إيران وإسرائيل محكومتان بحرب جديدة

بسام مقداد

حرب الإثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران، التي أنهاها ترامب بفرض هدنة على الطرفين، يرى الخبراء أنها محكومة باندلاع جولة جديدة. الفريقان أعلنا انتصارهما، لكن الفرق شاسع بين كيفية صرف كل منهما هذا الرصيد الذي يدعي اكتسابه. كما أن الفرق شاسع أيضاً بين الوقائع، المثبتة أو التي لا تزال عرضة للشك، التي يسوقها كل منهما لدعم قوله بالانتصار.

ففي حين يستعد نتنياهو لدخول تاريخ إسرائيل إلى جانب بن غوريون بهحومه على إيران، يعلن خامنئي أن بقاء النظام هو الانتصار. ويستند إلى هذه الحقيقة غير المستندة إلى وقائع تدعمها، ليعلن أنه مستعد لاستئناف الحرب طالما أن إسرائيل لا تعلن أن هدفها إسقاطه. ويعرف المرشد تماماً أن هدف إسرائيل الإستراتيجي، هو إسقاط نظامه، لكنها لم تنجح خلال بضعة أيام من تحقيق هذا الهدف  لأسباب عديدة، في مقدمها عدم موافقة ترامب على ذلك الآن، والتي قد تتغير في أي لحظة.
وترامب الطاووس يفرد ريشه متباهياً بأنه الرئيس الأميركي الوحيد من بين الرؤساء الأميركيين الذي وصلوا إلى البيت الأبيض بعد ثورة الملالي، الذي سمح لإسرائيل بالهجوم على إيران الملالي، وشاركها به.

الإسرائيليون يبتهجون بما حققته الجولة الأخيرة، لكنهم لم يقيموا مهرجانات النصر، بل يستعدون للجولة الثانية التي قد لا تأتي إلا بعد حين. ويستعد نتنياهو للقاء ترامب في البيت الأبيض، ليس لمناقشة موعد هذه الجولة، بل لإفساح المجال أمام ترامب ليعزز ما حققته الجولة بتوسيع اتفاقيات إبراهيم، والذي بشر به مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف في مقابلة مع شبكة CNBC في 25 الجاري تحدث فيها عن نتائج الجولة الأخيرة من الحرب الإيرانية الإسرائيلية.

موقع الخدمة الروسية في دولتشي فيله DW استضاف في 25 الجاري خبراء تحدثوا عن نتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتوقعاتهم لتطورها اللاحق.

الخبير الروسي المعروف بالشؤون الإيرانية Nikita Smagin رأى أن إعلان المجلس الأمن القومي الإيراني اعتبار وقف إطلاق النار “انتصاراً على إسرائيل التي اضطرت للاعتراف بالهزيمة ووافقت على وقف إطلاق النار من جانب واحد”. وقال إن هذا هو الخطاب المعتاد للنظام الحاكم، الذي لم يعد لديه ما يقدمه من جديد بعد الضربات المدمرة التي تلقتها منشآته العسكرية. ويعتبر أن هذا يبدو غير مقنع في داخل إيران نفسها، بل يُظهر عدم استعداد طهران لتقبل الواقع الجديد. والواقع الجديد هذا لم يتشكل في حزيران- يونيو الحالي، بل في العام الماضي. وكان ينبغي على إيران التكيف مع هذا الواقع الجديد بفعالية أكبر.

يقول الخبير إن إيران، ولسنوات عديدة، بنت أمنها على خيارات ردع إثنين. “أولاً، قوات أذرعها  في المنطقة القادرة على ضرب إسرائيل والقواعد الأميركية. ثانياً، قدراتها الصاروخية”. بعد هزيمة حركتي حماس وحزب الله ، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، انهار خط الدفاع الأول. ويضيف بأن الصواريخ التي راكمتها إيران، وعلى الرغم من الأضرار والدمار الذي ألحقته بإسرائيل، لم تتمكن من خلق تهديدات حقيقية لإسرائيل، التي كانت قد رسخت سيطرتها الفعلية على سماء إيران. ويرى أن إيران تُجري الآن إعادة نظر “مؤلمة” في دورها بالمنطقة والعالم. لكن السؤال هو: كيف ستقوم إيران بإعادة النظر هذه، “وهل سيُسمَح لها أصلًا برفع رأسها؟”.

يرى الخبير أن البرنامج النووي الإيراني قد أعيد سنوات إلى الوراء، بغض النظر عن تصرييحات إيران وبعض المحللين الرافضة لذلك. فإعادة إطلاق المشروع النووي تتطلب وجود دولة مستقرة سياسياً وجيشاً قادراً على حماية الوسائل الجديدة من الهجوم. ويؤكد Smagin أن النخبة ربما تكون قد  قررت أنها بحاجة إلى الأسلحة النووية، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة، لكن المشكلة في أن تنفيذ هذا في الوضع الحالي سيكون أكثر صعوبة بما لايقاس مما كان عليه في الآونة الأخيرة.

