرور كافية لإثارة الحروب وتأجيج التوترات على الدوام. ولسوء حظ العرب، فقد استقرّ مقامهم على الهامش بين هذين المشروعين، بعدما تآكل مشروعهم القومي، واستوطنتهم الهزائم والنكبات، ولم يتبقّ لديهم سوى أصواتهم المبحوحة التي تعبّر عن قلق وخوف مما قد يجري لاحقاً، خصوصاً أن الحرب الماثلة لم تصل إلى محطّتها النهائية بعد.
المصدر: العربي الجديد
أنهى الرئيس الأمريكي “ترامب” الحرب بين الكيان الصhيوني وإيران، فهل إنتهت ؟ حربٍ استندت إلى نص تلمودي يروي حكاية شعبٍ “يقوم كالأSد، ويشرئب كالليث، ولا ينام حتى يأكل فريسته، ويشرب من دم ضحاياه” كما إدعى نتnياهو. أن كلا المشروعين، الإSرائيلي والإيراني، أعداء أمتنا العربية ويحملان كمية من الأحقاد والشرور للحروب وتأجيج التوترات على الدوام.