البوليتولوغ والمستشرقة الإسرائيلية والعضو السابق في الكنيست Ksenia Svetlova رأت أن النظام الإيراني قد ضعف، لكن لم يتم إسقاطه. وهو يدرك أن أحداً لم يضع نصب عينيه الإطاحة به في الوقت الراهن، لذلك لم تقفل إيران مضيق هرمز ولم تقصف أبو ظبي والرياض. ولو كان وجوده مستهدفاً، لكان دافع عن وجوده بشكل مختلف. لكنه يحاول الآن الاستمرار في الوجود والاحتفاظ بقواه للمعركة التالية. ويبدو للمستشرقة أن إيران وإسرائيل في طريق مسدود الآن. وهذا الوضع يثير قلق إسرائيل، إذ أن الجولة الأولى من المجابهة قد انتهت عمليًا من دون اتفاق مُرضٍ يُمكّن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من التحقق من كل شيء. وترى “أننا محكومون بحرب أخرى”.
ترى المستشرقة أن أحداث الأسابيع الأخيرة هي “معركة”، وليست بعد “حرباً”. وتشير إلى أن الكثيرين في إسرائيل يدركون هذه الحقيقة. وتقول ” لقد تضررت حياتنا بشدة. ولم يعد يتوقر الأمن الذي اعتدنا عليه. علينا الاستعداد لاستمرار الوضع، ولا أرى أي شروط لحدوث تغييرات جدية”.

موقع Meduza الروسي المعارض أجرى في 24 الجاري مقابلة مع متخخص روسي بالشؤون الإيرانية تكتمت على اسمه “لأسباب أمنية”. آراء الخبير الروسي في المقابلة تبين بوضوح أنه ينسجم كلياً مع نهج الكرملين حيال إيران في مجابهتها الأخيرة مع إسرائيل. و”الأسباب الأمنية” التي حالت دون ذكر اسمه ليست لخطر محدق بحياته، بل لأن أي تعامل مع موقع إعلامي معارض للكرملين يعرض المتعامل للملاحقة.

في الرد على السؤال عما إذا كانت الحرب قد انتهت، قال الخبير “مكتوم الهوية”، بأنه يمكن الكتابة بقلم الرصاص أن الحرب انتهت. وإذا لم تندلع من جديد بعد شهر، يمكن حينها الكتابة بقلم الحبر. ويقول إن ثمة شعوراً سائداً بأن الوضع شديد الهشاشة، وقد ينفجر في أي لحطة. ويرفض أن يصدق الرواية الإسرائيلية عن القصف الإيراني لإسرائيل (وبعد سريان مفعول الهدنة أيضاً)، ويقول إن إيران لم تبادر يوماً لقصف إسرائيل، بل ترد عادة على القصف الإسرائيلي.

وعن انخراط الولايات المتحدة في حرب إسرائيل ضد إيران بعد القصف الأميركي لمواقع النووي الإيراني، أم لا. قال الخبير إنه من الناحية الفنية، ومن منظور القانون الدولي ، كانت الضربة الأميركية هجومًا على أراضي دولة أخرى ذات سيادة، وليست في حالة حرب معها. وفي الوقت نفسه، يقول نائب الرئيس الأميركي جيه. دي. فانس إن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع إيران، بل مع البرنامج النووي الإيراني. ويكتب ترامب أنه سيكون من الجيد تغيير النظام في إيران. لذا، فالأمر غامض: قانونيًا، كانت حربًا بالطبع، “ولكن في الواقع، الله وحده يعلم ما هذا”.

وعن رد فعله على قرار ترامب توجيه ضربة إلى إيران، قال الخبير بأنه صدم بذلك. فالولايات المتحدة لديها كومة من المشاكل مع إيران، ولكن كان هناك دائمًا طريقة للتوصل إلى توافق على حل ما. بالطبع إيران تعتبر الولايات المتحدة عدوها من وجهة نظر الإيديولوجيا، لكن لديها محكمة مشتركة مع الولايات المتحدة، تتألف من ثلاثة قضاة إيرانيين، وثلاثة قضاة أميركيين، وثلاثة قضاة من طرف محايد، وهم يفصلون في القضايا المتعلقة بالأفراد والدول.

الخبراء الروس الملتزمون بموقف الكرملين من إيران في حربها مع إسرائيل، يحرصون دائماً على مقاربة الموضوع الإيراني من وجهة نظر القانون الدولي، ويتغاضون عن سلوك نظام الملالي في المنطقة وخرقها القوانين الدولية بانتهاك سيادة الدول المجاوة وتشكيل ميليشيات مسلحة- دول داخلها.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى